جاء الحكم على الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي بالسجن لمدة 35 عامًا لكل منهما ، وغرامة تصل قيمتها إلى 91 مليون دينار تونسي (65.6 مليون دولار)، وذلك بعد إدانتهما بالنهب والحيازة غير المشروعة لكميات كبيرة من الأموال والمجوهرات، كخطوة أولى في سلسلة محاكمات يواجهها الرئيس التونسي السابق وأفراد عائلته والمقربون منه، وذلك بعد خمسة أشهر من انتهاء حكمه ، الذي استمر 23 عاماً ، إثر احتجاجات شعبية قام بها طلاب ومهنيون وشبان؛ اعتراضًا على تفشي الفساد ، وانتشار البطالة ، وتشديد القيود على الحريات العامة. ويشير المراقبون إلى أنه من المتوقع أن يحاكم ابن علي في أكثر من مائة قضية متنوعة ، ما بين المحاكم المدنية والعسكرية، مما يثير الكثير من التساؤلات والتكهنات حول جدوى محاكمة الرئيس التونسي السابق، خاصة وأنها تتم بشكل غيابي ، وذلك بعد فرار ابن علي من تونس في الرابع عشر من يناير الماضي، خاصة في ظل تشكيك الكثيرين في مدى قدرة الحكومة التونسية على تنفيذ الأحكام الصادرة ضده أو أفراد أسرته أو المقربين منه أو أركان نظامه. تهمٌ عدَّة بدايةً، يشير المحللون إلى أن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي يواجه العديد من التهم، في مقدمتها التآمر على أمن الدولة، وخيانة الوطن، والقتل العمد، وتعاطي وترويج المخدرات، وحيازة أسلحة نارية، والاستيلاء على المال العام، وتبييض الأموال، حيث تم اكتشاف مبالغ هائلة من الأموال والمجوهرات وقطع أثرية في قصر في سيدي بوسعيد وفي منزله الخاص، وذلك عقب هروب ابن علي إلى المملكة العربية السعودية. كما يحاكم الرئيس التونسي السابق بتهمة الإثراء غير المشروع، حيث تقدر المنظمات غير الحكومية ثروته وثروة المقربين منه بخمسين مليار دولار، فيما تشير بعض التقارير إلى أن عائلة ابن علي تملك عدة قصور فخمة وشققًا في باريس وشاليهًا في كورشوفيل (الألب) وفيلا أو اثنتين على كوت دازور، بينما تم احتجاز 12 حسابًا مصرفيًّا لأربعة من أقرباء الرئيس التونسي المخلوع تقدر قيمتها ب12 مليون يورو، فيما أشارت بعض المصادر إلى أن إجمالي ما وُجد في قصور الرئيس السابق يساوي ربع الاقتصاد الوطني التونسي. محاكمة عسكرية يأتي هذا، فيما يعِدُّ القضاء العسكري التونسي 181 ملفًا تتعلق بتورط الرئيس التونسي المخلوع ووزير داخليته رفيق بلحاج قاسم في عمليات قتل ارتُكبت خلال الثورة، حيث تقوم ثلاث محاكم عسكرية بفحص ملفات 181 حادثة، وقعت خلال الثورة الشعبية ضد حكم ابن علي، وذلك في الفترة من: 17 ديسمبر - يوم إحراق بائع الخضار محمد البوعزيزى نفسه في محافظة سيدي بوزيد – وحتى فرار الرئيس التونسي السابق يوم 14 يناير، مؤكدين أن معظم هذه القضايا (130 قضية) من صلاحية القضاء العسكري في العاصمة، وأن 51 من المنتظر نظرها في صفاقس، وذلك على خلفية ارتكاب جرائم قتل متعمد وحالات تعذيب ضد المتظاهرين، والتي يمكن أن تصل عقوبتها إلى الإعدام. ومن المنتظر أن ينظر القضاء العسكري أول قضية تسلم إليه في السابع والعشرين من يونيو الجاري في صفاقس، وهي تتعلق بشرطي يشتبه بأنه ارتكب عملية قتل خلال مهامه في الليلة التي تلت فرار ابن علي، فيما تتواصل الأعمال لإعداد جرد دقيق بممتلكات عائلة الرئيس المخلوع وزوجته. تحقيقات فرنسية فضلًا عن ذلك، فقد فتحت النيابة العامة في باريس تحقيقًا يستهدف زين العابدين بن علي؛ بغية تحديد وتجميد ممتلكاته في فرنسا، وذلك بعد بضعة أيام من رفع شكوى جديدة ضد الرئيس التونسي المخلوع من قِبل منظمتين غير حكومتين، هما: "شيربا" و"الشفافية الدولية فرنسا"، وهما المنظمتان اللتان كانتا إلى جانب اللجنة العربية لحقوق الإنسان قد رفعتا شكوى في 19 يناير الماضي ضد زين العابدين بن علي والمقربين منه بعد خمسة أيام من فراره إلى السعودية، حيث أكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن بلاده متمسكة ب "البحث المنهجي عن الثروات المنهوبة التي يتوجب إعادتها إلى الشعب التونسي". ويشير المراقبون إلى أن هذه التحقيقات قد تقود أيضًا إلى محاكمة غيابية للرئيس التونسي المخلوع، قد تسفر في النهاية عن أحكام بالسَّجن أو تجميد الأموال، ومصادرة ممتلكات زين العابدين بن علي وعائلته في فرنسا. نفي.. ولكن وقد نفى الرئيس التونسي السابق كل التهم المنسوبة إليه وشكك فيها، وذلك من خلال البيان الذي أصدره محاميه اللبناني أكرم عازوري؛ حيث نفى أن يكون ابن علي قد أمر بإطلاق النار على المتظاهرين، أو امتلك أي حساب مصرفي أو عقارات خارج تونس، مشيرًا إلى أن الأسلحة التي تم العثور عليها في القصر الرئاسي هي عبارة عن "هدايا رسمية"، تلقاها الرئيس التونسي السابق من بعض رؤوسا الدول، وكذلك المجوهرات العائدة لزوجته، فهي أيضًا هدايا رسمية من بعض رؤوسا الدول، إضافة إلى نفيه علاقته وأسرته بالأوراق المالية والمخدرات التي تم العثور عليها في قصره، وادعى أن هذه الاتهامات "مفبركة "، وفاخَرَ ب"الإنجازات" التي تم تحقيقها خلال فترة حكمه، إلا أن المراقبين يرون أن كل هذا ما هو إلا محاولة من جانب الرئيس المخلوع للالتفاف على المحاكمة. ويشير هؤلاء إلى أنه يأتي في هذا الإطار أيضًا ما ذكره الرئيس التونسي السابق من تعرضه لخديعة بهدف تصوير رحيله من تونس كهارب، مؤكدين أن ابن علي هرب فعلًا من تونس ولم يجبر على الهروب كما زعم في بيانه، لافتين الانتباه إلى أن مغادرة الرئيس التونسي السابق للبلاد في ظل هذه الاضطرابات لا تعني إلا شيئًا واحدًا؛ ألا وهو (الهروب). انتقادات للمحاكمة غيابيًا هذا، وقد انتقد ناشطون وحقوقيون تونسيون محاكمة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي "غيابيًّا"، مؤكدين على ضرورة محاكمته حضوريًّا، وإيداعه قفص الاتهام، مثله مثل باقي المتهمين، حيث اعتبرت الناشطة الحقوقية التونسية المعروفة رضية نصراوي أنه من "المثير للغضب" إجراء محاكمة الرئيس المخلوع ابن علي غيابيًّا، مشيرة إلى أنه كان ينبغي مواصلة الضغوط من أجل محاكمة ابن علي حضوريًّا، مضيفة: "لن تكون هذه المحاكمة التي تمنيناها لابن علي، إنه مسئول عن آلاف الحالات من التعذيب ومئات القتلى. عائلته نهبت البلاد. هذه جرائم خطيرة جدًّا. كيف سنحاكمه إن لم يكن هنا؟". من جانبه، وصف الصحافي والمعارض التونسي توفيق بن بريك الأمر بأنه "حدث فارغ، وهراء. لقد تم بذل كل الجهود لتجنب إجراء محاكمة حقيقية. إنه مجرد إعلان بدون معنًى للتلاعب بالرأي العام". واعتبر ابن بريك أن الأمر "الأساسي الآن هو المحافظة على الثورة"، مؤكدًا قناعته بحصول "مساومة" حول رحيل ابن علي مقابل عدم محاسبته. فيما تمنى عمر مستيري، وهو أحد مؤسسي "المجلس الوطني للحريات" في تونس، أن تكون المحاكمة لنظام ابن علي "من أجل إعادة بناء مؤسسات أكثر احترامًا للمواطنين وإدارة الأملاك العامة بشفافية". وأضاف: "ينبغي ألا تكون المحاكمة نقطة الوصول؛ بل نقطة الانطلاق للتحقيق وإعادة تأهيل الذاكرة الجماعية، وينبغي إنصاف الضحايا واستخلاص العبر لئلا يتكرر ذلك أبدًا". وراء القضبان؟!! ويشير المحللون إلى أن محاكمة ابن علي غيابيًّا، تعني بشكل كبير، عدم إمكانية تنفيذ العقوبة بحقه، فبالنسبة لكثير من التونسيين فإن سعادتهم قد امتزجت بطعم المرارة لعدم حضور رأس النظام السابق الذي أفقر بلاده ونهبها هو وحاشيته جلساتِ المحاكمة، مؤكدين أنهم لا يتوقعون شيئًا من هذه المحاكمة، حتى إذا حكموا على ابن علي بالإعدام أو السجن مدى الحياة، فهذا لا يعني شيئًا، لأنه لا يمكن تحقيق ذلك طالما ظل زين العابدين بن علي هاربًا. وفي النهاية، يبقى التنبؤ بما ستسفر عنه الأيام المقبلة أمرًا صعبًا، ولكن ما يتمناه كل التونسيين الآن هو أن يروا رئيسهم السابق يقضي بقية عمره وراء القضبان، جراء ما فعل بشعبه، وما أفسده هو وحاشيته في هذا البلد، وأن تستطيع الحكومة التونسية استعادة الأموال التي قام ابن علي وأسرته بتحويلها إلى الخارج أثناء فترة حكمه، خاصة وأن تونس تعيش الآن أوضاعًا اقتصادية صعبة. المصدر : الإسلام اليوم