ومن معاني الصيام المعاني الأخلاقية، فإذا كان العبد يصوم رمضان امتثالا لأوامر ربه، فيحرم نفسه الطعام والشراب والشهوة أثناء الصيام، هذا الشخص الذي يفعل ذلك مخلصا لله، ويظل مداوما على هذه الحالة.. هذا الشخص لا يُتصور منه أن يعصي ربه؛ لأنه حرم نفسه من أجله.. إن الصوم يربي الإرادة والضمير في نفوس الصائمين، ويعودهم على الإحسان وهو مراقبة الله سبحانه واستحضاره في كل الأوقات والأحوال.. في كل الحركات والسكنات.. ويعود المسلم على الأخلاق النبيلة وترك الكذب والغيبة والنميمة وغيرها من الآثام والأخلاق الذميمة، ذلك أن النفس إذا امتنعت عن الحلال طمعا في مرضاة الله وخوفا من عقابه، فأولى لها وحري بها أن تمتنع عن الحرام.. كما يؤدي الصيام إلى قهر الشيطان، وكسر الشهوة، وحفظ الجوارح.. والصوم لا يترك الفرد بعد هذا الشهر إلا وقد غرس في نفسه الفضائل وضبط نفسه وقوى عزيمته وعود المسلم على الصبر والتحمل والإحساس بأخيه المسلم، واحترامه والحنو عليه.. إن الصيام جامعة أخلاقية كبرى، وهو كفيل بخلق مجتمع فاضل، مبني على سيادة القيم والأخلاق النبيلة، فالصيام يغرس في نفس الشخص حب الخير والصدق والإخلاص والتقوى والورع والزهد والمراقبة والعدل، وينقي المجتمع من غوائل الحقد والحسد والظلم والكراهية وشهادة الزور، ذلك أن الإنسان حينما يصوم -من أجل الله- فإنه تتكون لديه ملكة التقوى، وإذا تكونت لديه هذه الملكة فإنها تكون بمثابة العصام الذي يعصمه عن الوقوع في المعاصي يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، والصائم إذا لم يراقب الله ويتخلق بالأخلاق الفاضلة فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش فقط، ولا يجني من صيامه خيرا، وفي ذلك يقول (صلى الله عليه وسلم): (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر) (أخرجه ابن ماجه) ويقول (صلى الله عليه وسلم): (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) (أخرجه أحمد). ويقول أيضا: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله أحد فليقل إني امرؤ صائم) (أخرجه أحمد). ومن هنا فإننا ندعو إلى ضرورة غرس هذه الأخلاق وتلك المبادئ في نفوس المسلمين من خلال مدرسة الصيام الأخلاقية، تحقيقا وتطبيقا لقول الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110).
* المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية – عضو اتحاد كُتَّاب مصر