يرى مراقبون إن اتفاق "أروشا" لتوحيد الحزب الحاكم، الذي توصل إليه فرقاء جنوب السودان، في تنزانيا، قبل أسبوع، يمكن أن يمهد للتوصل لحل سياسي ينهي صراعا مسلحا على السلطة بالبلاد، بشرط توافر الإرادة السياسية لدى أطراف الصراع. واتفقت فصائل الحركة الشعبية (الحزب الحاكم) الثلاث؛ الحكومة والمعارضة المسلحة وما يعرف ب"المعتقلين السياسيين السابقين، في مدينة أروشا، شرقي تنزانيا، بتاريخ 21 يناير/ كانون ثاني الجاري، علي توحيد الحزب، وانهاء الخلاف الذي يعد أساس الصراع العسكري الدائر حاليا، بعد وساطة قادها حزب شاما شا مابيندوزي الحاكم في تنزانيا. ونص الاتفاق، الذي وقع عليه رئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت، وزعيم المعارضة المسلحة، ريك مشار، على "توحيد" الحزب الحاكم، وتقديم اعتذار جماهيري لشعب جنوب السودان عن ما حدث منذ منتصف ديسمبر/كانون ثاني 2013 (بداية الصراع الدائر في البلاد)، بجانب الاتفاق علي تكوين هياكل انتقالية جديدة للحزب. كما نص الاتفاق على "الالتزام بتوحيد الحزب علي مستوي القيادة والأعضاء، ومن ثم إجراء إصلاحات ديمقراطية موسعة لتنظيم وتحويل الحزب". وبحسب الاتفاق، التزمت الفصائل الثلاث، سلفاكير، ومشار، ومن يعرفون بالمعتقلين السابقين(وقع عنهم دينق الور كوال)، ب"ألا يتقلد أي من أعضاء الحزب ممن يثبت تورطه في اقتراف جريمة ضد الانسانية أو جريمة حرب، أي منصب عام في الحزب والحكومة". ومجموعة المعتقلين السابقين، كانوا قياديين سابقين في الحزب قبل أن يخرجوا منه، ليتم اعتقالهم ثم إطلاق سراحهم. وحسب اكول فول كورديت، عضو وفد الحركة الشعبية الحاكم بجنوب السودان في مفاوضات توحيد فصائل الحزب، فإن الاتفاق الموقع باروشا، "سيقود إلي إجراء إصلاحات ضرورية في الحزب والحكومة من أجل اتمام المصالحة". وقال شان ديل، وهو صحفي ومحلل سياسي بجنوب السودان، في تصريح للأناضول، إن "اتفاق اروشا بين فرقاء الحزب الحاكم، سيفتح المسار أمام الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب التي قتلت وشردت الملايين من المواطنين حتى الآن". ورغم ذلك، قال ديل إنه "يرى أن اتفاق أروشا لم يات بإرادة من الأطراف الثلاثة، وإنما بضغوطات من الأطراف الدولية مثل دول الترويكا(أمريكا، وبريطانيا، والنرويج، وهي دول تدعم جهود انهاء النزاعات في القرن الأفريقي) وهذا ما جعل المنتمين لتلك الأطراف غير متفائلين بالاتفاق". ومضى قائلا: "الشق الصعب هو تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع حتى لا يكون حبر على ورق؛ فالمواطن الجنوبي أصبح في مازق اجتماعي واقتصادي بسبب هذه الحرب اللعينة". وصادقت الحركة الشعبية التي يتراسها الرئيس كير بجوبا في اجتماع مجلس التحرير (المجلس الأعلي للحزب)، قبل أيام، علي وثيقة اتفاق اروشا، حيث أكد كير التزامه التام بكل ما ورد فيها من نصوص، ليرمي بالكرة في ملعب المجموعتين الآخريين؛ المعارضة والمعتقلين السابقين، حسب مراسل "الأناضول". بدوره، قال بيتر كير، الكاتب الصحفي بصحيفة الموقف العربية (خاصة) الصادرة بجوبا، لمراسل "الأناضول": "اعتقد أن لكل طرف من الأطراف التي وقعت على اتفاقية اروشا تكتيكه المختلف عن الأخر، إذ أن الطرف الحكومي يود أن يستخدم هذه الاتفاقية كوسية لتخفيف الضغوط عليه من المجتمع الدولي، بينما ترغب مجموعة المعتقلين السابقين في كسب أرضية سياسية من ورائها". وأضاف: "باختصار هي خطوة في اتجاه احلال السلام في البلاد إذا توفرت الارادة السياسية لدى جميع الأطراف الموقعة عليها". فيما قال يوهانس موسى فوك، القيادي في حركة ريك مشار، في حديث للأناضول إن "وحدة فصائل الحركة الشعبية تعتبر مسألة تجاوزتها الأحداث، أي أنها ليست القضية الجوهرية في الصراع السياسي الدائر حاليا". وتابع: "الوثيقة لا تخاطب قضية الحرب"، متابعا: "أروشا اتفاق جزئي لن يكتمل إلا باتفاق آخر في أديس أبابا يضع أسس ومبادئ تسوية سلمية شاملة في البلاد". ومنذ منتصف ديسمبر 2013، تشهد دولة جنوب السودان، التي انفصلت عن السودان عبر استفتاء عام 2011، مواجهات دموية بين القوات الحكومية ومسلحين مناوئين لها تابعين لريك مشار. وتعود جذور هذا الصراع، إلى خلافات داخل الحزب الحاكم بين مجموعة سلفاكير، وريك مشار، ومن يعرفون بالمعتقلين السابقين، بدأت في منتصف 2013 حينما عقد مشار ومجموعة المعتقلين مؤتمرا صحفيا شنوا خلاله هجوما علي رئيس الحزب سلفاكير، متهمين إياه بالفشل في إدارة البلاد وانفراده بالسلطة، بعد أن أطاح بهم الأول من الحكومة لاتهامات تتعلق بالفساد. وعقب ذلك قرر سلفاكير عقد اجتماع مجلس التحرير القومي الذي هو أعلي سلطة في الحزب لإجازة الدستور الذي تعترض عليه مجموعة مشار وبقية المعتقلين السابقين بصفتهم أعضاء في المكتب السياسي للحزب، وتوترت بعدها الأوضاع ليبدأ الصراع المسلح في منتصف ديسمبر/كانون أول 2013. وتم فصل ريك مشار من منصبه بالحزب بقرار من رئيسه سلفاكير، بعد خروجه من جوبا عشية اندلاع الأحداث، بينما تم تقديم المعتقلين السابقين لمحاكمة مدنية بتهمة تدبير انقلاب عسكري، لكن تم الافراج عنهم لاحقا بعد تدخل الرئيس وإيقاف إجراءات المحاكمة ضدهم.