أَفاقَ العالم الأسبوع الماضي على فضيحة إعلاميَّة مدوِّية لإمبراطور الإعلام اليهودي الأصل روبرت مردوخ صاحب مؤسسة (نيوز كوربوريشن)، والتي هي واحدة من أكبر الشركات الإعلاميَّة متعددة الجنسيات في العالم المؤيِّدة للكيان الصهيوني ولصقور المحافظين في الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وذلك على خلفيَّة قيام بعض المحققين الصحافيين في صحيفة ''نيوز أوف ذا وورلد'' البريطانية والتابعة لإمبراطوريَّة مردوخ بالتنصت على هواتف أسر جنود قُتلوا خلال مشاركتهم ضمن قوات الاحتلال في أفغانستان، وأسر ضحايا تفجيرات لندن التي وقعت في عام 2005، وهو ما اضطرَّه إلى وقف إصدار الصحيفة والاعتذار للشعب البريطاني في محاولة منه لتهدئة الرأي العام. ومما أضاف بُعدًا آخر على هذه القضية هو تورُّط بعض كبار رجال الشرطة البريطانية (سكوتلاند يارد) في تسريب معلومات للعاملين في صحيفة "نيوز أوف ذا وورلد"، يفترض أن تكون ملك الشرطة وحدها، فضلا عن إشارة تورُّط رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في هذه الفضيحة نظرًا لعلاقته الوثيقة بروبرت مردوخ ومؤسَّسته، وهو ما يهدِّد مستقبل واحدة من أكبر إمبراطوريات صناعة الإعلام في العالم، كما يهدِّد في الوقت ذاته مستقبل حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي كان مردوخ والعديد من الوسائل الإعلام التابعة له في بريطانيا من أشدّ المساندين له في حملته الانتخابيَّة الأخيرة. فضيحة التنصت لقد كانت البداية عندما نشرت صحيفة ''الجارديان'' خبرًا عن أن محققين خاصين يعملون لحساب صحيفة ''نيوز أوف ذي وورلد''، قاموا بالتنصت على هاتف فتاة تدعى ''ميلي داولر'' قتلت في عام 2002، وذلك خلال عمليات تحري الشرطة البريطانيَّة عن اختفائها، حيث جنّدت الصحيفة مخبرًا كان يتنصت على البريد الصوتي للضحية، مشيرةً إلى أن المخبر تعمَّد محو الرسائل الصوتيَّة لهاتف الضحيَّة، وذلك للإيحاء لأهلها وأقربائها وللشرطة بأنها على قيد الحياة، الأمر الذي عطَّل عمليات التحقيق، وهو ما أثار استياءً شديدًا في أوساط الرأي العام في بريطانيا. ونتيجة لذلك اعتقلت السلطات البريطانيَّة عددًا من موظفي صحيفة "نيوز أوف ذي وورلد"، ثم توالى الكشف عن خيوط الفضيحة لتتعدى مسألة التنصُّت على البريد الصوتي للفتاة المقتولة عام 2002 إلى تقديم رشاوى لضباط شرطة، وعمليات تنصت وابتزاز للعديد من السياسيين والمشاهير، ثم ظهر أشخاص آخرون كانوا هدفًا للتنصت، مثل ضحايا جرائم القتل المختلفة، والجنود الذين سقطوا في حربي أفغانستان والعراق، وضحايا تفجيرات لندن الإرهابيَّة في عام 2005، وهو ما دفع العديد من البريطانيين إلى المناداة بضرورة التحقيق في هذه الفضيحة، خاصة وأن هناك أصابع اتهام وجّهت إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، حيث أن آندي كولسون، رئيس التحرير السابق ل "نيوز أوف ذي وورلد" والمعتقل في القضية، كان أحد مساعدي كاميرون. نهاية كاميرون وعلى الرغم من نفي رئيس الوزراء البريطاني تورطه أو علمه بعمليات التنصت التي قام بها صحفيو "نيوز أوف ذا وورلد"، إلا أن المراقبين يشيرون إلى أن كاميرون مثله مثل أي من المسئولين الكبار في مختلف الأحزاب البريطانيَّة، وليس في حزب المحافظين الحاكم الآن وحده، على استعداد لتوفير كل أنواع الدعم والتودد، سياسيًّا واجتماعيًّا، لروبرت مردوخ وكبار المسئولين في مجموعته من إداريين ومحررين، مقابل "شراء" صمتهم عن حملات سياسيَّة أو فضائح يخاف هؤلاء السياسيون من انتقالها إلى أعمدة صحف مردوخ، أو لمجرد كسب الدعم السياسي للوسائل الإعلاميَّة التي يملكها مردوخ، والتي تصل إلى أكثر من أربعين في المائة من الإعلام البريطاني، ولا تنافسها من حيث الانتشار سوى هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي بي سي) التي تتمتع بحق الرعاية والتمويل الحكوميين، من خلال الرسم الذي تفرضه الدولة على من يستفيدون من خدمات هذه الهيئة. وفي كل الأحوال يرى المحللون أن احتماء رئيس الوزراء البريطاني، خلال خضوعه للاستجواب في جلسة للبرلمان أجاب خلالها على 136 سؤالًا حول الفضيحة، بعبارة "لم أكن أعرف" لتبرير صلاته بأحد كبار العاملين مع مردوخ ممّن وقعت فضيحة التنصت تحت سمعهم، يضعه في مأزق كبير، وذلك لأن هذه العبارة سلاح ذو حدين، هما الجهل والكذب، وكلاهما قاتل بالنسبة لأي زعيم سياسي، مما يعني أن حكومة المحافظين برئاسة كاميرون مهدَّدة بالرحيل، سواء أثبتت اللجنة التي تتولى التحقيق في الفضيحة تورُّط رئيس الوزراء البريطاني أم لا، وهو ما جعل أنصار كاميرون يتخوفون من أن يلقَى زعيمهم مصير ريتشارد نيكسون، الرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكيَّة، والذي أنهت فضيحة (ووترجيت) حياته السياسيَّة. مردوخ .. إلى أين ؟! وفيما يتعلق بمردوخ، يرى المراقبون أنه على الرغم من أنه كان الأكثر شجاعة في الدفاع عن موقفه وعن مؤسساته، وفي تقديم الاعتذار عمّا حدث، وإقراره بأن ما ارتُكب مخالفة قانونيَّة وأخلاقيَّة، مشيرًا إلى أن سياسة مؤسَّسته لا توافق على هذه الأعمال ولا تسمح بها، إلا أنه أكَّد في الوقت ذاته أنه ليس مع دفاع الناس عن حقهم في الخصوصية بالمطلق، لافتين إلى أن تأثير هذه الفضيحة سيُلقي بظلاله على الشركات والمؤسسات التي يترأسها مردوخ ونجله جيمس، حيث كانت البداية مع إغلاق صحيفة "نيوز أوف ذا وورلد" والتي كانت تحقق عائدات كبيرة نتيجة لتسيُّدها الصحافة البريطانيَّة لفترة طويلة من الزمن بوصفها الصحيفة الأكثر مبيعًا، وذلك بعد أن أوقفت الكثير من الشركات حملاتها الإعلانيَّة في الصحيفة، مما أدى إلى تكبدها لخسائر فادحة، مما اضطرَّ نجل مردوخ إلى أن يصدر بيانًا يعلن فيه أنه بعد التشاور مع كبار المسئولين في الصحيفة تقرر وقف إصدارها فجاء عددها الأخير يوم الأحد 11 يوليو، وذلك بعد مائة وثمان وستين سنة مرت على إنشائها، فضلا عن ذلك فقد تراجع مردوخ عن مشروع شراء قنوات بي سكاي بي التي يملك 39% من أسهمها، كما قام بالتضحية باثنين من أكبر مساعديه من أجل تهدئة الرأي العام البريطاني. وعلى الرغم من أن هناك من يرى أن عودة قطب الإعلام روبرت مردوخ إلى الولاياتالمتحدة وبدء العطلة البرلمانيَّة في بريطانيا، يفقد فضيحة التنصُّت على الاتصالات الهاتفيَّة زخمها، إلا أن المراقبين يؤكِّدون أن القضية لم تنتهِ بعد، خاصة مع الإشارة إلى تورط شخصيات سياسيَّة بريطانيَّة كبيرة في هذه الفضيحة واتّهام مردوخ الابن بتضليل النواب البريطانيين، كما أنه يبقى على مردوخ أن يواجه تبعات الفضيحة في الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة، حيث فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) تحقيقات بشأن عمليات مماثلة ضدّ عائلات قتلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث تردَّدت الأحاديث حول اختراق البريد الصوتي لهم من قِبل صحفيين يعملون لدى مردوخ، وذلك بعد أن فتح مكتب التحقيقات تحقيقًا أوليًّا بهذا الخصوص، الأمر الذي يهدد بسقوط إمبراطورية مردوخ الإعلاميَّة وإنهاء سطوته وسيطرته التي دامت عشرات السنين، وكذلك الأمر في أستراليا حيث تطالب أصواتٌ عدة بإجراء تحقيقات أيضًا، مما يهدد بسقوط هذا الإخطبوط الإعلامي. فضائح أخرى !! يأتي هذا فيما كشف مكتب مفوض الإعلام أن الشرطة البريطانيَّة وسَّعَت تحقيقها في شأن التنصت على المكالمات الهاتفيَّة إلى صحف أخرى بعد الفضيحة التي طالت "نيوز اوف ذي وورلد" حيث يتركز هذا التحقيق خصوصًا على لجوء بعض الصحف إلى مخبرين خاصين، حيث تشير أصابع الاتِّهام إلى تورط صحف ديلي مايل، وصنداي بيبول، وديلي ميرور في فضائح مماثلة لفضيحة "نيوز أوف ذا وورلد". ولعلَّ توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الصحف الثلاث دون وجود رد من قبلها على هذه الاتهامات يثير الكثير من التكهنات حول مدى التزام الإعلام الغربي بشكلٍ عام والإعلام البريطاني بشكلٍ خاص بالمهنية الصحفيَّة واحترام خصوصيات الآخرين في مقابل تحقيق الأرباح وجذب المزيد من المعلنين، وهو الأمر الذي ثارت حوله الكثير من الشكوك في أعقاب فضيحة "نيوز أوف ذا وورلد" والمتهمة بإجراء نحو 4 آلاف عمليَّة تنصُّت خلال العقد المنصرم. المصدر: الاسلام اليوم