اي مؤسسة اعلامية محترمة لابد ان تتعرض لما تعرضت له قناة الجزيرة، فالقناة تواجه منذ اسبوعين حملة تهديد شرسة بسبب تغطيتها للثورات العربية، صحيح ان التغطية كانت حماسية وانفعالية ومبالغا فيها في بعض الحالات، لكن ذلك لا يبرر تهديد العاملين فيها ولا اختلاق القصص والاخبار المفبركة عنهم ولا التلويح بذبحهم هم وعائلاتهم وافراد اسرهم! في حالة قناة الجزيرة كانت حملة التهديد همجية وبدائية ومتخلفة، ومن الواضح انها تعكس فكر وعقلية ومستوي تفكير اصحابها، ويبدو أن هؤلاء يواجهون تهديدات حقيقية بضياع الكيان والسلطة والمصالح والثروات، ولعل هذا ما دفعهم لاستخدام كل الوسائل المتاحة في التهديد والارهاب، بما في ذلك فبركة افلام اباحية وارسالها الى مذيعات الجزيرة بالبريد الالكتروني لتخويفهم واثارة رعبهن! ومن الواضح ان الجهة التي تهدد الجزيرة لا تريد الاكتفاء بتهديد الرجال، بل هبط مستواها لدرجة تهديد النساء، مع انه ليس من الرجولة ولا العروبة ولا الشرف ولا الاخلاق تهديد النساء، وهكذا تلقت مذيعات محترمات مثل خديجة بن قنة وليلي الشايب وغادة عويس وليلي الشخلي تهديدات برسائل يندي لها جبين اي انسان حر! وامتد التهديد بطبيعة الحال الى المذيعين الرجال، فهؤلاء ليس على راسهم ريشة، وهكذا انهالت على احمد منصور وتوفيق طه وفيصل القاسم تهديدات مماثلة، فهم يقدمون اخبارا وبرامج عن الثورات العربية،ويستضيفون شخصيات معارضة تطرح تصورات مختلفة، ومن الواجب تهديدهم بالقتل والذبح والسلخ هم وعائلاتهم! وكان طبيعيا ان يمتد التهديد الى وضاح خنفر مدير الجزيرة، فهو الراس المدبر وعليه ان يتلقي نصيب الاسد من التهديدات، وهكذا توالت الرسائل الالكترونية على الرجل تهدد بجعله عبرة لمن لا يعتبر، ووصلت التهديدات لدرجة التلويح بتصفية زوجته واولاده وباقي افراد اسرته! وفي هذا الجو المشحون تلقت الجزيرة انذارا بوجود قنبلة في غرفة الاخبار، وهرعت قوات الشرطة الى المحطة وتم اخلاؤها من العاملين فيها، وبعد عملية بحث بالاجهزة المتخصصة تبين انه انذار كاذب مثل الحمل الكاذب، ورغم ان محطة الجزيرة لم تنفجر –على الاقل حتى الان- لكن الخوف والارتباك والقلق اصاب الجميع! ماحدث للجزيرة لم يكن غريبا ولا مستغربا، فقد سبق لانظمة عربية ان قتلت صحفيين واعلاميين لمجرد خلافهم معها في الراي، بل ان بعض الانظمة ترى أن التعذيب حتى الموت أفضل كثيرا من القتل المباشر، وهذا ما حدث لرئيس تحرير مجلة عربية شهيرة في الثمانينات حين تم اختطافه وتعذيبه على مدي تسعةايام ثم قتله برصاصة في الدماغ، وشمل التعذيب سلخ لحم ذراعه اليمني واذابة اصابعه في الاحماض وقطع ساقه ، عقابا له على انتقاده نظاما عربيا في دولة مجاورة! في كل النظم الشمولية يتم ملاحقة الصحفيين والاعلاميين الاحرار، ورميهم في السجون والمعتقلات ومستشفيات المجانين، وقتلهم وتعذيبهم وتهديدهم والتشهير بهم، ولعل اخطر واقعة حدثت لاعلامي عربي معارض ما جري في احدي دول المغرب العربي حين تم القائه من طائرة اثناء تحليقها في الجو، بدون مظلة طبعا، عقابا له على معارضته وسوء ادبه مع الحكام، وحتى يتعلم الجميع من رأس الذئب الطائر! في قطر لم يكن امام الجهات المسئولة غير التعامل بكل جدية مع التهديدات التي تستهدف قناة الجزيرة، فالمحطة قطرية ومن الواجب حمايتها هي والعاملين فيها، وهذه مسئولية اي دولة محترمة تجاه مواطنيها والوافدين فيها، وهكذا تم تشديد الاجراءات الامنية حول المحطة، واستدعاء خبراء امنيين مختصين بالجرائم الجنائية لتدريب طاقم المحطة على التعامل مع اي خطر، كما تم الاستعانة بخبراء في الاجهزة الالكترونية وشبكة الانترنت لمعرفة مصدر التهديدات! وحتى يتم الاعلان عن الجهة او الجهات التي تستهدف قناة الجزيرة، وهذا سهل في ظل التقدم العلمي الراهن، علينا الاعتراف بان عالمنا العربي مازال يعيش في مرحلة العصور الوسطي، فالاعلام المستقل يواجه تهديدات خطيرة تصل الى درجة التلويح بالتصفيات الجسدية، وحرية الراي والتعبير مازالت تتعرض للقمع والقهر والرجم، ومن الواضح ان هناك اصرار علي التعامل مع الراي الاخر بلغة التهديد والوعيد بدلا من مقارعة الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان! مشكلتنا الحقيقة بل مأساتنا نحن العرب اننا نعيش اسري الراي الواحد والفكر الواحد والزعيم الواحد والحزب الواحد والتنظيم الواحد والعصابة الواحدة، وهذه هي المشكلة، وهذا هو السبب في تخلفنا وبؤسنا وتدهور اوضاعنا!