أنشأ أهالى بعض التلاميذ السوريين، مركزًا تعليميًا بمساعدة مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين بشاطئ النخيل بالإسكندرية حتى يتمكنوا من مواكبة التعليم في مصر دون إحداث ضرر بتكدس طلابها بالمدارس الحكومية المصرية، وأيضا لوصول المعلومات بلهجة سورية يتفهمها الطلاب ومراعاة البعد النفسى للأطفال السوريين. تقول غيداء شفيق قلعة جى، الأمين العام للهيئة العامة السورية للاجئين، والتى تقوم بالتنسيق بين المدارس الحكومية المصرية والإدارة التعليمية, والطلبة السوريين: "جاءت فكرة المركز التعليمى الذي يختص بتعليم الطلبة السوريين والذي يقوم بالتدريس فيه مجموعة من المدرسين السوريين، عندما كثرت الشكوى حول عدم استطاعة الكثير من الأطفال السوريين بالتكيف فى المدارس المصرية, حيث إنهم يعانون من فقدان مواسم دراسية بأكملها أثناء تنقلهم الإجبارى من مكان لآخر، وأيضا من الحالة النفسية السيئة التى تمر بهم من هول ما رأوا، وتزامن هذا مع قرار الحكومة المصرية فى سبتمبر 2013 عند بداية العام الدراسى بعدم قبول الطلبة السوريين، فقمنا باجتماعات فى الائتلاف السورى مع أعضاء من مفوضية اللاجئين ومنظمات حقوقية لتشكيل وفد يخاطب الحكومة المصرية للتكرم بالعدول عن هذا القرار الذي كان بسبب زيادة الأعداد فى الفصول، وجاء رد الحكومة بعد أسبوعين بمعاملة الطالب السورى معاملة المصرى فى المدارس الحكومية". وتابعت غيداء: "اقترحت على الأهالى عمل فصول دراسية من الصف الأول الابتدائى إلى الثانوية العامة يقوم بالاستعانة بالكتب الخارجية ويتم تسجيل الطلبة أثناءه فى مرحلة النقل بالمدارس الحكومة المصرية ومرحلة الشهادة بالمدارس الخاصة، على أن يقوم الطالب بعمل الأنشطة المطلوبة منه وتقديمها إلى المدرسة فى الموعد المحدد للنشاط أو الامتحان، وهذا يتم من خلال تنظيم أتوبيس ينقل الطلبة من المركز إلى المدرسة وينتظرهم إلى أن يخرجوا ويرجعهم إلى المركز مرة أخرى". وأضافت غيداء: "فى آخر الأسبوع نقوم بعمل احتفال للمتفوقين بوضع تاج على رأس المتفوق أو المتفوقة, كما نقوم بتعليمهم السلوكيات, والنشاطات الاجتماعية, مهمتنا هنا هى إعداد الطفل السورى بأن يكون منتجًا ومفيدًا لبلده". من جهته، قال فخر الدين، مدير المركز والملقب ب "أبو إقبال"، والذى كان يمتلك مدرسة مميزة فى سوريا: "لدينا بالمركز 12 فصلًا من (كى جى وان) إلى الصف التاسع منتظمين، بهم 198 طالبًا ابتدائيًا و150 طالبًا إعداديًا، نحن نركز على المهم التربوية قبل الدراسية للحفاظ على البيئة الاجتماعية للسوريين ومعالجة مشاكلهم التعليمية والنفسية". وأضاف: "لدينا هنا مشكلة حقيقية للطلاب فالشعب المصرى يختلف في اللهجة, والتي لا يستوعبها أحيانا الطالب السورى, وأيضا لدى الطالب السوري حجم كبير من المشاكل النفسية, ولا يستطيع أن يتعامل معها غير المدرس السورى، وأيضا نقوم على إدماج الطلبة بالمجتمع المصرى على أن يكون له خصائصه". وعن تمويل المركز يقول "أبو إقبال": "المركز يقوم على التمويل الذاتى من الطلاب عن طريق مبلغ تقدمه المفوضية لكل دارس هنا وأيضا هناك مساعدات عن طريق اتصال الأستاذة غيداء ببعض المدارس والهيئات، بالإضافة إلى المساعدات المعنوية من السوريين والمصريين". وعن الحالات المرضية يقول "أبو إقبال": "عند ملاحظة أي مرض نفسى للطالب نقوم بتحويله إلى المكتب الطبى، أما الحالات النفسية العادية نقوم هنا بمحاولة معالجتها، فمن الأمراض النفسية التى تعرض لها بعض الأطفال هى الخوف الشديد من سماع صوت الطائرة, فيتبول الطفل على نفسه أو يرجع إلى بيته مهرولاً، وهناك حالات من (الذهان) وهى نوع من الانفصام فيتخيل أشياء, ويؤمن بوجودها, ويتعايش معها بهستريا، الأولاد لديهم فقدان للأمل وإحباط نتيجة ما رأوه, ونحن نحاول أن نقوم بدور ما مع هذه الحالات، وأيضا هناك الكثير من الأطفال لم يعد يعرف أين كان يسكن بسوريا من كثرة تنقله من بيت إلى آخر ومن قرية إلى أخرى". وتقول نورا مدرسة ابتدائى: "هناك صعوبة فى تفهم الطفل السورى اللهجة المصرية مما يصعب عليه أن يرغب فى الذهاب إلى المدرسة، ولذلك هنا فى المركز يشعر بأنه فى سوريا فالأطفال, والمدرسون, والسعاة سوريون لهم نفس اللهجة, والمشاكل, ومتفهمون الأبعاد النفسية والاجتماعية". "أنس" طفل فى الصف الثالث الابتدائى، هادئ، ذو شعر ذهبى اللون، وقف عند دخولى إلى الفصل وقام بالترحيب، وعند السؤال عما ترغب فى البقاء بمصر أم الرجوع إلى سوريا قال: "أنا بحب سوريا وعايز أرجع تانى، لأنها أرضي فيها شجرة الزيتون والحاسب، وعندما طلبت منه أن يأخذنى سوريا قال ما بقدر أدخل بلدى فكيف أقدر أن أخذك معى"، أما زين فقال: "أنا أحب مصر لأن ما بها قصف". "مالك" قال: "أنا عايز أرجع سوريا وطني، والدى قتل هناك، وعند رجوعى سوف ترافقيني إلى سوريا وتذكرة الطيارة على حسابى". "شام" الذى يقيم مع أبيه قال: "أمى وإخواتى راحوا بالقصف وأريد أن أرجع سوريا لأنها موطنى". بكى "أبو إقبال" وخرج من الفصل ليحجب دموعه عن الأطفال. "أنا عايز أحكى عن الدمار اللى صار"، هكذا قالت "بتول": "لقد دمرت بيوتنا، ونحن نريد الرجوع حتى لو كنا نسكن فى خيام بس نرجع بلدنا، وحشونى أهلى وجدتى"، محمد تدخل فى الحوار وقال: "أريد حديقتى التي كنت أراها من شرفة منزلى، وحشونى أولاد عمامى، وجدتى، ومعلمتى.."، بكى الطفل بكاءً شديدًا وهو يحكى ما شاهد من أحداث.