يوم الأربعاء الماضي ضرب الإرهاب الأسود ضربته فى قلب "باريس"، بالهجوم على المقر الإداري للمجلة الأسبوعية الساخرة "شارلى إبيدو" وقتل اثنا عشر شخصاً – منهم شرطي مسلم – وجرح آخرين، بدعوى الانتقام من هيئة تحرير هذه المجلة، لسابق نشرها رسوماً "كاريكاتورية" مسيئة لرسول الله محمد "صلى الله عليه وسلم". وقد اعتبرت الأوساط الفرنسية والغربية ذلك الحدث، عملاً "بربرياً" واعتداء غير مبرر ضد حرية الصحافة والتعبير، التي يكفلها الدستور والقانون الفرنسي. ومن ثم فقد اشتعلت المناقشات وتعددت الآراء بشأن هذه الجريمة، فى جميع وسائل "الميديا" المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تراوحت بين التناول العقلاني والموضوعي للحدث - بما له وما عليه - فى محاولة جادة منها للبحث عن أسباب وملابسات تلك الجريمة الإرهابية التي أحدثت زلزالاً فى المجتمع الفرنسي، وبين بعض الآراء المتعصبة والعنصرية، تبنتها جماعات سياسية ويمينية متطرفة فى فرنسا وأوربا، ووجدت فى هذه الجريمة الخرقاء، فرصة ذهبية للإساءة للإسلام والمسلمين، والخلط بينهما- وهم الغالبية - وبين زمرة- قليلة - من جماعات دينية تعيش خارج الزمن والواقع المعاش، وتستخدم العنف فى ممارساتها، وتعتبره مكوناً هاماً وضرورياً فى بنيتها الفكرية والتنظيمية لفرض رؤيتها على الآخرين. لذلك ينبغي علينا جميعاً –على اختلاف توجهاتنا السياسية والفكرية أن ندين بكل قوة مثل هذه التصرفات الخرقاء، التي دأبت جماعات متطرفة على ارتكابها، وأن لا نبرر لها عنفها فى حق شعوبها بصفة خاصة والبشرية بصفة عامة، بإدعاء أن هذا العنف هو رد فعل طبيعي، لمواجهة عنف السلطات الأمنية التي تحكم بلادنا، ولمواجهة عنف ومؤامرات حكومات الغرب الصليبي- حسبما تنعتها - والداعمة للصهيونية الأصولية. هذا وإذا كان هذا هو وقت المكاشفة والمصارحة عربياً وإسلامياً عشية هذا العمل الإرهابي، الذي راح ضحيته (23) شخصاً من الفرنسيين، فإننا نراها فرصة لتذكير الغرب بالملايين الذين قتلهم الإرهاب - ومازال يقتلهم كل يوم – فى منطقتنا العربية بفلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن والبحرين والجزائر وتونس وليبيا، سواء كان إرهاب دولة، أو إرهاب جماعات إرهابية ، تتستر تحت عباءة الإسلام – والإسلام منها براء – أو إرهاب الكيان الصهيوني المدعوم من العواصمالغربية التي تشكو من الإرهاب حاليا ووحشيته. إننا لن نقول للغرب - بشماتة - بعد هذه الواقعة : (بضاعتكم ردت إليكم) ، بقدر ما سوف نلفت نظرهم وننبههم لحقيقة، بح صوتنا من ترديدها على مسامعهم وهى أنه "لا دين ولا وطن للإرهاب"، وأن الواجب والمصلحة يحتمان على الجميع التعاون والعمل معاً بجد وإخلاص، لإجتثاث شأفة هذا الإرهاب من عالمنا، حتى تعيش البشرية جمعاء فى أمن واستقرار ورخاء، وتسقط جميع دعاوى التطرف والتخلف والعنصرية، ويعم السلام والعدل جميع أرجاء المعمورة بدون استثناء.