إن حجم التخلف العلمي والتكنولوجي المهول القائم حاليا في الأوطان العربية والأفريقية، وسرعة معدل نموه فيها، يلزم الجهات القائمة على شؤونها معالجة أمره بصفة عاجلة لوقف عملية توسعه فإنتشاره. سبيلها الوحيد في ذلك - حسب إيماننا - مؤسساتها العلمية والبحثية التي تم أساسا إنشاءها لهذا الغرض. كونها غير فعالة بالصورة النموذجية، وجب بداية ً نهضتها ببرامج إصلاحية غير تقليدية، تساندها تشريعات قانونية معينة لشؤونها، حتى تؤدي– مرة أخرى - الدور العظيم المرجو منها في مكافحة الجهل والتخلف في محيطها. مقالنا هذا سيعرض برنامجا إصلاحيا ننصح إعتماده للسابق ذكره. ولضمان نجاحه، أولا تأمينه - بغطاء قانوني - من تعرضه للقنوات الشرعية التابعة للمؤسسات الوطنية، بمعنى اللجان العلمية واللجان العليا للجامعات والمؤسسات البحثية، حتي لا يصطدم بنظمها ولوائح عملها، التي قد تعيق سير عمله وربما تعطل أمره، ثانيا إعتماد مسؤوليته مؤسسة مستقلة، سنسميها فيما يلي ب "المؤسسة القيادية للنهضة والعلوم"، تتعاون معها المؤسسات التعليمية - إن تتطلب منها الأمر ذلك. المهام الأساسية التي إعتمدتها في البرنامج الإصلاحي للمؤسسة القيادية، لعلاج الأوضاع غير السليمة القائمة في المؤسسات الوطنية، التعليمية والبحثية، في أسرع وقت ممكن، هي: - جرد وتعيين الكفاءات العلمية القائمة في الجمهورية، والإشراف عليها. - إعتماد مناهج تعليمية وبرامج إصلاحية ناهضة للمؤسسات البحثية والتعليمية. - تشكيل لجان مراجعة نوعية، لمراجعة نوعية العلوم المتبناة في المؤسسات الجامعية والمراكز البحثية وتتبع سير عملها وحسن أداءها. - إعتماد برامج علمية وبحثية مشتركة للمؤسسات البحثية والمؤسسات التربوية التعليمية، لتفعيل روح التعاون والعمل المشترك بين بعضها البعض في الساحة الوطنية. الأمر الذي يرجى به تحسين أداءها و يعينها في الحفاظ على مستواها. كلها أهداف كبيرة، أوصي لها تشكيل لجنتان نوعيتان في المؤسسة القيادية، إحداها الراعية للبرنامج الإصلاحي، تسمى اللجنة القيادية لتوجيه البحث العلمي (Science Steering Committee)، والأخرى ستكون معنية بمراجعة سير عمل المؤسسات العلمية والبحثية، تسمى اللجنة العامة للمراجعة النوعية (Visiting Committees). الأخيرة كان من المفروض أن تكون أساسا قائمة في الساحة العلمية والبحثية في الوطن العربي والأفريقي، كما هو حاصل في كافة الدول الصناعية المتقدمة، ولكن للأسف ما زالت إلى حاضرنا غير قائمة. في المرحلة الإبتدائية للبرنامج الإصلاحي، ستباشر اللجنة القيادية بتنفيذ عمليتين متجاورتين، تتمان في وقت واحد، لكل منهما فاصل زمني محدد غير متصل بالأخر. العملية الأولى ستكون معنية بمراجعة ماحصة لمؤهل العلماء المصريين القائمين على شؤون الجامعات والمنظمات التي ذكرنا بعضها في سلسلة مقالاتنا السابقة. سيتم فيها تكليف أعضاء هيئات التدريس والمؤسسات الوطنية تقديم التالي للجنة القيادية : 1. سيرة ذاتية دقيقة للعالم، تحوي المعلومات الوافية عن سلك تخرجه وكل المناصب التي شغلها ويشغلها حتى لحظته، ومجال الأبحاث التي هو قائم عليها. 2. قائمة شاملة عن مجمل نشراته، والتي تكشف بوضوح أين تم نشرها، وكذلك إذا ما كانت موضوعاتها تخصه أم تخص رسالات ماجيستراة أو دكتوراة لطلبة العلم التي أشرف أو ساعد في الإشراف عليها. كذلك عليه أن يوضح ما إذا كان موضوع البحث المنشور قائم على مجهوده البحثي الذاتي أم أن فكره معتمد من مصادر أخرى. من خلال هذه العملية الفاحصة ستتبلور - بإذن الله - بسهولة الفئة البحثية والعلمية الواعدة للمنظومة التعليمية للدولة. العملية الثانية - التي ستتم بالتواز مع الأولى - ستباشر اللجنة القيادية فيها إعداد منهاج تعليمي وبحثي نموذجي للمؤسسات الوطنية، العلمية والبحثية، تضمن - بالأسس والقواعد السليمة التي سيتم إعتمادها لها - رقيها للمستوى الحضارى القائم الساعة في الساحة الدولية. من واقع ما كشفناه في سلسلة حلقاتنا الماضية أوصي فيها بالتالي: 1. تبني برامج مستحدثة للتعليم والبحث العلمي، تتواصل مع المستوي المتقدم للنظم العلمية الغربية المتقدمة، كالأوروبية والأمريكية. 2. إستحداث وتوحيد نظم التمويل القائمة حالياُ للمؤسسات التعليمية، والتي تحتاج - حسب إيماننا – إلى تعديل شامل حتى تماثل المستوى الدولي الناجح المعمول به لدى المؤسسات العلمية المتقدمة - كالتي كنت أستشيرها - أذكرمنها: أ- ال NSF إختصار ل (National Science Foundation, USA) مؤسسة البحث العلمي الوطني للولايات المتحدة ب- ال NRC إختصار ل (National Research Council, U.K.) أي مركز البحوث العلمية الوطني للمملكة المتحدة ت- NASA Lunar & Planetary Review Board ث- ال DFG إختصار ل (Deutsche Forschungsgemeinschaft, Germany) مجتمع البحث العلمي الألماني ج- ال FFW إختصار ل (Fonds zur Foerderung der natuwissenschaftlichen Forschung, Austria) فوندس لدعم البحث العلمي لنمسا ملحوظة: كلها مؤسسات قدمت لها إستشارات في برامج علمية تم عرضها عليها من مؤسسات صناعية لغرض الحكم على صحة أساسها العلمي ومصداقية الميزانية المالية المقدرة لها، لتقرر بالحكم المقدم منا لها موضوع تفعيله وتمويله. 3. تعديل اللوائح القائمة لشغل المناصب التعليمية والإدارية للجامعات في إطار مطابق لنظم ولوائح النظم التعليمية والبحثية للدول الصناعية المتقدمة. 4. تعديل اللوائح القائمة لنظم البعثات العلمية والمهمات الخارجية، ليتم بها ترشيح خيرة العلماء للوفود وللمهمات الخارجية إلى الدول الصناعية المتقدمة كأوروبا وأمريكا. بعد إتمام عمليتي المرحلة الأولى، سيتم المباشرة بالمرحلة الثانية، التي تعتبر أكثر تكليفاً وتعقيدأً عن سابقتها. فيها سيتم تأسيس لجان مراجعة نوعية (visiting committees)، مهمتها في البداية ستحدد بالمراجعة النوعية للعلوم المتبناة في المؤسسات الجامعية والمراكز البحثية، كالمركز القومي للبحوث (National Research Centre) وهيئة الثروة المعدنية ( هيئة المساحة الجيولوجية سابقا) والمجلس الأعلى للأثار (Egyptian Antiquities Organization) وهيئة الطاقة النووية (Atomic Energy Establishment). فيما بعد، عند تحديد البرامج الإصلاحية الواجبة للمؤسسات العلمية والبحثية، سيتم إعتمادها أيضا في مهمة تتبع عملية تبني المؤسسات العلمية والمراكز البحثية للبرامج الإصلاحية الموضوعة لها، للتأكد من إحقاقها لها والغرض منها في الزمن المحدد لها. إنها مهام حساسة، لكن ضرورية لضمان نجاح الإصلاح المرجو لكافة المؤسسات في أقرب وقت ممكن. سيتم تولي إدارة لجان المراجعة النوعية علماء – دوليا - مميزين وقديرين – سيتم ترشيحهم وتسميتهم من قبل اللجنة القيادية المسؤولة على البرنامج الإصلاحي - يفضل أن يكونوا ممن يحتلون مناصب علمية رفيعة في الدول الصناعية المتقدمة، كأوروبا والولاياتالمتحدة واليابان وأستراليا. مما أود أن أشير إليه هنا، أن موضوع تواجد رقابة على المؤسسات العلمية والبحثية في الدول الصناعية المتقدمة بلجان مراجعة نوعية أمر بديهي لديها، لأنها سبيلها المعتمد - وبكفاءة - في الحفاظ على مستواها العلمي والبحثي الناجح، فعلى نوعية ما يصدر منها. كافة المنظمات العلمية والبحثية للدول الأوروبية، كالثمان وسبعين منظمة التابعة لمؤسسة ماكس بلانك (Max-Planck-Institute) في ألمانيا التي كنت أعمل بها، وكذلك المؤسسات التعليمية والجامعية الدولية الراقية ك معهد كاليفورنيا التكنولوجي في باسادينا (California Institute of Technology) - الولاياتالمتحدة، الذي يحيي في نهضته الدكتور أحمد زويل، ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا في مدينة كامبريدج - الولاياتالمتحدة (Massachusetts Institute of Technology)، ومعهد كارنجي في واشنطن (Carnegie Institution of Washington) - الولاياتالمتحدة، عليها رقابة وطنية بلجان مراجعة نوعية. فتلك مصلحة وطنية لا مجال للتهاون في شأنها. أخيرا، علينا أيضا ألا ننسى ذكر الدور الواجب على اللجنة القيادية أداءه نحو المؤسسات والمراكز العلمية والبحثية غير التربوية بهدف نهضتها. أذكر في ذلك، إستحداث نظم وقواعد عملها ومراجعة برامجها، فتحديد مسار عصري لها. كذلك تتبع سير عملها من خلال اللجان النوعية. من المهام الحيوية أيضا الواجب على اللجنة القيادية إحقاقها، تواصل المؤسسات والمراكز العلمية والبحثية مع المؤسسات التربوية التعليمية القائمة في الجمهورية. ذلك من خلال تفعيل أنشطة بحثية مشتركة لها – على سبيل المثال، يرجى بها إحياء جو من المنافسة العلمية الفاضلة بين بعضها البعض، ربما تتصاعد إلى منافسة على الريادة في الساحة العلمية والبحثية فيما بعد، وهو خير ما يمكن إحقاقه لها. ختاماً نود أن نشير إلى أن سبل العلاج للنهوض بمؤسساتنا العلمية والبحثية، التي قدمت الخطوط العريضة لها هنا، ليست بيسيرة، وأحيانا مؤلمة، لكنها بالخطوات المقترحة مني هنا – وحسب إيماننا - الوحيدة التي يمكن بها إدراك الإنقاذ العاجل والشافي للنظم والمؤسسات التعليمية والبحثية، وأهم من ذلك رقيها ونهضتها مرة أخرى في الساحة الوطنية، وبإذن الله في الدولية كذلك. نرجو الله أن يتقبل منا عملنا، ولمصر والأمة العربية والأفريقية النهضة والتوفيق في مسارها، وما التوفيق إلا من عند الله. * http://www.bgi.uni-bayreuth.de/organization/bgistaff/staffinfo.php?id=128 http://en.wikipedia.org/wiki/El_Goresy ** www.geolin.eu [email protected]