قال أدونيس الشاعر والمفكر السوري الشهير إن الثقافة العربية السائدة لا "تعلّم إلا الكذب والنفاق والرياء". وأضاف أدونيس، خلال الندوة التي أقيمت له على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب مساء أمس الأربعاء، "إذا كانت الرقابة في المجتمع العربي جزء عضوي من الثقافة العربية وليست فقط رقابة أهل السلطة، فرقابة أهل السلطة جزء من الرقابة الاجتماعية والسياسية". وأوضح "أنا لا أستطيع أن أقول كل ما أفكر فيه وإذا قلته في قاعة كهذه لا أستطيع أن أقوله كله، وهذا يؤكد أن الثقافة العربية لا معنى لها فهي ثقافة وظيفية لا ثقافة بحث واكتشاف كلنا موظفون في ثقافة سائدة". ورأى أدونيس المرشح عدة مرات لنيل جائزة نوبل للآداب، في ندوته التي جاءت بعنوان "نحو خطاب ديني جديد" وشهدت حضوراً جماهيريًا وإعلاميًا كبيراً، أنه "لا دور للمثقف، ولو كان له دور حقيقي لأثرت فينا أفكار الرعيل الأول من المجددين أمثال محمد عبده وعلي عبدالرازق وطه حسين"، وفق مراسل الأناضول. وبدأت الندوة، التي عقدت في القاعة الرئيسية بمعرض الكتاب الذي انطلق 28 يناير/ كانون الثاني الماضي ويستمر حتى 12 فبراير ، بكلمة تقديمية من أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، قال فيها "ها هو ذا أدونيس، يعود ليُطل علينا من جديد بمعرض القاهرة الدولي للكتاب بعد غياب ما يقرب من عقدين من الزمان". وأشار مجاهد إلى أن أدونيس "اعتاد أن يُطل من شُرفتين، الأولى هي شرفة الشعر، فصحيح لدينا شعراء كبار حملوا مشاعل النور في الشعر العربى الحديث؛ ولكن يبقى أدونيس هو الأكثر تأثيرًا، أما الشُرفة الثانية التي يُطل علينا من خلالها، فهي التجديد الفكري، الذي يتأمل شؤون الثقافة العربية كلها". وبدأ أدونيس كلامه بقوله: "في هذه المرحلة التي هي بالنسبة لي ولكم مفترق تاريخي حاسم. ولم لا فإذا ذهبت مصر ذهب العرب". وأضاف قائلاً "رغم كل الإنجازات التي حققها الكتاب والمبدعون العرب في كل الميادين، فإن الحداثة العربية ليست حاضرة معنا وليست أمامنا وإنما الحداثة هي خلف ظهورنا". ولفت أدونيس إلى أننا "لا نجد تجربة فذّة مثل تجربة المتصوفين، ولا نجد تأريخًا عظيمًا كما نجد عند ابن خلدون، في مقدمته الشهيرة في كل ما يتعلق بعلم الاجتماع، هذا كله يجعلني أقول وأكرر أن حداثتنا العربية هي وراء ظهورنا وليست معنا اليوم وليست أمامنا، إلا إذا غيّرنا مسار تفكيرنا وعملنا". ورأى المفكر السوري بأن "هناك إمكانية للتجديد والتأويل في الدين". وأضاف قائلا "لا استغراب أو دهشة إذاً إذا لم نجد مفكرًا أو شاعرًا أو نجد فيلسوفًا وأعني أننا لا نجد اليوم فيلسوفًا إسلاميًا معاصرًا يستطيع أن يجاري بفكره وأرائه فلاسفة الغرب في حين أن تعداد المسلمين في العالم قد تخطى المليار ونصف المليار مسلم". واستدرك بالقول "لكننا على الطرف الآخر نجد مئات بل آلاف الفقهاء، الذين ليس لديهم أي تجديد أو ابتكار، فهم فقط يقلّدون أسلافهم تقليداً أعمى دون وعي أو فكر"، بحسب مراسل الأناضول. واعتبر أدونيس أن "هذه الظاهرة الخطيرة التي نعيشها اليوم من باب أولى أن تكون هي الشغل الشاغل لكل مسلم، وكل عربي على نحو خاص". وتساءل "ما هو المشروع العربي اليوم للوقوف في وجه التطرف الديني، وماذا قدمت الأنظمة التي تتناقض فيما بينها ولا يجمعها سوى أنها تقف على شاطئ واحد لمقاومة التطرف؟". والإجابة ببساطة، بحسب قوله، أننا ليس لدينا أي مشروع لمجابهة الفكر المتطرف فماذا نفعل إذاً، خصوصًا أن مسؤوليات البشر الذين يعيشون في هذه المنطقة الحضارية الفريدة والتي أثرت في كافة حضارات العالم، وأقصد هنا مصر وسوريا والعراق، تفرض علينا جميعًا أن نتحمل تلك المسئوليات. وقال أدونيس إنه صاغ "مشروعًا للإصلاح" مكون من أربع نقاط أوجزها كالتالي: "النقطة الأولى أننا بحاجة إلى قطيعة كاملة مع هذا النوع من القراءات السائدة للدين والتي تحول النص الديني الذي هو نص رحمة ومحبة وسعادة للبشرية إلى نص عنف وإلى جلّاد. والنقطة الثانية: فإذا كنا بالفعل نرغب فى تغيير السلطة والمجتمع معًا فيجب أن ننشىء جبهة علمانية على مستوى الوطن العربى تعمل على إعادة قراءة الموروث وتأسس لمجتمع جديد قائم على المعرفة والفكر المتجدد. والنقطة الثالثة: علينا أن نحرر ثقافتنا من القيود المفروضة عليها فقد وضع كل شيء من أجل الثقافة وتناسينا أن الثقافة هي من أجل الحرية وفتح الآفاق. والنقطة الرابعة والأخيرة هي الديموقراطية التي لا مفر منها فبدون الديموقراطية لا حرية ولا حقوق ولا مساواة فالمواطنة القائمة على علمنة المؤسسات هي ما تستحق أن نناضل من أجله".