نحسبها سياسة ، نحسبها قانون ، في الحالتين سنجد أن بيان المجلس العسكري أو رئيس هيئة القضاء العسكري عن مد حالة الطوارئ حتى منتصف العام المقبل 2012 هو باطل وافتئات على الوطن والحقيقة والقانون معا ، ويكشف عن أن المجلس العسكري يعاني عزلة حقيقية عن الحراك السياسي الوطني وعن الثورة وقواها الحية ، ولو أن التواصل بين المجلس العسكري والقوى الوطنية وخبراء القانون يكون بنفس كثافة وتوالي وحميمية التواصل مع المبعوث العسكري الأمريكي الذي يتحرك بصورة مكوكية في الأسابيع الأخيرة ، لربما نجح العسكري في الوصول بالمرحلة الانتقالية إلى بر الأمان . إذا حسبناها سياسة ، فإنه من غير المتصور أن يكون المجلس العسكري غير مدرك لأن هذه الثورة الشعبية الهائلة إنما قامت على مبارك ، ليس لخلاف شخصي معه أو مع أنجاله ، وإنما للقرارات والقوانين الاستثنائية التي حكم بها العباد والبلاد ، بل أذل بها البلاد والعباد ، ومهد بها للفساد واسع النطاق ، لأن أي صوت جاد يعترض كانت تنتظره محاكم الطوارئ وهراوة أمن الطوارئ لإخراسه ، وأي محاولة شرعية ونزيهة للوصول إلى البرلمان كانت تواجه بقمع الطوارئ واستباحتها المطلقة ، فعندما يأتي مسؤول عسكري الآن ، وبعد الثورة ، لكي يقول اليوم بأننا ملتزمون بالعمل بقوانين الطوارئ الاستثنائية التي أصدرها الرئيس مبارك لأنها صدرت من رئيس جمهورية وصدق عليها برلمان فتحي سرور وأحمد عز ، فإن من الطبيعي أن يرد عليك الجميع بصوت واحد ، كما حدث فور ذلك البيان ، بالقول : وهل تقبل إذن أن تتحمل المسؤولية السياسية والقانونية مع مبارك والعادلي وسرور وعز في مستقر كرامتهم ، لأن ما تقوله يمثل تضامنا مع نظامهم وتنفيذا لتوجهاتهم السياسية الإجرامية وانقلابا صريحا على الثورة ، وإهدارا للأساس الذي قامت عليه ، فالثورة التي قامت من أجل إزالة نظام مبارك وقوانينه وإجراءاته الاستثنائية الإجرامية من حقها ، بل من واجبها الأخلاقي والوطني ، أن تتصدى بكل قوة وحسم لأي شخص أو جهة تقول أنها ملتزمة بتنفيذ قرارات وقوانين مبارك الإجرامية . والحقيقة أن بيان المجلس العسكري أو رئيس هيئة القضاء العسكري في تلك المسألة غير معقول بالمرة ، وبمقتضاه إذا كان مبارك قد مد العمل بحالة الطوارئ عشر سنوات مثلا ، فإن نفس هذا المسؤول بنفس المنطق يمكن أن يخرج على الوطن كله ليقول أن مصر تحكم بالطوارئ عشر سنوات تنتهي في آخر مايو 2020 ، وذلك لأن فخامة الرئيس حسني مبارك أصدر قرارا بذلك ، وأن سعادة رئيس البرلمان أحمد فتحي سرور وصحبة طرة قد صدقوا على هذا القرار واعتمدوه ، هل هناك "عقل سياسي" يمكنه أن يتفهم مثل هذا الكلام المندفع وغيرالحصيف . وإذا حسبناها قانونا ، فإن ذلك البيان الذي أصدره العسكري باطل قطعا وبداهة كما قال المستشار البشري ، لأن التعديلات التي أجريت على الدستور المصري واستفتي الشعب عليها ثم ما أعقبها من صدور إعلان دستوري جديد متضمن لها ، من المفهوم بداهة أنه يمثل اختيار الشعب المصري الجديد للنظام الأساسي "الجديد" الذي يحكمه ، وبالتالي إذا ما تعارض نص من هذا الدستور الجديد ، دستور الثورة ، مع أي نص دستوري أو قانون أو قرار أو لائحة أو إجراء في مرحلة ما قبله وما قبل الثورة ، فإن العمل يكون بداهة بموجب الاختيار الجديد للشعب ، لأن هذا الإعلان الدستوري لم نصدق عليه للزينة والذكرى الخالدة ، وإنما للتفعيل والعمل والهيمنة على القرار السياسي الجديد ، هل في هذا الكلام أي التباس. والنص الدستوري الجديد الذي أجمع عليه الشعب المصري تقريبا قرابة 80% في الاستفتاء والذي صدر في الإعلان الدستوري "الجديد" يقول في المادة 59 حرفيا (..وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك) ، انتهى النص ، ولاحظ معي دقة القول :(وفي جميع الأحوال..) ، ويبدو أنه نص يحتاج إلى ترجمة لرئيس هيئة القضاء العسكري وللواء ممدوح شاهين ، ومفاد النص بوضوح كامل أنه أيا كانت المدة التي تقرر فيها سابقا أو لاحقا مد حالة الطوارئ فإنها لا ينبغي أن تتجاوز ستة أشهر ولا يجوز دستوريا مدها بعد ذلك إلا باستفتاء وموافقة شعبية ، وأما ما يحتج به المدعي العسكري من نص المادة 62 والتي تقول حرفيا (كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان الدستورى يبقى صحيحا ونافذا ، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة فى هذا الإعلان) ، فإنها شرحت نفسها بنفسها ، لأن من البديهي أن الإعلان الدستوري الجديد لم يتعرض لكل صغيرة وكبيرة من القرارات والقوانين السابقة ، وبالتالي من المفهوم أن أي قرار أو قانون سابق عليه يظل العمل به ساريا لضرورات انتظام مؤسسات الدولة وأعمالها ما لم يكن هناك نص جديد في الإعلان الدستوري يتعلق بقرار أو قانون سابق يلغيه أو يتعارض معه ، فإذا كان هناك نص يتعارض معه أو يلغيه أو يخصصه أو يقيده من البديهي عند أي عاقل أن يعمل بالتصحيح أو النص الجديد وإلا تحولت نصوص الإعلان الدستوري الجديد إلى منظرة ، ولذلك نصت المادة 62 المشار إليها في جزئها الأخير حرفيا على (يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الإعلان) ، وأي عاقل يفهم اللغة العربية يعرف أن من هذه القواعد المقررة في هذا الإعلان القاعدة التي حددتها نص المادة 59 السالفة الذكر ، ونعيدها للشطار (.. وفي جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك) ، هل هذا النص يمكن أن نسميه "قاعدة مقررة" أم نقول أنه "حجاب" نتبرك به في الحياة السياسية . إنه لا يوجد أي خلاف يعقل في مسألة : هل الطوارئ انتهت بعد الستة أشهر أم لا ، ولكن الخلاف فقط هو حول هل تحسب الستة أشهر من تاريخ صدور الإعلان الدستوري بحيث تكون نهايتها 30 سبتمبر لأن الإعلان صدر في 30 مارس ، أم تكون منتهية من قبل ذلك باعتبار قرار إعلانها الأخير كان في 1/6/2010 ، وبالتالي عند صدور الإعلان الدستوري تكون قد تجاوزت مدة الستة أشهر بأكثر من ثلاثة أشهر أو أن يكون انتهاؤها في 20 سبتمبر باعتبار أن هذا هو تاريخ التصديق على التعديلات الدستورية الجديدة التي استفتي الشعب عليها قبلها بيوم واحد ، فقط يكون الخلاف منحصرا في ذلك ، أما أن يأتي "مدع" ليقول أنها تمتد سنتين كاملتين على الرغم من التعديلات الدستورية التي ألزمت بقصرها على ستة أشهر فهذا يكون قد قال منكرا من القول وزورا . [email protected]