أثار الإفراج المفاجئ عن القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، حلمي الجزار، في ساعة متأخرة من مساء السبت، تساؤلات حول مدى ارتباط ذلك بوجود دوافع سياسية للسلطات الحالية. وبين حديثهم عن قرب الوصول إلى بداية حقيقية لمفاوضات المصالحة بين السلطة والجماعة "الإرهابية" بنظر الحكومة، وظنون أخرى عن بداية صناعة تيار سياسي "منفتح" يخرج من رحم جماعة الإخوان، استقبل تيار الشباب في صفوف الإخوان نبأ الإفراج عن الجزار. وجاء الإفراج بعد أكثر من عام (410 أيام) هي المدة التي قضاها الجزار القيادي البارز بالجماعة المعروف بانفتاحه على كافة التيارات السياسية داخل محبسه بسجن العقرب شديد الحراسة بطرة. وجاء خروج الجزار، ليكون ثاني قيادي إخواني يتم الإفراج عنه، بعد علي فتح الباب، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة ورئيس الهيئة البرلمانية السابق للحزب في مجلس الشورى، الذي أطلق سراحه في إبريل الماضي، واختفى عن الإعلام منذ ذلك الحين لظروف مرضية. والجزار هو أمين حزب الحرية والعدالة بمحافظة الجيزة ألقي القبض عليه يوم 5يوليو 2013، بتهمة التحريض على العنف في أحداث "بين السرايات" التي وقعت خلال فترة اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي قرب ميدان نهضة مصر في 4يوليو 2013، وأسفرت عن سقوط قتلى ومصابين. خرج الجزار من محبسه علي ذمة القضية بعد سداده كفالة قدرها 100 ألف جنيه، ليجد نفسه أمام سيناريوهين رسمهما شباب الجماعة الذين استطلع مراسل وكالة "الأناضول" آراء عدد منهم. السيناريو الأول، كما يراه محمد سلامة (24 عاما - مدير مبيعات بشركة خاصة) يتلخص في كون الجزار شخصية لا تفضل الصدام أو الحلول الحادة، وكان ولا زال بحكم طبيعة شخصيته من الرافضين للحلول الثورية الجذرية، مفضلا الحلول البراجماتية الإصلاحية، وهو ما يؤهله للمشاركة في حلقة جديدة من المصالحة مع السلطة الحالية. وكان للجزار دور في المصالحة يوم القبض عليه، حين كان مخططا له لقاء أحد أعضاء المجلس العسكري مع جمال حشمت عضو مجلس شورى جماعة الإخوان (المقيم خارج البلاد الآن)، بحسب ما ذكره حشمت في مقال له. يؤيد هشام فودة (29 عاما - مهندس) خروج الجزار لدعم المصالحة ويدعم ذلك بإعلان محمد العمدة عضو مجلس الشعب السابق الذي أخلى سبيله قبل أيام في ذات القضية مع الجزار، عن "دعوة للمصالحة بين الإخوان والسلطة الحالية، تمثل اعترافا بالأمر الواقع، من قبل أنصار مرسي على أن يكون السيسي رئيسا لمرحلة انتقالية، دون المساس بجماعة الإخوان وحزبها السياسي، والقصاص للضحايا والإفراج عن المحبوسين". إلا أن عبد الرحمن مصطفى (31 عاما - طبيب أسنان)، قال إن هذا السيناريو يقوضه أنه لا زال خارج الأسوار من يقود التفاوض في جماعة الإخوان المسلمين، وهو محمد على بشر وزير التنمية المحلية إبان عهد مرسي، والذي لم يتم القبض عليه، ويقود الجماعة من مصر، ويمثلها في التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب. وأضاف: "عليه فالوصول لقيادات إخوانية تقود عملية مصالحة مع السلطات الحالية لا يصلح كمبرر لإطلاق سراح أحد قياداتها وهو حلمي الجزار"، متابعا: "كما أنه لم يتم إطلاق سراح شخصيات، على ذمة قضايا، عُرف عنها المشاركة في مساعي التصالح لفترة طويلة كياسر على المتحدث باسم الرئاسة في عهد مرسي، وأبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، ومحمد سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة". وكان ياسر علي أحيل أمس الأول إلى المحاكمة على ذمة قضية التستر على رئيس الوزراء الأسبق هشام قنديل، فيما لا يزال الكتاتني وماضي محبوسين على ذمة قضايا تحريض على عنف. وكان طارق الملط القيادي السابق بحزب الوسط والمنشق عن التحالف الداعم لمرسي، قال في مقابلة سابقة مع وكالة "الأناضول": "السلطات تعاملت بذكاء، حينما اعتقلت الرؤوس التي في مقدورها حل الأزمة، وترك من لا يستطيعون إدارة تفاوض أو مواجهة الجماهير التي تحتاج شجاعة"، متحدثا عن القبض على الكتاتني والجزار وماضي. السيناريو الآخر، مال إلى تبنيه عمرو سمير (25 عاما - موظف)، وقال إنه "يكمن في أن الجزار رمز وقيادة وشخصية لها ثقلها داخل جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة، وله حضور بين قواعدهما، وأحد القلائل في التنظيم الذي تزعموا الدفع لتصدر الشباب للمشهد واتخاذ القرار، وهو ما يؤهله بقوة لقيادة حراك شبابي ضد قيادات الجماعة". وأضاف سمير: "منذ شهور يبحث قطاع كبير في صفوف الإخوان وخاصة من فئة الشباب، عن قيادة حقيقية لحراكهم الداخلي في التنظيم، خاصة أنهم يرون في القيادة الحالية عدم قدرة على الاستمرار كونها كانت أحد أسباب غضب الشارع ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، وخروج التظاهرات ضده في 30 يونيو 2013، وعدم القدرة على المواجهة ومنع عزله في 3 يوليو من العام ذاته". واتفق معه أحمد درويش (32 عاما - مندوب مبيعات) وقال: "يرى قطاع في شباب الجماعة أن القيادات الحالية مسؤولة أيضا على عدم استرداد السلطة طوال أكثر من عام مضى، وعدم اتخاذ آليات جديدة لمواجهة السلطات الحالية لإسقاطها، والسير بذات النهج الذي كان سببا في عزل مرسي وحل الجماعة والحزب". وأشار إلى أن "خروج الجزار يدفعه لقيادة هؤلاء الشباب في موقفهم من القيادة الحالية للجماعة، بثورة تصحيح وإعادة ترتيب الأوضاع، خاصة أنه قيادة لها ثقلها وعضو بمجلس شورى الإخوان (أعلى سلطة استشارية بالجماعة)". وضرب سعيد عزب (26 عاما - مبرمج حاسب آلي) أمثلة لما قد يقوم به الجزار مع الشباب في تشكيل حزب جديد بعد حل "الحرية والعدالة"، حزب جماعة الإخوان (بحكم قضائي نهائي في 9 أغسطس الجاري)، وقيادة تيار تجديدي يميل إلى حل وسطي مع السلطة الحالية، فضلا عن إمكانية السعي نحو تكوين جيل يجدد في الجماعة ويظهرها بشكل جديد. وتأسس حزب الحرية والعدالة يوم 6 يونيو 2011، بعد أشهر من ثورة 25يناير، ويعتبر أول حزب سياسي منبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، وكان الرئيس المعزول محمد مرسي هو أول رئيس للحزب، وخلفه سعد الكتاتني المحبوس حاليا على ذمة قضايا. إلا أن هذا الرأي عارضه محمود مرسي (24 عاما - طبيب) الذي قال إن كل محاولات الانشقاق داخل الجماعة ستبوء بالفشل، مشيرا إلى أنه يثق في أن "الجزار لن ينشق بالتنظيم، كما يثق أن هذه فترة محنة لا يجب تعليق المشانق للقيادات الذين يعانون الآن من الاعتقال أو المطاردة". وأضاف: "الجماعة عصية على الكسر والانشقاق والتاريخ أثبت ذلك، وتطوير الجماعة سيأتي بمرور الوقت". وفي 3 يوليو 2013، أطاح قادة الجيش المصري، بمرسي، بعد موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية ضده، في خطوة يعتبرها أنصاره "انقلاب عسكري" ويراها معارضوه "ثورة شعبية".