قبل 27 عاما أنتجت شركة "داسو" الفرنسية الطائرة "رافال"، غير أنها، ومنذ أنتجتها عام 1986 لم تنجح في بيعها لأي دولة، وكانت الصفقة التي أعلن عنها مؤخرا لبيع طائرات من نفس الطراز لمصر هي الأولى من نوعها. ويزور وزير الدفاع الفرنسي، جون إيف لودريان، مصر الإثنين المقبل، للتوقيع بشكل رسمي، على صفقة الطائرات البالغ عددها 24 طائرة، بقيمة 5.2 مليار يورو، لتثير تساؤلات حول أسباب إقدام مصر على شرائها في وقت أحجمت فيه دول أخرى. على مدار اليومين الماضيين روجت صحف مصرية لإمكانيات الطائرة "رافال"، والتي تتمتع بقدرتها على تعقب 40 طائرة في وقت واحد والاشتباك مع 8 طائرات دفعة واحدة، ويستطيع رادار الطائرة اكتشاف الطائرات التي تحلق تحتها أيضا، ويمكن للطائرة حمل صواريخ "ماجي 2" و"ميكا2" و"أي أي أم -9 " و"سايد وايندر"، وجميعها صواريخ جو جو، كما تستطيع التزود بصواريخ جو أرض.
وعلى الرغم من هذه القدرات الواسعة، إلا أن "رافال" لم تحظ بانتشار تجاري، جعل السؤال الأهم: لماذا تشتريها مصر إذن رغم أوضاعها الاقتصادية الصعبة؟. العميد المتقاعد في الجيش المصري، والخبير العسكري، صفوت الزيات، يرجع الأمر لأسباب سياسية، مضيفا، في تصريحات خاصة ل"الأناضول"،: "صفقات السلاح تخضع لاعتبارات سياسية واقتصادية وعملياتيه، وتقيم كل دول صفقة السلاح وفق هذه المعايير وأفضلية كل معيار بالنسبة لها". وفي وقت سابق رفضت الهندوالبرازيل شراء الطائرة الفرنسية "رافال"، رغم اهتمامها بالطائرة، وذلك لأسباب إقتصادية وعملياتية، بحسب الزيات. وقال الزيات "الهند رأت حينها أن ما تحتاجه من الطائرة لا يعادل الثمن المقرر لشرائها، فقررت حينها الاستغناء عنها، واستبدالها بالطائرة الروسية SU-50-PAK". وتابع "كان المقرر بيع 36 طائرة رافال للهند بقيمة 8 مليارات دولار، بما يعادل 340 مليون دولار للطائرة الواحدة ، شاملة خدمات الصيانة والتدريب، لكنها فضلت الطائرة الروسية التي تؤدي الأهداف المطلوبة وتباع بسعر أقل". وأشار الخبير العسكري أيضا إلى أن "نفس الأمر حدث بالنسبة للبرازيل، والتي قررت استبدال الطائرة رافال بالطائرة السويدية (جريبين) لنفس السبب". وفشلت صفقة بيع الطائرة الفرنسية، والتي قدرت حينها بعدد 126 طائرة بقيمة 30 مليار دولار، ولجأت البرازيل حينها للطائرة "جريبين". وكانت الإمارات العربية المتحدة قد رفضت في نوفمبرمن عام 2011 شراء الطائرة "رافال " لنفس السبب الاقتصادي، ووصف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، أسعارها بأنها "غير تنافسية". وقال بن زايد، في تصريحات صحفية حينها، "للأسف يبدو أن شركة داسو لا تدرك أن الإرادة السياسية وكافة الجهود الدبلوماسية لا يمكنها أن تتغلب على الشروط التجارية غير التنافسية وغير القابلة للتطبيق العملي". وإذا كانت الهندوالبرازيلوالإمارات قد فضلتا الأسباب الاقتصادية والعملياتية، فإن الأمر يبدو مختلفا في مصر، حيث رجح الزيات وقوف الأسباب السياسية خلف تفضيل مصر للطائرة "رافال". وقال الزيات: "هناك ثلاثة أسباب لذلك، أولها رغبة مصر في تأييد فرنسا لموقفها من الأزمة الليبية، وحاجتها لتقديم رسالة لأمريكا أن بإمكانها تنويع مصادر تسليحها، فضلا عن الحاجة إلى تحقيق توازن معقول مع إسرائيل فيما يتعلق بقدرات سلاح الجو، خاصة بعد إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية تزويد إسرائيل بطائرات F35، وهي أحدث طائرة مقاتلة في العالم". ولاقت الصفقة انتقادات محدودة في فرنسا، وأعرب جان ماري فارد، مسؤول فرنسا في المنظمة الحقوقية الدولية "هيومن رايتس ووتش"، المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان، عن قلقه، مؤكدا أنهم لا يرون صواب هذه الصفقة مع نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي "الملطخة يداه بالدماء"، حسب وصفه. بدوره اعتبر جوليان بايو، المتحدث باسم حزب الخضر الفرنسي، في بيان، أن " الطائرات قد بيعت "لديكتاتور، أطلق النار على المتظاهرين الأبرياء، وارتكب انتهاكات لا تحصى لحقوق الانسان"، مضيفا: "بالطبع عندما تتكلم النقود، تخرس فرنسا". وفي معرض رده على الانتقادات، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، رومان نادال، ل"الأناضول"، أن "حقوق الإنسان تصدرت دائما أولويات بلاده"، منوها ب"احترام باريس لحرية الشعب المصري وحقوقه". وكانت فرنسا تعرضت لانتقادات في وقت سابق، على خلفية علاقاتها الوثيقة بالنظام المصري، حيث تعرض الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، لاتهامات بغض الطرف عن "انتهاكات" حقوق الانسان في مصر، إثر زيارة السيسي الرسمية لفرنسا، ديسمبر الماضي.