لأن الكثير من القائمين على الأُسَر المسلمة العربية يجهلون طرق تربية الأطفال السليمة، ويهملون ويتقاعسون عن حمايتهم ورعايتهم خير رعاية بل ويسندون تلك الرعاية في بعض الأحيان إلى الخادمة أو السائق أو مربية الأطفال، أو المراهقين في العائلة أو الجيران الذين قد يُترَك معهم الأطفال في خلوة، أو التلفاز بقنواته الفضائية غير المراقبة ، يقع الكثير من هؤلاء الأطفال في براثن التحرش الجنسي ذي الويلات الخطيرة على المستويات كافة.. يطلق مسمى "التحرش الجنسي" على كل إثارة يتعرض لها الطفل عن عمد، وذلك بتعرضه للمشاهد الفاضحة أو الصور الجنسية أو العارية، أو غير ذلك من مثيرات كتعمد ملامسة أعضائه التناسلية أو حثه على لمس أعضاء شخص آخر أو تعليمه عادات سيئة -كالاستمناء مثلا- فضلا عن الاعتداء الجنسي المباشر في صوره المعروفة، الطبيعي منها والشاذ..
وغالبا ما يكون الوالدان مسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر عن تعرض طفلهما للتحرش؛ نظرًا لانشغالهما وبعدهما عنه وعدم مصادقته ومحاورته لتوعيته بخصوصية أجزاء جسده واختلافها عن بعضها البعض وتوضيح الفرق بين اللمسة الصحية واللمسة غير الصحية وضرورة الحفاظ على جسمه وعدم كشف عورته أمام أحد، فضلًا عن عدم توعيته بضرورة أن يستغيث وأن يحكي لهما عن أي محاولات أو تصرفات غير طبيعية يحاول أي شخص فعلها معه، وعدم التطرق إلى الحديث معه عن الحلال والحرام وما يحبه الله تعالى وما يبغضه، ونعم الله التي خلقها لعباده والتي يجب أن يستفيدوا بها لمصلحتهم وألا يؤذوا أنفسهم وألا يسمحوا لأحد بإيذائهم..
المؤسف والمؤلم في الوقت نفسه أن الكثير من الأسر التي تعرض أبناؤها للتحرش الجنسي تسيء التصرف حال معرفتها بهذا الأمر فتكتمه تماما وتعتبره عارا وفضيحة ينبغي إخفاؤها، مما يؤثر سلبا على حالة الطفل المتحرش به ويزيد حالته النفسية والصحية سوءا كما أن ذلك يجعل المتحرشين يتمادون في إجرامهم وإيذائهم المزيد من الأطفال واثقين في عدم الملاحقة والفضح والعقاب!..
هناك أمور يجب أن تتنبه لها الأسرة عند التعامل مع كارثة التحرش حين اكتشافها ، من أهمها: أولًا: عدم استسلام الأهل والأسرة لتأنيب الذات ولوم الضحية؛ لأن ذلك ينسيهم ملاحقة المعتدي الحقيقي الذي يجب أن ينال عقابه، وعليهم أن يعلموا أن التكتم والتعتيم على المشكلة يساعد المجرم على تكرار جرائمه مع الآخرين.
ثانيًا: يجب على الوالدين والأسرة الهدوء وعدم الانفعال؛ لأن الانفعال في البداية يوجه نحو الضحية، وهذا يشعره بأنه المذنب، بينما المجرم لا يناله شيء من ذلك.
ثالثًا: الاستماع التفصيلي الهادئ من الطفل والتعرف على الوضع الحقيقي وكم عدد مرات الاعتداء أو التحرش وكيفيته ومكانه ووقته وأسباب سكوت الطفل. فحينما يسمح للطفل بالتعبير الحرّ يساعده ذلك على التخلص من المشاعر السلبية التي تسمح له بالانطلاق والتفريغ مما يخفف من وطأة المشكلة على نفسه.
رابعًا: تصديق الطفل: فقد لا يقول كل شيء لا لأنه كاذب ولكن لأنه خائف وكلما كانت ثقته أقوى فيمن حوله، كان أكثر دقة في وصف الحادثة.
خامسًا: يجب ملاحظة الطفل ملاحظة دقيقة دون أن يشعر وذلك لحمايته من التعرض لمثيرات وتسجيل أي أمر غريب في سلوكياته وتصرفاته، مع جذب انتباهه دائما عند ملاحظته شاردا أو سارحا ومحاولة حثه على التواجد وسط الأسرة وتجنب تركه منعزلا.
سادسًا: إعفاء الطفل من الشعور بالمسئولية وإفهامه بمدى تفهمنا لما تعرض له وأنه كان ضحية مع تقديرنا لمشاعره الخائفة، وأننا نعذره لعجزه عن إبلاغنا بالأمر وأنه هو الذي يهمنا . وأننا سنعاقب من تعرض له وأننا سنعمل على حمايته مع تعليمه كيف يتصرف مستقبلا. ولنتعامل معه كأنه شخص قد سرق منه شيء ثمين فلا نلقي باللائمة عليه بل نساعده ليستعيد ما سرق منه.
سابعًا: أفضل ما يمكن أن يعالج الطفل الضحية هو أن يرى من قام بالاعتداء عليه وهو مقبوض عليه والإجراءات العقابية تتخذ ضده مثل المحاكمة والحبس والعقوبة. وإن استطاع الطفل أن يصرخ في وجهه ويعلن كراهيته له أو سمح له بضرب المعتدي عليه لكان ذلك أفضل في علاج آثار الصدمة عليه ليعلم أنه ليس مذنبا ولكن المذنب هو المعتدي.
ثامنًا: يجب أن يُعلم الطفل كيف يتعامل مع هذه المواقف بشجاعة ودون رضوخ للمعتدي.
تاسعًا: الحفاظ على الهدوء النفسي وتوفير الأمان وإذا لم تستطع الأسرة ذلك فلتستعن بشخص متخصص من خارجها يساعدها على تجاوز الأزمة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.