بحسن نية أو بدونها انتشرت موجات من التشكيك في مكاسب الثورة المصرية تتهمها أنها تجر البلاد الي الخراب الاقتصادي الشامل.. وكان غريبا أن يتناسي البعض أن البلاد كانت بالفعل تسبح فوق بركة من الفساد طوال الثلاثين عاما التي قضاها النظام السابق في الحكم, وان الفساد كان قد بدأ ينخر في هيكل الاقتصاد الوطني مع بدايات حكم الرئيس الراحل السادات وفور انتهاء معارك حرب أكتوبر المجيدة التي ذهبت ثمارها الي مجموعات من الأفاقين, وان عهد مبارك لم يكن سوي استمرار لما سبقه. بل ويتغافل هؤلاء انه خلال العشر سنوات الأخيرة كانت الدولة بجميع مرافقها في حال انهيار كامل وان أرقام النمو الاقتصادي وما كان يقال عن مناخ الاستثمار لم يكن سوي ستائر كثيفة تخبئ وراءها مؤامرة توريث الحكم لمبارك الابن.. ولعل اقل ما يمكن أن توصف به الحالة الراهنة للتداعيات الاقتصادية السلبية ان الثورة جاءت لتكشف عن عوار وفساد النظام الاقتصادي السابق. في27 ديسمبر2010 أي قبل الثورة بشهر كامل نبهت في مقال بالزميلة الأهرام الاقتصادي اليإحساس الجميع بالواقع الفاسد الذي يعانيه قطاع الاستثمار سواء الوطني أو الاجنبي.. ووجهت الكلام اليالمهندس رشيد محمد رشيد قائلا انه يعلم قبل غيره أن الفساد هو الفيروس الذي إذا أصاب مناخ الاستثمار ستكون النتيجة حتما هي الانهيار الكامل. كانت الأذان صماء والعيون عمياء عندما نبهنا مع كل الغيورين الي أن مناخ الاستثمار لا يعني فقط تشريعات وتسهيلات وبنية أساسية وفرص مواتية وموقع جغرافي.. ولكنه في الأساس مجموعة قيم وطنية لابد من توافرها لدي أصحاب القرار في مستويات الإدارة العليا تؤمن بأهمية الاستثمار ومدي تأثيره علي حاضر ومستقبل الوطن.. ومن دلائل أن الاقتصاد كان علي وشك الانهيار, ذلك التقرير الذي أعلنه الجهاز المركزي للمحاسبات متهما حكومة احمد نظيف بانتهاج سياسات مالية واقتصادية علي مدي سنواتها الخمس أدت الي زيادة حدة الفقر في المجتمع, وانتشار العشوائيات وتفشي الفساد وإضعاف جاذبية الاقتصاد الوطني فيما يتعلق باستقطاب الاستثمارات الخارجية بعد تراجع مصر في هذا المجال الي مستويات غير مسبوقة. الفساد الاقتصادي قبل الثورة أدي الي دخول السوق المصري مجموعات من المستثمرين الفاسدين الذين عقدوا اتفاقا مع نظرائهم من المفسدين المصريين علي تقاسم ثروة مصر.. لم يكن الهدف تحقيق نموا حقيقيا بقدر ما كان تحقيق مكاسب سريعة وغير مشروعة تدخل الي جيوبهم مباشرة وليذهب الاقتصاد المصري والصناعة والزراعة والمواطن الي الجحيم. وفي بادرة أمل تؤكد ان الاستثمار الجاد قادم لا محالة, نجد هذا الرجل المحترم الشيخ القطريمحمد بن سحيم آل ثاني يدخل الي الساحة يطلق تحالفا مصريا قطريا لإقامة أول مجمع صناعي باسم حديد المصريين بمحافظة المنيا برأسمال مليار و200 مليون جنيه, ومؤكدا أن الثورة هي التي شجعته علي دخول السوق المصرية بقوة وهو مطمئن, بل أن شركته عازمة علي ضخ استثمارات بقيمة3 مليارات جنيه خلال السنوات الثلاث المقبلة.. وعندما سأله أحد الصحفيين طبقا لما أورده الزميل فتحي محمود قبل3 أسابيع كيف يضخ كل هذه الاستثمارات في ظل الانفلات الأمني ورأس المال بطبعه جبان, رد رجل الأعمال القطري إن الجبان هو الذي لا يقف إلي جانب مصر في هذه الظروف. وبدلا من الغرق في بحور التشاؤم, لابد من الإجابة علي سؤال: كيف نستعيد مناخ الاستثمار؟.. لابد من المضي في المشروع الذي أعلنته الحكومة بإسقاط الشق الجنائي عن المستثمرين الذين حصلوا علي اراض, وفي الوقت نفسه تشديد العقوبات علي المسئولين السابقين الذين سمحوا بهذه التجاوزات.. هذه خطوة جيدة ونأمل البت فيها بسرعة, ودعونا نتكلم بصراحة.. لا يجب إصلاح الخطأ بخطأ اكبر.. وحتي إذا ثبت أن رجل الأعمال هذا أو ذاك سواء كان مصريا أو أجنبيا قد استفاد من مناخ الفساد, فلا يجب أن يتحمل هو نتائج هذا الفساد وإنما هذه الجرائم لابد أن يتحملها الفاسدون المصريون الذين باعوا البلد بأبخس الأثمان, ولابد أن تقدم الحكومة المصرية عهد أمان لكل مستثمر مصري أو عربي أو اجنبي يتقدم للشهادة ضد المسئولين الفاسدين المصريين الذين نهبوا أموال وأصول الوطن, واعتقد أن استعادة الاراضي او مصادرتها من المستثمرين ليس هو الحل الذي يشجع مناخ الاستثمار, ولكن المطلوب هو محاسبة الفاسدين المصريين وإعادة تقييم الاراضي وفقا للأسعار السائدة وقت التخصيص, بحيث تستمر المشروعات في العمل. من المؤشرات المهمة علي بدء تعافي الاقتصاد ما أعلنه الدكتور عصام شرف من أن الحكومة بصدد وضع خطة تنموية طموح تتضمن إقامة عدة مشروعات قومية ضخمة, وما أعلنه ستيف فارس رئيس شركة آباتشي للبترول عن ضخ مليار دولار استثمارات إضافية في مصر خلال العام المقبل, وكذا توقيع الأمير الوليد بن طلال للعقد الجديد بخصوص مشروعه الضخم في توشكي ودعوته للمستثمرين العرب بسرعة الدخول الي ساحة الاقتصاد المصري. نقلا عن الاهرام: