إن ثورة الغضب التي اشترك فيها الشعب المصري بكل أطيافه وطوائفه في كل محافظات مصر، استطاعت أن تحقق شرعيتها باسقاط رأس النظام إلا أن أركانه مازالت متفشية في مؤسسات الدولة، حتى تحركت بالثورة المضادة لإجهاض الثورة في مهدها حتى يستفيق النظام ويسترد ما سلبته الثورة منه، وبالتالي كانت هناك سيناريوهات وضعت من قبّل فلول النظام. تلك السيناريوهات بدأت بالانفلات الأمنى، وترويع وترهيب الأمنيين من قبل بلطجية الحزب الوطنى وأمن الدولة، ثم التخوين والتحريض على قتل المتظاهرين من قبلّ الإعلام المصري الرسمي وغير الرسمي، ثم تحرُك بعض الأحزاب الكرتونية والقيادات السياسية النفعية والاشتراك في لجان الحكماء للالتفاف على الثورة والاكتفاء بهذا القدر بما حققته الثورة، ثم اعتقالات أمن الدولة لبعض المتظاهرين، ثم اصطناعة بعض المظاهرات الفئوية مع إزالة وطمس أي مستندات أو أوراق تدين رجال النظام السابق سواء بالحرق أو بالفرم في كافة الأجهزة الحكومية المعنية، ثم أشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في نفوس المواطنيين لإيحائهم بأن الثورة هى السبب فيما يحدث في مصر من فقر، وانهيار اقتصاد، وتوقف عجلة الإنتاج، وكأن خزائن البلد أفرغتها الثورة وليس النظام السابق من فساد ونهب، ثم إثارة الطائفية واللعب على وترها لتفتيت الوطن ووضعه في بوتقة ممزقة بين أبناء الوطن الواحد مسلم ومسيحي، ثم العمل على الخوف والقلق من الإخوان المسلمين وتشويه صورتهم، ثم فزاعة التيارات الإسلامية وبث الإشاعات في صدور المواطنين وجثامة تلك التيارات وإضراراها على الوطن. وكان السيناريو الأخير هو نفس السيناريو الذي كان يستخدمه أمن الدولة، إلا أن الأدوار انقلبت، فبعد سقوط أمن الدولة كان لابد من فلول النظام السابق إيجاد فئة تجيد الدور المسرحي حتى يكون هناك مصداقية عند رجل الشارع، بإثارة القلق والخوف من الإخوان والجماعات الإسلامية وتحريض المواطنين عليهم، وهذه الفئة هم العلمانيون (المتلونون) في كافة قطاعات الدولة الحكومية وغير الحكومية في المؤسسات الصحفية والإعلامية والثقافية والفنية والسياسية، وهم الذين يضعون السم في العسل، ينادون بأنهم مع إنجازات الثورة وهم لاينتمون للثورة بأي صلة لأنهم مقنَعوُن كانوا يطبلون للنظام السابق ثم غيروا أقنعتهم وأعلنوا أنهم مع الثورة حتى ينفذوا مخططات الثورة المضادة، وكانت أدواتهم نحو هذه الثورة مايلي: - إثارة المادة الثانية بأن (الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريع)، وزعم أن هذه المادة تمهد لقيام دولة إسلامية تسعى القوى الإسلامية من خلالها بمحاكمة شعب مصر بالحديد والنار، أو وضع دستوري إسلامي يجهض كافة حريات وعبادات الأديان ألأخري، مع أن المادة الثانية على النقيض من ذلك إذ أن فقهاء الدستوريين من المسلمين والمسيحيين أكدوا مرارًا وتكرارًا أن هذه المادة ضمان للحقوق وحماية عبادات الأديان الأخري في تيسير شريعتها، أي أن إلغاء المادة سيؤدى إلى علمانية الدولة، بمعنى أن لاتوجد شرائع سماوية يحتكم إليه المواطن، وبالتالي سيلجأ المسيحي الأرذثوكسي إلى القضاء الإداري للطلاق وسيحكم لصالحه، وهذا ينافي شريعته الذى لايتم الطلاق فيها إلا على علة الزنا، وبالتالي يصبح القانون هو الفيصل في المسائل الدينية والكنّسيَة، ويكون الدين هنا لا وجود له، وبالتالي تصبح أحكام الشريعة ليس لها وجود، واللعب على هذه المادة سيجعل المجتمع أن يتخلى عن الأخلاقيات والقيم والمبادئ، ومن ثم سيفعل الشخص مايراه عقله حتى لو كان ما يراه ينافي الأخلاق، لأن هذه هي أسس العلمانية. - تشويه صورة التيارات الإسلامية بإثارة قضايا شخيصية عبر أخطاء فردية من خلال وسائل الإعلام المرئي والمقروء والتركيز عليها بأن هؤلاء خطر على الدولة وضرورة الخلاص منهم، وليس ذلك فحسب بل ترويج الشائعات نحوهم في داخل القطر المصري وخارجه، بأن هؤلاء يسفكون الدماء ضد كل من فعل معصية وتخطى حدود الله، وبالتالي تصير أبواقهم في الخارج بتشويه الإسلام والمسلمين عامة، والدعوة إلى عودة النظام القديم، والبكاء على أيام الرئيس المخلوع "مبارك" وحزبه. - إثارة النعرات الطائفية من خلال وسائلهم المتعددة بشحن المسيحيين والمسلمين ضد بعضهم البعض، وذلك باللعب على العاطفة عبر أقوال مغلوطة بأن التيارات الإسلامية تريد القضاء على الطرف الأخر لتكون مصر دولة مسلمة عن بكرة أبيها، وعلى النقيض من المسلمين بأن المسيحيين يسعون لتكريس دولة لهم وإلغاء الإسلام ومحاصرته في مصر، ومن ثم تكثر الخلافات والمشاحنات لتنجرف الدولة في منعطف خلافات طائفية لا تنتهي إلا بالدم. - الشكيك في نوايا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه متفق سياسيًا مع الإخوان والجماعات الإسلامية من وراء الكواليس، لكي يتولوا إدارة البلاد سياسيًا بعد فترة الانتقال، والريبة في أي قرار أو بيان يصدره المجلس بأنه جاء في صالح الإخوان أو التيارات الإسلامية، وأن هناك إسلامية العسكر، مثلما حدث في السودان بين البشير والترابي عام 1989 ، بعد الانقلاب على النميري. - التحريض على كراهية الإخوان والسلفية والتيارات الإسلامية الأخري بأنهم تحالفوا على اقتسام السلطة فيما بينهم، لأنهم اتفقوا على الثورة لإزالة النظام السابق حتى يهيمنون على السلطة فيما بعد، ويزيدون في اتهاماتهم بأنهم عملاء للخارج، وأنهم ينفذون أجندة أجنبية. - الدعوة إلى التحالف مع أعضاء الحزب الوطنى، والعفو عنهم، لعودتهم إلى الحياة السياسية وفتح صفحة جديدة معهم، لعودة الديمقراطية الجديدة، وهم يسعون لذلك، ليس حبًا في الحزب الوطنى ولكن للحفاظ على مصالحهم، والقضاء على الإخوان والتيارات الإسلامية والشباب الوطنى المحب لوطنه، لأن فئة العلمانيين هدفها الحقيقي المصالح الشخصية في المقام الأول، وليس مصلحة الوطن، وبالتالي هم يلتحمون مع أعداء الثورة لأقصاء الآخرين في الانتخابات البرلمانية حتى يتسنى لهم الحفاظ على كراسيهم ومناصبهم، أوالعمل على تأجيل الانتخابات البرلمانية وضرورة وضع دستور قبل كل شئ رغم استفتاء الشعب بالموافقة على التعديلات الدستورية، ولذا على العلمانيين من الأفضل لهم أن يطالبوا بمدنية الدولة وليس بعلمانيتها، ومن الأفضل لهم أن يسعوا لنجاح البلد والوصول به إلى بر الأمان والسلام والخير، وأن تكون مصلحة الوطنى فوق مصالحهم. ففي النهاية أن الثورة سوف تطيح بهؤلاء المتلونين (العلمانيين)، لأن الثورة عازمة على استئصال كل فاسد، إذ أن الثورة استطاعت ان تسقط رأس النظام وأكبر أعوانه وأذرعته فبالتالي ليست عاجزة في إسقاط الثورة المضادة والقضاء على مخططاتها وأدواتها. [email protected]