بأسلوب النفاق والمراوغة السياسية اللأخلاقي حاول النظام الإيراني ربط ما جرى و يجري من انتفاضات شعبية في الشارع العربي بالثورة الإيرانية التي فشلت في تحقيق شعاراتها على جميع الأصعدة رغم مضى أكثر من ثلاثين عاماً على قيامها . لقد بذل النظام الإيراني محاولات مضنية لتوكيد ادعاءه بان الانتفاضات التي شهدتها بعض الأقطار العربية مرتبطة بإيران من الناحية المعنوية والفعلية وقد تمثل جانبا من تلك المحاولات في الخطبة الشهيرة التي ألقاها مرشد النظام الإيراني "علي خامنئي " في 4 فبراير الماضي من على منبر مصلى الجمعة في جامعة طهران والتي تعرضت لانتقادات شديدة من داخل إيران و خارجها بسبب ما حملته من تناقض فاضح دفع بالعديد من المراقبين إلى نعت تلك الخطبة بالسفسطائية لأنها تنم عن نفاق سياسي واضح . يتجلى النفاق السياسي للنظام الإيراني عند وصفه للمظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية والمطالب المشروعة للشعوب الإيرانية بأنها مؤامرة مدعومة من الخارج و تستهدف الثورة الإسلامية و يقمعها بشدة لا مثيل لها , ولكنه بالمقابل يعد أعمال الشغب والبلطجة التي يقوم بها أتباعه في بعض دول المنطقة ( في البحرين ولبنان على سبيل المثال) بأنها مقاومة و ثورات شعبية ‘ وبالوقت ذاته أيضا يصف ثورة الشعب السوري بأنها مؤامرة تستهدف صمود نظام الممانعة في دمشق على حد زعمه. إن النفاق الإيراني حيال أحداث الشارع العربي لا يحتاج إلى كثير من الذكاء لكي يكتشف المتابع حجم هذا النفاق فهذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها النظام الإيراني نفاقه السياسي . فعلى سبيل المثال ‘ نجد أنه وبعد توقف حربه مع العراق حاول النظام الملالي التخلص من الحقبة الخمينية والخطاب الثوري المهيج للعواطف للحصول على كسب رضا العالم الخارجي لذلك انتقل في عهد رئاسة رفسنجاني إلى الخطاب البراغماتي ولكن حين وجد أن هذا الخطاب ليس كافياً بالقدر الذي يواكب عجلة السلام التي كانت جارية في المنطقة ‘ وخشية من أن يتم السلام ويصبح حال إيران كالخارج من المولد بلا حمص ‘ فقد انتقل في عهد رئاسة خاتمي إلى الخطاب الليبرالي أملا في تحقيق ما عجز عن تحقيقه في عهد رفسنجاني‘ غير أن ما شهدته مرحلة خاتمي كان أكبر من المتوقع بالنسبة لنظام الملالي فالخطاب الليبرالي كان يتطلب إصلاحا سياسياً داخلياً وانفتاحا خارجيا حقيقيا وهذا ما يتعارض مع العقلية الدكتاتورية لنظام ولاية الفقيه لذلك قام هذا النظام بشن حملة اعتقالات و اغتيالات واسعة في صفوف المعارضة الإصلاحية , ناهيك عن حملة الإعدامات التي طالت أبناء الشعوب والقوميات غير الفارسية الذين يطالبون بالحقوق المشروعة لأبناء جلدتهم. فبعد توقف عملية السلام في المنطقة عاد النظام الإيراني مع عهد احمدي نجاد إلى خطابه و سلوكه المتطرف ونهجه الدكتاتوري السابق ضاربا عرض الحائط ما كان قد قاله في عهدي الرئيسين السابقين "رفسنجاني وخاتمي"‘ بل ذهب إلى ابعد من ذلك حيث بات يلاحقهما و يتهمهما بالتآمر على الثورة و العمالة للاجني . وهنا يأتي السؤال ‘إذا كان هذا النظام لا يستطيع تحمل شخصا مثل خاتمي وتياره الإصلاحي وهو الخارج من رحم الثورة و نظام ولاية الفقيه ‘ فكيف يحق له أذاً أن يطرح نفسه ملهما وقائدا للثورات العربية ويريد منها مبايعة مرشده علي خامنئي على أساس ولاية الفقيه ؟. علما أن نظرية ولاية الفقيه نظرية خلافية بين الفرق الشيعية وليس لها مؤيدون إلا بين من هم في دائرة النظام الإيراني ناهيك عن أن مرجعية علي خامنئي لم تلقي لحد الآن رواجا في الحوزة الدينية‘ و إذا كان هناك من جماعات في بعض دول المنطقة يتبعون مرجعية خامنئي فهؤلاء هم من يتلقون الدعم من المخابرات الإيرانية فباستثناء هؤلاء المنتفعون لا يوجد من الشيعة من يؤمن بنظرية ولاية الفقيه أو مرجعية خامنئي فما بالك بأهل السنة الذين يختلفون مع أصل العقيدة الشيعية ؟. علما أن أول ضربة تلقاها النظام الإيراني بعد خطبة مرشده الآنفة الذكر قد جاءت من جماعة الإخوان المسلمين في مصر الذين يعدون من المقربين لطهران فبنظر جماعة الإخوان أن النظام الإيراني يعد نظاما ديكتاتورياً ظالما و لا يستحق أن يكون قدوة لهم و قد قيل هذا الكلام عقب انتصار الثورة المصرية مباشرة حيث عبرت الجماعة صراحة أنها ترفض رفضاً قاطعاً إقامة دولة دينية في مصر على غرار إيران . أما الضربة الثانية فقد جاءت من قبل زعيم حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي الذي كان يعد هو الآخر من المقربين للنظام الإيراني فقد قالها صراحة ‘ إنه يتمنى نموذج الحكم التركي لبلاده‘ وهذا يعني رفضه لنموذج الحكم الإيراني . فبعد هذا هل مازال النظام الإيراني يحلم بتنصيب مرشده ولي أمر للمسلمين؟. ولله في خلقه شؤون . كاتب وباحث من الأحواز