أؤكد منذ البداية أننى لا أملك اليقين ولا أحتكر الحقيقة وحدى.. وإنما أقول وأكتب ما أنا مقتنع به، وما أظن أنه الصواب الذى يحتمل الخطأ.. والطرح الذى يقبل القبول أو الرفض والحوار والمناقشة والتعديل والتغيير.. وقد يعارضنى كثيرون الآن حين أقول إننى لست مقتنعاً بذلك الاحتفال الكروى الذى تقيمه القوات المسلحة المصرية بمناسبة ذكرى انتصار أكتوبر.. ولم أجد أى علاقة من أى نوع بين ذكرى الانتصار العظيم بأبطاله وصانعيه وشهدائه.. وبين مباراة ودية فى استاد الكلية الحربية ليس هذا وقتها وأوانها.. بين منتخب الأهلى وحرس الحدود ومنتخب الزمالك وطلائع الجيش.. فهناك ثلاثة أندية منها تواصل استعداداتها الجادة والحقيقية، انتظارا لانطلاق الدورى العام بعد أسبوع.. بينما يواصل الزمالك تدريباته الأخيرة تمهيدا للمشاركة فى نهائى كأس مصر يوم الثلاثاء المقبل.. وهذا يعنى بوضوح أن الجميع لن يتعاملوا مع تلك المباراة الاحتفالية بأى نوع من الجدية والاهتمام.. ثم إن تلك المباراة الاحتفالية نفسها تقام بلا أى رسالة واضحة المعالم مثلما تقام مباريات احتفالية مشابهة فى العالم حولنا بين وقت وآخر، حيث يقوم النجوم العالميون والكبار بجمع المال لمحاربة الجوع والفقر أو إعلان الحرب على التفرقة العنصرية أو كراهية أجناس وأديان.. فلم نجد إعلانا بأن دخل تلك المباراة مثلا سيتم تخصيصه لصندوق عائلات شهداء حرب أكتوبر الذين كبر أولادهم قطعا بعد مرور 38 سنة على انتهاء تلك الحرب.. أو سيتم تخصيص الدخل للبدء فى أى مشروع مصرى قومى على أن يتم توجيه الدعوة لمعظم رجال الأعمال والشركات والمؤسسات المصرية لشراء التذاكر الغالية جدا بقصد جمع أكبر مبلغ ممكن لمصلحة هذا المشروع الذى يرتبط بأكتوبر وانتصاره.. ولا وجدنا برنامجاً محدداً لذلك اليوم ستمتزج فيه الكرة ونجومها بقصص الشهداء العظام وحكايات المقاتلين المصريين الخرافية.. كل ما قيل إنها مباراة فى حب مصر.. ولست أعترض إلا على حب مصر.. هذه العبارة الغامضة التى تحتمل وتتسع لآلاف المعانى وليست كلها بالضرورة صالحة أو طيبة أو تخص مصر وأهلها بالفعل.. وأتحدى أى أحد سيشاهد تلك المباراة فى الملعب أو على شاشة تليفزيون أن يربط بين كرة ودية وعشوائية تفيض بالمجاملات والاستخفاف وبين حرب أكتوبر وذكراها.. لكنه الاستسهال وتلفيق الأمور والمناسبات كأداء لواجب ثقيل الدم.. وربما كانت الحسنة الوحيدة لتلك المباراة هى الروح الطيبة التى أبداها النجم الكبير أبوتريكة حين أكد أنه لا يمانع من ارتداء فانلة الزمالك.. والنجم القدير شيكابالا حين قال إنه على استعداد لارتداء فانلة الأهلى إن كان ذلك سيؤدى إلى اختصار ولو قليلا من مساحات الكراهية والتعصب.. وأنا أشكر النجمين الكبيرين على ذلك رغم أننى لا أفهم لماذا يرتدى أبوتريكة فانلة الزمالك طالما سيلعب فى منتخب الأهلى وحرس الحدود.. ولا متى سيحتاج شيكابالا للفانلة الحمراء طالما أنه سيلعب فى منتخب الزمالك وطلائع الجيش.. وهل سيرتدى منتخب الأهلى وحرس الحدود الفانلة الحمراء، احتراما لشعبية الأهلى ويرتدى منتخب الزمالك والجيش الفانلة البيضاء احتراما لشعبية الزمالك.. ولكن ذلك سيصبح انتصارا لكرة القدم وجمهورها على أندية العسكر فى يوم احتفالهم العظيم.. فإن ارتدى المنتخبان ألوان حرس الحدود والجيش.. فذلك سيعنى أنها مباراة بلا جمهور وبلا عشاق أيضا.. وقد أكون مخطئا فى ذلك كله وهناك معان وتفاصيل وأهداف غابت عنى.. ولكننى مقتنع تماما بما كتبته باعتبارى أحد أبناء الجيل الذى شهد فى طفولته انتصار أكتوبر ولأننى أحد أبناء شهداء أكتوبر الذين كبروا وعرفوا يوما بعد يوم وسنة بعد أخرى قيمة ما قام به آباؤهم وماتوا من أجله.. ولا أزال أرى أكتوبر أعمق وأهم من كل هذا الذى يحدث.. من كل تلك البرامج المكررة والمعادة التى تستضيف قادة وخبراء عسكريين يحكون عما جرى منذ 38 سنة.. بينما كان الأمر سيختلف كثيرا لو أن نجوم الأهلى والزمالك ظهروا على شاشات التليفزيون مثلا يحكون للأجيال الجديدة عن انتصار وشهداء أكتوبر. المصري اليوم