هذه هي المرة الأولى الذي يعترف فيها المجلس العسكري بصريح العبارة أنه امتداد لنظام مبارك ، عندما تحدث اللواء عادل المرسي رئيس هيئة القضاء العسكري معقبا على ما نشرناه أمس من فتوى للفقيه القانوني الكبير المستشار طارق البشري ، وقال المرسي أن حالة الطوارئ صادرة بقرار من الرئيس مبارك وصدق عليه البرلمان في عهده وبالتالي فهو ساري ونحن ملتزمون به إلى نهاية مدته ، وكان التصريح مثيرا للغاية لدى جميع من استطلعنا آراءهم من القانونيين والسياسيين ، والجميع أكد بأنه إذا كان المجلس العسكري يعتبر أن القرارات والإجراءت في عصر مبارك قائمة ، فهذا يعني أن مشروعية المجلس نفسه تكون منتهية بعد خمسة أيام ، وتحديدا في 27 سبتمبر لأنها المدة التي تنتهي فيها رئاسة مبارك للجمهورية بنفس الإجراءات التي يتمسك بها المجلس العسكري ، وبما أن العسكري أتى بتفويض من مبارك ، فإن التفويض ينتهي بانتهاء المدة القانونية لمبارك ، أما إن سلم العسكري بأنه أتى بتفويض شعبي بموجب الإعلان الدستوري وهو ناسخ لما قبله من إجراءات أو قرارات فعليه بداهة أن يسلم بأن الإعلان الدستوري ينسخ أي قرار يتعارض معه سابقا وهو ما يسري على الطوارئ . الكشف المذهل الذي وضحه المستشار طارق البشري أمس وأثار ضجة كبرى وإرتباكا في دوائر الحكومة والمجلس العسكري ، لدرجة أن المجلس اختفى تماما من المشهد حتى الآن وصدر رئيس هيئة القضاء ، هذا الكشف المذهل أحرج المجلس العسكري بشدة ، لأنه وضعه في صورة من يتشبث بالطوارئ بأي ثمن وبأي طريقة ، وبالتالي كشف عن أن هناك "نوايا" أخرى لإعلان الطوارئ والتمسك بها جعلت المجلس يخشى أن "يخسر" حالة الطوارئ ، وأنه استغل حادثة السفارة الإسرائيلية لكي يعلن الطوارئ من جديد ويوسع نطاقها قبل الانتخابات مباشرة ، وهو ما يؤشر لترتيبات ونوايا ليست طيبة بكل تأكيد "لتحزيم" الانتخابات ، وربما إعاقة مسارها . المجلس العسكري ووزير الداخلية قالا أن سبب إعلان الطوارئ المباشر كان واقعة اقتحام السفارة الإسرائيلية ، والتحقيقات القضائية الرسمية كشفت عن أن هذه الواقعة بالذات مرتبة ومخطط لها من قبل فلول الحزب الوطني ورجال أعمال تابعين لمبارك ومنظومته استأجروا فيها البلطجية ، وهي تحقيقات معلنة الآن في الصحف القومية ذاتها ، فبدلا من أن يتنبه المجلس العسكري إلى خطورة ما يخطط له فلول الوطني ويعبثون به في الوطن لإثارة الفوضى ، تراه يعطل عمدا قانون الغدر الذي يعزلهم سياسيا ويحجم نفوذهم ، بينما يعاقب الشعب المصري كله وجميع القوى الوطنية وقوى الثورة بفرض الطوارئ عليهم وهي التي تسلبهم الكثير من حقوقهم ، ثم ها هم قيادات العسكري يورطهم العناد والعجرفة القانونية في الاعتراف الخطير بأنهم امتداد طبيعي لحكم مبارك وقراراته واختياراته السياسية . كلام رئيس هيئة القضاء العسكري يحمل مضامين أكثر خطورة من ادعائه بأن حالة الطوارئ ممتدة إلى منتصف العام 2012 المقبل ، بدعوى أن قرار فرضها لم يتخذه المجلس العسكري ، وإنما اتخذه النظام السابق وهم يعملون به وبالتالي فالإعلان الدستوري لا يسري عليه ، وهذا الكلام الخطير يعني أن حالة الطوارئ ستظل تحاصر الشعب المصري حتى أوائل العام 2013 ، لأنه بموجب هذا الكلام العجيب يكون من حق المجلس العسكري ، وفق الإعلان الدستوري ، أن يصدر قرارا سيكون هو الأول حسب تفسير جناب القاضي بمد حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر جديدة ، تبدأ من نهاية الفترة التي قررها مبارك وهي يونيو 2012، أي أن الشعب المصري الذي صام ستين عاما قبل ثورته المباركة سيفطر في النهاية بعد كل التضحيات على "بصلة" الطوارئ ، كما كنت أربأ برئيس هيئة القضاء العسكري من أن يقطع نص المادة 62 من الإعلان الدستوري على طريقة "ولا تقربوا الصلاة" ، عندما ذكر في بيانه الجزء الأول منها ونصه " كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان الدستوري يبقى صحيحاً ونافذاً" ، لأنه كان يتوجب عليه أن يترك بقية النص مرتبطا به كما هو في الإعلان الدستوري وهو " ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الإعلان" ، لأن هذه العبارة الدستورية تقطع بصحة فتوى البشري من أن النص الجديد في الإعلان الدستوري الذي حصر الطوارئ في ستة أشهر ينسخ أي قانون أو لائحة سابقة تتعارض معه . أخشى ما أخشاه ، وأستشعره ، أن صداما قريبا قد يكون حتميا بين قوى الثورة والمجلس العسكري ، لأن المجلس يصر على أن يعيد إنتاج وتسويق كل عورات وسوءات نظام مبارك ويدافع عنها باستماتة دون أن يعبأ بكافة القوى الوطنية ، تماما كما كان يفعل نظام مبارك ، حتى القرارات الأكثر كراهية في ذاكرة المصريين والتي كانت سببا مباشرا في ثورة الشعب المصري ، والشيء الوحيد الذي أنجزه المجلس حتى الآن هو تصفية منظومة التوريث ورجالها والتي كانت صداعا مخيفا لقيادات الجيش نفسه قبل الشعب. [email protected]