أبدت مصادر سياسية استياءها البالغ من التصريحات ، التي أدلي بها الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك وربط فيها بين تخلي الرئيس عن الحكم ووجود البديل ، مؤكدة أن هذا الشرط يعد مصادرة لحق الشعب المصري في اختيار الرئيس في ظل اقتراع حر مباشر وسري ، كما رأت المصادر في حديث الباز عن الخلفية العسكرية لمبارك ووصفه له بالجندي الذي لا يغادر موقعه ، استعداءا غير مباشر للمؤسسة العسكرية ضد التيارات والقوى السياسية المطالبة بالإصلاح ، حيث ربط الباز بين استمرار مبارك في الحكم وبين ضمان الاستقرار في البلاد . واعتبرت المصادر أن الباز لم يكن موفقا أبدا عندما تحدث عن رغبة مبارك في التنازل عن السلطة إذا وجد بديلا له ، وهو ما يعد ازدراءا للشعب المصري ، فالنظام يحاصر كافة القوى والحركات السياسية ويمنعها من التحرك وحشد الجماهير ، ثم بعد ذلك يطالبها بإيجاد البديل ، وهو ما يعني أن النظام يلقي الكرة في ملعب الشعب . وكان الباز قد أكد في مقابلة مع وكالة رويترز أمس أن الرئيس مبارك يرحب بالتقاعد إذا وجد من يخلفه ، وأن أسرة الرئيس لا تفكر في تقديم جمال نجل الرئيس ليكون خليفة له. وقال الباز "سيبقى (مبارك في الحكم) مادام مستطيعا وقادرا وما إلى ذلك. لكنه لو وجد أن هناك مجموعة أخرى من الناس..شخصا آخر.. مستعدين لحمل الشعلة.. فان إحساسي أنه سيرحب بذلك." وأضاف "ليس واضحا إلى الآن من الذي يمكنه أن يتولى. لا أحد يستطيع أن يقول. والمؤكد أن الرئيس وأسرته لا يفكرون في الخلافة. إنهم لا يفكرون في أن تكون الولاية لجمال وهو لا يعطي لنفسه من الحقوق أكثر مما لغيره من المصريين." وسيبلغ مبارك الذي يحكم مصر منذ عام 1981 من العمر 78 عاما مايو المقبل ، فيما يشغل جمال منصبي الأمين العام المساعد للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وأمين السياسات بالحزب. واعتبر المستشار السياسي للرئيس أن الرئاسة أمر صعب خاصة في هذه الأيام لكن مبارك كرجل عسكري لن يتخلى عن مسئوليته. وأضاف "الوضع الدولي غير واضح وغير مستقر ومطالب الناس في كل مكان تتزايد. وبالتالي عليك أن تلبي تلك المطالب." ومضى مستدركا " لكن الرئيس مبارك جندي والجندي لا يمكنه أن يهرب من المسئولية. لا يمكنه أن يقول اذهبوا إلى الجحيم لقد مللت وتعبت." وتباينت التقديرات حول الهدف من هذه التصريحات ، والتي تأتي بعد فترة احتجاج وغياب للباز لما يقرب من عام ، حيث رأي البعض أن الباز يسعى من خلال هذه التصريحات للعودة إلى الأضواء فيما اعتبر آخرون إلى أنه يسعى للظهور كمتحدث رسمي باسم أسرة الرئيس ، بينما ذهب فريق ثالث إلى أن حديث الباز عن غياب البديل يعد طعنا غير مباشر في أهلية جمال مبارك لتولي الحكم حيث إن حديثه عن غياب البديل يأتي بعد التصعيد الأخير لجمال مبارك داخل الحزب الوطني ، أي أن تصريحات الباز تعني ، ولو بشكل غير مباشر ، أن جمال لا يصلح كبديل . من جانبه ، أكد د. محمد السيد سعيد أن تصريحات د. أسامة الباز جانبها التوفيق إلى حد بعيد حين أشار إلى خلفية الرئيس العسكرية ووصفه بأنه جندي لا يتخلى عن مسئوليته ، كون هذا الوصف مخالف للدستور الذي يعتبر الرئاسة منصبا مدنيا وليس محجوزا لفئة معينة. ونبه سعيد إلى أن حديث الباز عن استمرار الرئيس في السلطة يؤكد سيطرة الشمولية والديكتاتورية على عقلية النظام الذي لا يحترم حق الشعب في اختيار من يقوده ثم أن ربطه بين اختيار البديل ورضا مبارك عنه يشير إلى تقويض أي مظهر ديمقراطي للنظام. وامتدح سعيد نفي الباز لمسألة التوريث ، مؤكدا اتفاق جميع فئات الشعب على رفض وصول مبارك الابن إلى السلطة معلنا ترحيبه بهذا النفي الذي يتمنى أن يغلق ملف الطموح السياسي لمبارك الابن إلى الأبد ، فالشعب المصري قدم تضحيات كبيرة لتكريس الجمهوري ومن غير اللائق أن يأتي شاب ليهدم جهود شعب بأكمله لعدد من العقود. من جانبه ، رأى الدكتور أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تصريحات الباز تشير إلى أزمة داخل المؤسسة الرئاسية ، فهم مختلفون حول أسلوب توريث السلطة لجمال مبارك فقد طرح الباز هذه التصريحات كبالون اختبار للشعب لقبوله بهذا السيناريو من عدمه. وأشار ثابت إلى أن حديث الباز عن عدم وجود البديل يجهز الساحة لعدد من السيناريوهات منها حدوث تغييرات داخل الحزب الوطني في الأشهر القادمة تؤهل مبارك الابن لأعلى المستويات وبعدها قد يعتذر الرئيس مبارك عن الاستمرار في السلطة لأسباب صحية . ونبه ثابت إلى أن الباز لم يعد من أعمدة النظام السياسي في مصر ولا يزيد دوره حاليا عن كونه مراقب للتطورات شأنه في ذلك شأن العشرات من المحللين. وأوضح الدكتور السيد عوض عثمان المحلل السياسي أن تصريحات الباز قد يثير المخاوف مما يحدث داخل أروقة السلطة فربما يكون الرئيس مبارك غير قادر على الاستمرار وهو ما يوجب ضرورة المبادرة بتعيين نائب أو أكثر يستطيع ملء الفراغ ومنع حدوث أزمة دستورية. ونبه الدكتور عثمان إلى أن حديث الباز عن دور المؤسسة العسكرية ربما يصب في صالح شخصيات مقربة من النظام ، وتأكيد لا يقبل الشك بأن القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيدة القادرة على إحداث تغيير سياسي في مصر. وشدد عثمان على أن حديث الباز يؤكد أن النظام يبحث عن سيناريو مناسب يحل به جمال مبارك محل والده من ناحية ويوجه رسالة للقوى السياسية بأن أي جهد للتحرك ضد مشروع التوريث سيصطدم مع قوى رئيسية في المجتمع لن تقبل بوجود شخص من خارجها أو ليست له علاقة وثيقة بها في السلطة. وأوضح عثمان أن الباز قد أساء إلى الشعب المصري حينما تحدث عن غياب البديل فشعبنا قادر على إيجاد بديل لأي منصب سياسي معتبرا هذه التصريحات تأكيدا على استمرار نهج الحكم الشمولي مسيطر على عقلية من يديرون النظام واستمرار ازدرائهم لهذا الشعب فالنظام في أزمة ولازال عاجزا عن تمرير سيناريو مقبول لتوريث السلطة