لآن أستطيع أن أكتب بلا حرج عن وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالي بعد أن أنكشفت جرائمه وتأكدت.. وقضت عليه المحكمة بالسجن ثلاثين عاماً وتغريمه 5.71 مليون جنيه وعزله من وظيفته. وكان يوسف بطرس غالي متهماً من قبل النيابة العامة حتي أمس الأول.. والمتهم برئ حتي تثبت إدانته.. وقد ثبتت الإدانة بمقتضي حكم المحكمة.. والحكم عنوان الحقيقة.. وبالتالي فلا حرج ولا بأس.. بعد أن صار المتهم فاسداً ومجرماً. ولد يوسف بطرس غالي في 20 أغسطس ..1952 وفي 1974 حصل علي بكالوريوس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.. وفي 1981 نال الدكتوراة في الاقتصاد من معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا بالولايات المتحدة.. عمه الدبلوماسي المخضرم د.بطرس بطرس غالي وجده بطرس غالي الذي قتله مواطن قبطي بسبب ارتباطه بالاحتلال الإنجليزي وعدائه للحركة الوطنية المصرية. في عام 1993 عين وزيراً للتعاون الدولي ثم سرعان ما تحول إلي وزير دولة للشئون الاقتصادية فوزير للاقتصاد والتجارة الداخلية ثم وزيراً للمالية.. ودائماً كان يحظي بمكانة خاصة لارتباطه بجمال مبارك.. وقد سطع نجمه وتوهج مع حكومة عاطف عبيد وحكومة نظيف. تفنن يوسف بطرس غالي في تطبيق سياسات الجباية الضريبية.. ولم يؤثر عنه أبداً احترامه للشعب المصري.. أو تعاطفه مع القاعدة العريضة من محدودي الدخل اللهم إلا في موسم الانتخابات البرلمانية حينما كان يتعطف ويقوم بتوزيع بعض السلع التموينية علي أعداد من سكان دائرته الانتخابية في شبرا من باب ذر الرماد في العيون. وبسبب قدراته الفذة في ابتداع أصناف وألوان مبتكرة من الضرائب كان آل مبارك ينظرون إليه علي أنه المعجزة صاحب الخبرات المالية الهائلة.. وكان هو يغذي هذه النظرة الأسطورية لدي العائلة المالكة بتقارير من مؤسسات مالية واقتصادية عالمية تصفه بأنه "أنجح وزير" و"صاحب أفضل أداء" و"صاحب العقلية الإبداعية".. ومعروف بالطبع أن هذه التقارير تحمل من المجاملة والتملق أكثر مما تحمل من الحقيقة.. فالرجل يمثل سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين.. وبشكل أو بآخر فإن وجوده في الحكومة يضمن استمرار النهج الغربي في إدارة اقتصادنا من وراء ستار. لم يحظ يوسف بطرس غالي أبداً بقبول شعبي أو ثقة المصريين.. وكان رهانه بالكامل علي الأسرة المالكة.. وقد أبدع بالفعل في إعداد قانون الضرائب الأخير الذي خفض النسبة الضريبية علي المستثمرين ورجال الأعمال من 40% إلي 20% ورفع النسبة علي الموظفين من 10% إلي 20% وأخضع كل ما يحصلون عليه من حوافز ومكافآت وبدلات سفر للضرائب.. ثم أوهمنا جميعاً بأن هذا القانون في صالح محدودي الدخل.. وأنه سوف يساهم في زيادة الدخول. ثم كانت الطامة الكبري بقانون الضرائب العقارية التي أجلت حكومة الثورة تطبيقه إلي أجل غير مسمي. وحينما ابتدع لعبة ضم أموال التأمينات والمعاشات إلي خزينة الدولة وقوبل برفض شعبي واسع ساندته د.ميرفت التلاوي وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية وقتها ولم يجد النظام الفاسد حلاً لهذه المشكلة إلا بتشكيل حكومة جديدة تم فيها ضم وزارة التأمينات بكل أموالها وأجهزتها إلي الوزير المعجزة يوسف بطرس غالي حتي يتصرف في أموال التأمينات كيفما يشاء. ويعجب المرء حين يقرأ اليوم عن الجرائم البشعة التي ارتكبها هذا الرجل بلا أدني ضمير.. فقد عرف عنه أنه ضد صغار الموظفين وضد أصحاب المعاشات وضد كل ما يمت بصلة لمحدودي الدخل.. لكنه كان علي الطرف الآخر نموذجاً للمسئول الذي يتفنن في استغلال سلطات وظيفته.. فقد حصل علي 6 سيارات فارهة من سيارات الجمارك لاستخدامه الشخصي ووزع 96 سيارة أخري علي زملائه ومحاسيبه.. واستخدم مركز الطباعة بوزارة المالية في طباعة كميات كبيرة من مطبوعات الدعاية الانتخابية الفاخرة عند ترشحه في الانتخابات.. ونقل أعداداً من أجهزة الحاسب الآلي المملوكة لوزارة المالية إلي مقره الانتخابي دون وجه حق لمدة 6 أشهر قبل موعد الانتخابات. لقد كان يتصور أنه مخلد في منصبه.. وأنه قد ضمن رضا آل مبارك ومن ثم فلا خوف من أحد.. ونسي أن هناك من لا يغفل ولا ينام.. سبحانه وتعالي. بقيت إشارة مهمة إلي أن يوسف بطرس غالي كان أول من هرب من السفينة وهي تغرق.. فقد غادر البلاد هارباً يوم 11 فبراير يوم جمعة التنحي متجهاً إلي لبنان وكان يحمل جواز سفر دبلوماسياً رقم 3285 صادراً عام .2009 وسقطت بذلك أكذوبة الوزير المدلل. نقلا عن المساء: