لجنة القيادات بجامعة بنها الأهلية تعقد اجتماعاتها لاختيار المرشحين لمديري البرامج بالكليات    تنسيق الجامعات 2024.. إلغاء اختبارات القدرات في هذه الكليات العام الجديد    البورصة المصرية تربح 9 مليارات جنيه في آخر جلسات الأسبوع    محافظ الغربية يتابع ملف التصالح على مخالفات البناء ويوجه بتبسيط الإجراءات على المواطنين    للمرة الثالثة منذ بدء الحرب، جيش الاحتلال الإسرائيلي يطلق عملية عسكرية في الشجاعية    تشكيل مودرن فيوتشر أمام الجونة بالدوري    الصور الأولى لحريق كلية الطب بجامعة عين شمس    رئيس هيئة الرعاية الصحية يكرم المتميزين في تطبيق أنشطة اليقظة الدوائية    توقيع الكشف على 1080 حالة خلال قافلة طبية بمركز مغاغة بالمنيا    مديرية الطب البيطري بالشرقية تنظم قافلة علاجية مجانية بقرية بني عباد    «إعلام القليوبية» تنظم احتفالية بمناسبة 30 يونيو    لبنان: إصابة 19 شخصا جراء عدوان إسرائيلى على مدينة النبطية    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    برلماني: ثورة 30 يونيو تمثل علامة فارقة في تاريخ مصر    بيراميدز يتخذ قرارًا جديدًا بشأن يورتشيتش (خاص)    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    غرامة 100 ألف جنيه على الزمالك وخصم 3 نقاط من رصيده    "التعليم" تعتمد مدربين "TOT" في تخصصي STEM والتربية الخاصة    من سينتصر أولًا الطاعة أم الخلع ؟ زوجان يختصمان بعضهما أمام محكمة الأسرة: القانون هو اللي هيفصل بينا    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان أحمد بدير خلال دورته ال 17    30 يونيو| إرادة شعب ومسيرة وطن.. الحفاظ على الهوية وصون المقدرات الحضارية إنجازات الثقافة في 10 سنوات    وفاة الفنان العالمي بيل كوبس عن عمر يناهز ال 90 عاما    الجمال ‬‬بأيدينا    داعية الباحثين للمشاركة.. دار الكتب تعلن موعد مؤتمرها السنوي لتحقيق التراث (تفاصيل)    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    هل استخدام الليزر في الجراحة من الكيِّ المنهي عنه في السنة؟    فرع جديد للشهر العقاري والتوثيق داخل مجمع النيابات الإدارية بالقاهرة الجديدة    الزراعة: مناخ مصر حار ولم يتغير منذ 1000 سنة    إصابة 8 أشخاص بضربات شمس إثر ارتفاع درجة الحرارة في أسوان    تجديد حبس عاطل 15 يوما لاتهامه بسرقة المساكن فى السلام    مصدر أمني يكشف حقيقة سوء أوضاع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    مذكرة تفاهم بين المعهد القومي لعلوم البحار والهيئة العربية للتصنيع    الشعب الجمهوري بالمنيا يناقش خريطة فعاليات الاحتفال بذكرى 30 يونيو    كيف سترد روسيا على الهجوم الأوكراني بصواريخ "أتاكمز" الأمريكية؟    أستاذ علوم سياسية: الشعب الأمريكي يختار دائمًا بين رئيس سيء وأخر اسوأ    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    اللواء محمد إبراهيم الدويرى: التحركات المصرية فى القارة الأفريقية أساسية ومهمة    ملخص وأهداف مباراة فنزويلا ضد المكسيك في كوبا أمريكا    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    انقلاب سيارة نقل ثقيل على طريق الواحات الصحراوي    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    مقتل وجرح عدد من الفلسطينيين فجر اليوم إثر قصف إسرائيلي استهدف 5 منازل سكنية في حيي الصبرة والشجاعية شمال قطاع غزة    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    لطلاب الثانوية العامة 2024، تعرف على كلية العلوم جامعة حلوان    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    أسعار البنزين اليوم مع اقتراب موعد اجتماع لجنة التسعير    طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار    «هو الزمالك عايزني ببلاش».. رد ناري من إبراهيم سعيد على أحمد عفيفي    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النموذج الغربي والحس الحضاري الإسلامي د. زكريا سليمان بيومي
نشر في المصريون يوم 01 - 03 - 2006


استكمالا لما سبق طرحه حول كون الحرية هي أحد أهم الثوابت في المنهج الحضاري الإسلامي الذي يعد الجانب السياسي أحد جوانبه , فمع أن الحرية حق مطلق لكل فرد في المجتمع المسلم أيا كان لونه أو اعتقاده أو شأنه إلا أنها تكون فيما هو موكل إليه أو منوط به من دور , فالحرية له في تربية أهل بيته ورعايتهم تختلف عنها في عمله أو في الأماكن العامة أو في الدور السياسي أو الاجتماعي وغير ذلك . والحرية في كل هذه المجالات نسبية تنظمها مجموعة من اللوائح والقوانين , علي أن ذلك لايعني أنها تمنح من فرد أو جهة إلي الناس لكنها حق كامل يخضع للتنظيم كما هي حركة الكون عند خالق الكون " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " . والحرية في المنهج الإسلامي سبب ونتيجة في نفس الوقت فللإنسان حرية تحديد موقفه في اختيار معتقده وثوابته الدينية , فنجد قول الله تعالي " الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض " أسبق من قوله تعالي " ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك" , فالتفكر والتدبر هو الوسيلة الحرة لتحديد المعتقد , وتتضح كذلك أبعاد هذه الحرية في قوله تعالي " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " . وبعد أن يرتضي الإنسان بحريته الإسلام منهجا ينعم بحرية مطلقة في هذا المنهج في أهم شؤون حياته من حيث رزقه وعمره التي تمثل عصب حركة الحياة فيؤمنها له الله ويحرره من خشية غير الله مهما كانت جهود أخذه بالأسباب . كما أن ما يكلف به من عبادات أو معاملات حياتية وفق هذا المنهج توفر له قدرا من الحرية داخل إطار أخلاقي تحميه وتحيطه مجموعة من القيم والمبادئ . علي أن الإنسان لابد أن يدرك حقيقة أن حريته الفردية في الحياة ليست مطلقة في علاقته مع البيئة مثلا فدوره مرتبط بقدر ما سخره الله له من عوامل الطبيعة من ماء وهواء وغير ذلك , فالإنسان بكل ما وصل وبكل ما سيصل إليه من علم هداه الله إليه لا يستطيع ولن يستطيع خلق ظاهرة كونية بل ينحصر دوره بعلمه في محاولات فهم أو رصد أو متابعة هذه الظاهرة وكثيرا ما يخطئ , فزلزال تسونامي وإعصار كاترينا وغيرهما شواهد علي ذلك , ولذلك عليه أن يدرك أن حريته لابد أن تسخر لخدمة المبادئ الإلهية وأن يجهد في جعل دوره في الكون متوافق مع منهج صاحب الكون . ومن هذه الرؤية الشاملة علي الإنسان أن يفهم قدر الحرية المتاحة له في جزئية منها وهو الإطار السياسي هو السعي لإقامة العدل حاكما كان أم محكوما وأن علي كل فرد في موقعه أن يذكر الآخر بمجموعة المبادئ التي تسهم في تحقيق هذا الهدف دون أن يخشى إلا الله . علي أن الكثيرين لا يزالون يفسرون قول الله تعالي " أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم " التي تتخذ سبيلا لطاعة المحكوم للحاكم , وقول النبي صلي الله عليه وسلم " أطيعوه ولو كان عبد حبشيا " بأنها طاعة عمياء أو مطلقة فذلك فهم سلبي للمنهج السياسي الإسلامي , ويجدون ما يؤكد هذا الفهم في كثير من مراحل التطبيق عبر التاريخ الإسلامي بشكل دعا هذا البعض للتأكيد علي أن الإسلام السياسي يقوم علي الحكم الشمولي الفردي , وبالتالي يتناقض مع إمكانية إقامة حكومة ديمقراطية عصرية . لكن المنهج السياسي في الإسلام غير ملزم بوقف تفسير البعض لهذا الجانب وكيفية الاستفادة منه في البعد التاريخي فهو فهم ذاتي لمن استفادوا منه علي المدى الزمني إبان عصور التاريخ ليس له سند حقيقي في أصل المنهج . فطاعة أولي الأمر من الحكام مرتبطة ارتباطا وثيقا ولاحقة بالامتثال لمجموعة المبادئ والقيم التي أرساها منهج الإسلام , والبعد عن الالتزام بهذه المبادئ والقيم كليا أو جزئيا من قبل الحاكم لا تلزم المحكوم بطاعته , ويبدوا هذا البعد في خطبة الحكم لأول خليفة لرسول الله صلي الله عليه وسلم " أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم " , ووقف الطاعة هنا لا تعني العصيان وإنما التناصح عبر الوسائل التي يلزم بها الدين وهي الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن للحفاظ علي الود والتراحم الاجتماعي. أما الطاعة التي وردت في حديث النبي " أطيعوه ولو كان عبد حبشيا " فهدفها التحرر من كل القيود العنصرية والعرقية التي أقرتها المبادئ الإسلامية في اختيار الحاكم وضرورة طاعته ما بقي ملتزما بالمبادئ في كيفية وصوله للحكم أو ملتزما بفرضياته وفق هذا المنهج , فميزان التفاضل هو ميزان قيمي أخلاقي لا عرقي , وهو ميزان لم تستطع أن توفره الحضارة المعاصرة أو النظام الديمقراطي وفق الطرح الغربي , فالموقف من زنوج أمريكا وسكانها الأصليين من الهنود الحمر ,والنزعة العدائية للملونين في أوربا الآن شاهد حي علي ذلك . والطاعة للحاكم وفق منهج الإسلام لا تقوم علي الفردية بل تتم في إطار الجماعية التي تميز ما يكلف به المسلم في العبادات والمعاملات , ولهذه الجماعية دلالات ووسائل تعبير وتشاور تسهم في وحدة موقف وقرار تجاه الأحداث والأشخاص ووفق التطور الزمني والمكاني , وتؤكد في نفس الوقت جماعية النظام السياسي لا فرديته كما يري البعض حتى لو وجدوا دلائلهم في فترات التاريخ الإسلامي . كما أن المنهج السياسي الإسلامي لا يعني بالضرورة قبول استمرار الحاكم مدي الحياة أو يرفض هذا الاستمرار فالمعيار الأساسي هو مدي التزامه بالمنهج ومدي تقبل الشعوب لأبعاد هذا الالتزام , أما مسألة عدم التقيد بمدة زمنية للحاكم فهي من إيجابيات هذا المنهج وليست من سلبياته حيث ارتكز علي أحكام عامة تتيح الفرص للتغيرات الزمانية والمكانية ولا تصطدم معها فتفقد مسوغات استمرارها . ومن الأمور التي تميز الجماعية في المنهج الإسلامي تلاقي القوانين الداخلية التي يغرسها الدين داخل الإنسان مع القوانين الخارجية المنظمة لحركته في المجتمع أي مجتمع , ويصعب أو ربما يستحيل علي أي شعب أو أمة أن تستعيض عن القوانين الداخلية بأي قدر أو شكل من القوانين الخارجية , فلا يستطيع أي نظام أن يصدر قانونا بالإجبار علي مراعاة اليتيم , أو إزالة الأذى عن الطريق , أو التعاطف مع الوالدين , أو الاقتصاد في استهلاك المياه , وغير ذلك من أمور لها تأثيرها علي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , ولن يكون لها نفس القدر من التطبيق إذا اقتصر طرحها علي أنها مجرد سلوك حضاري . وأبسط هذه الظواهر في مجتمعنا المصري هو حرص الناس الملتزمين بدينهم أي دين بالوفاء بما عليهم من صدقات في المال أو القدرة أو المناسبات , وفي نفس الوقت يسعى هؤلاء الناس ذاتهم للبحث عن وسيلة للهروب من دفع ضرائب الدولة . فمثل هذه الظواهر تفتقر إليها الحضارة المادية العلمانية المعاصرة مهما بدا بريقها في مشاهد تليفزيونية مؤثرة حول العناية بالحيوان أو البيئة فهذا سلوك البعض , أما لدي البعض الآخر فهذه أمور يفسرها دافع رد الفعل عن اللاإنسانية التي تميز دور السياسيين منهم وأصحاب المصالح والأطماع , فالإبادة في العراق وأفغانستان وكوسوفو والبوسنة وفلسطين , وفصل الملونين من وظائفهم في أمريكا , والسعي لطرد أصحاب البشرة غير البيضاء , كلها شواهد علي ضرورة وجود القوانين الداخلية التي يغرسها الدين لكي يستقيم البعد الإنساني لأي حضارة . وتبقي الإشارة إلي حرية الفكر والقبول الملزم بالتعددية في الرأي والاتجاه في المنهج الإسلامي فقد أكدتها تعددية المذاهب الفقهية التي اشتهر منها أربعة فقط لكنها تصل إلي العشرات , وبينها كانت المناقشات والتلاقي والاختلاف والمناظرات والتعاون والإعجاب والنقد في إطار من أدب الحوار مع الحاكم والمحكوم وأهل العلم وفي إطار قيمي أخلاقي يحتاج إليه دعاة التعددية المعاصرين أسلوبا ومنهجا . أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر [email protected]

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.