النيابة تأمر بمعاينة الزوايا التيجانية محل وقائع تحرش صلاح التيجاني    بينهم أطفال ونساء، استشهاد 44 فلسطينيا في قصف إسرائيلي بغزة    تأهل علي فرج لنهائي بطولة "Paris Squash 2024" للإسكواش    أمام أنظار عبد المنعم.. نيس يسحق سانت إيتيان بثمانية أهداف    موعد مباراة الأهلي وجورماهيا الكيني بدوري أبطال أفريقيا    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    لمواجهة انقطاع التيار وفواتير الكهرباء| «الألواح الشمسية».. نور في البيوت المصرية    عمرو أديب عن صلاح التيجاني: «مثقفين ورجال أعمال وفنانين مبيدخلوش الحمام غير لما يكلموا الشيخ» (فيديو)    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    وزير خارجية لبنان: نشكر مصر رئيسا وشعبا على دعم موقف لبنان خلال الأزمة الحالية    وزير الخارجية يجتمع في واشنطن مع المبعوث الأمريكي للبنان    وزير الخارجية اللبناني: تفجيرات أجهزة الاتصالات تمثل إبادة وعقابا جماعيا لشعبنا    عمرو أديب: سمعة الملياردير الراحل محمد الفايد تم تلطيخها في لندن    محامي خديجة صاحبة اتهام صلاح التيجاني بالتحرش: الشيخ كان عنده قضية معاشرة لسيدة داخل مسجد عام 2004    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 21 سبتمبر 2024    «التحالف الوطني» يواصل دعم الطلاب والأسر الأكثر احتياجا مع بداية العام الدراسي    عاجل.. فيفا يعلن منافسة الأهلي على 3 بطولات قارية في كأس إنتركونتيننتال    ذكريات سوبر الأهلي والزمالك 94.. الشيشيني ضد رضا وأول مواجهة للجوهري    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    أول تعليق من البلوشي بعد توليه التعليق على مباراة الأهلي وجورماهيا    أهالى أبو الريش فى أسوان ينظمون وقفة احتجاجية ويطالبون بوقف محطة مياه القرية    «جنون الربح».. فضيحة كبرى تضرب مواقع التواصل الاجتماعي وتهدد الجميع (دراسة)    «البوابة نيوز» تكشف حقيقة اقتحام مسجل خطر مبنى حي الدقي والاعتداء على رئيسه    برج القوس.. حظك اليوم السبت 21 سبتمبر 2024: كن قانعا بصفات شريك حياتك    المتسابق موريس يقدم دور عالم مجنون فى كاستنج.. وعمرو سلامة: لديه شكل جسدى مميز    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    عودة قوية لديمي مور بفيلم الرعب "The Substance" بعد غياب عن البطولات المطلقة    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    المخرج عمر عبد العزيز: «ليه أدفع فلوس وأنا بصور على النيل؟» (فيديو)    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    شيرين عبدالوهاب ترد على تصريحات وائل جسار.. ماذا قالت؟ (فيديو)    ارتفاع سعر طن الحديد والأسمنت يتجاوز 3000 جنيه بسوق مواد البناء اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    لأول مرة.. مستشفى قنا العام" يسجل "صفر" في قوائم انتظار القسطرة القلبية    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    حملات توعية للسيدات حول خطورة الطلمبات الحبشية بالشرقية    الأهلي في السوبر الأفريقي.. 8 ألقاب وذكرى أليمة أمام الزمالك    حزب الله اللبناني يصدر بيانا عن مقتل قائد "قوة الرضوان" إبراهيم عقيل    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    وزير التعليم العالي يكرم رئيس جامعة طيبة التكنولوجية    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    الصيف يُغلق حقائبه.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم السبت: وداع على غير العادة    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    مصرع طفل قعيد إثر حريق اشتعل بمنزل في العياط    وزير التربية والتعليم يتفقد 9 مدارس بأسيوط لمتابعة جاهزيتها    بعد تصدرها الترند.. أول تعليق من الطرق الصوفية على الطريقة الكركرية    ما هو حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم؟.. فيديو    خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت 80 مليون خدمة مجانية خلال 50 يوما    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عولمة العدالة : الطاقة النووية نموذجاً
نشر في المصريون يوم 14 - 03 - 2006

منذ عدة أشهر، تحرص كل من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جانب فرنسا (أعضاء دائمون بمجلس الأمن) بالارتكاز على مجهودات كبيرة تقدمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على إعادة تنشيط معاهدة عدم الانتشار النووي التي خرجت إلى النور في العام 1968، و التي تعني باختصار شديد، رغبة الدول الكبرى في أن يكون العالم منقسماً إلى معسكرين اثنين: معسكر نووي و آخر محرّم عليه أي طموح من هذا النوع. لقد سمحت الحملات الإعلامية و السياسية الكبيرة و غير المتسامحة، التي خاضتها هذه الدول منذ عقود بأن يُفرض على عدد كبير من البلدان القبول بهذا الواقع و الالتزام به ، بمعنى أنه يُحرّم على باقي الدول التفكير في الاستفادة، بأي شكل من الأشكال، من هذا النوع من الطاقة التي يمنحها اليورانيوم المخصب؛ لأن هذا الأخير يتيح فرصة تصنيع القنبلة النووية، و بالتالي فإن بلداً كالجزائر مثلاً، التي رفضت التوقيع على نص المعاهدة سالفة الذكر لمدة (25) سنة كاملة ، بحجة حرصها على الاتفاق بأن يكون الحوض المتوسطي بكامله خالياً من أسلحة من هذا النوع، في إشارة واضحة إلى دولة الكيان الصهيوني، إلا أنها و أثناء سنوات الاقتتال الداخلي الذي عاشته في العقد الأخير وجدت نفسها وجها لوجه في مقابل حملة غربية تتحدث عن وجود طموحات نووية لديها، فاضطرت إلى الإمضاء تحت وطأة التصعيد. و لكن موقفاً كهذا لم يكن متوقعا يوماً من قادة "إسرائيل " و التي لا تمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة غير التقليدية التي في مقدورها أن تدمر كوكب الأرض بكامله فحسب، و لكنها تتمكن على الرغم من ذلك من مخادعة الرأي العام العالمي، و تدير ظهرها لتوصيات المؤسسات الدولية من غير أن يشجب أحد مثل هذا الواقع، فضلاً عن أنه يغرق العالم الإسلامي كله في حالة من الحيرة و الذهول و الهلع أيضاً. تذكير لا مناص منه: القنبلة النووية في الواقع هي المرادف اللغوي لكلمات على وزن القوة و القدرة و العصمة و الرعب بالنسبة للضحايا، و حري بنا أن نعرف أنه و منذ بداية القرن الماضي، كانت آلية الانشطار الذري الشغل الشاغل لعدد كبير من العلماء، فكمية الحرارة المنبعثة من وقوع انشطار وحيد هي في الحقيقة مذهلة؛ فهي تماثل عشرة آلاف ضعف أي احتراق تقليدي آخر، و يعود الفضل في كيفية التوصل إلى التحكم في سلسلة الانشطار الذري إلى العالم الفيزيائي الإيطالي (إنريكو فيرمي) في 2 من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1942. لقد كان ذلك الاكتشاف يعني لأول مرة في التاريخ البشري قدرة الإنسان على التحكم في الطاقات الهائلة. إلا أن البدء الفعلي في الاستعمال السلمي لهذه الطاقة لم يقع إلا في العام 1973 بمناسبة أزمة النفط الشهيرة حين بُدئ في العمل على إقامة مفاعلات نووية لغرض إنتاج الطاقة الكهربائية، و التي يفوق عددها اليوم (450) مفاعلاً تمتلك الولايات المتحدة نصيب الأسد منها (120) وحدة تليها فرنسا (59) التي تنتج ثلاثة أرباع احتياجاتها الكهربائية بهذه الطريقة. الاستعمال الآخر للطاقة النووية يكمن في القيام بتحرير كل الطاقة في ظرف زمني قصير جداً من رتبة جزء من الثانية للحصول على ما يُعرف بالقنبلة الذرية. لقد كان (ألبرت آينشتين) و (إدوارد تيلر) (أب القنبلة الذرية) هما مَن حرضا الرئيس الأمريكي: هاري ترومان في العام 1945 على استعمال هذا "الاكتشاف" الجديد لأجل وضع نهاية للحرب العالمية الثانية، و هو ما وقع فعلاً بعد أن أمر هذا الأخير بقنبلة ناغازاكي ثم هيروشيما اليابانيتين (6 و 9 آب/أغسطس 1945)، على الرغم من أن اليابانيين أبدوا استعدادهم للاستسلام. تمر دورة تخصيب اليورانيوم باختصار، على ثلاث مراحل: بداية بحرق اليورانيوم الخام للوصول إلى نتيجة على شكل عجين يدعى (Yellow Cake)، ثم مرحلة تحويل هذا الناتج إلى الحالة الغازية للحصول على ما يسمى (UF4) ثم (UF6) لتأتي بعدها المرحلة الأخيرة المتمثلة في الحصول على اليورانيوم المخصب الذي يمكن الوصول إليه على طريقتين: الطرد المركزي أو الانتشار الغازي. الطريقة الأولى و التي هي الخيار الذي يعتمده الإيرانيون، تتم من خلال وضع الغاز في معدات مركزية الطرد، ثم تسريعها لتصل إلى درجة (600) دورة في الثانية. بالمختصر، إن لليورانيوم استعمالين متناقضين؛ ففي الوقت الذي يمكن الحصول على الطاقة الكهربائية من خلال مراقبة سلسلة التخصيب إلى درجة 3% ، يتطلب الاستعمال الثاني تخصيباً كثيفاً لا يقل عن نسبة 90%. القدرات النووية الإسرائيلية انطلق المشروع النووي في دولة الكيان الغاصب في العام 1948 في وقت كانت هذه الدولة اسماً جديداً في قواميس الدبلوماسية الدولية، فضلاً عن أن الطاقة النووية لم تكن وقتها مجالاً واسعاً؛ لأنها كانت لا تزال خاصة جداً، و لم يكن الاتحاد السوفييتي نفسه قد تمكن من كل حيثياتها بعد، ثم إن إسرائيل و برفضها الإمضاء على معاهدة 1968، أكدت حرصها على العمل في سبيل التقدم ببرنامجها النووي من غير أية رقابة دولية، زيادة على أن شيمون بيريز-أبو المشروع النووي الإسرائيلي- أقر أخيراً أن فرنسا كانت مساهمة بقدر كبير في هذا الجهد الإسرائيلي. كانت إسرائيل و منذ العام 1967 تمتلك على الأقل، قنبلتين اثنتين حركتهما بسرية خلال حرب الأيام الستة، و أما الطائرات المقاتلة التي كانت تستطيع نقلهما فلقد وصلتها من أمريكا، ثم إنه لمن المعروف الآن أيضا أن إسرائيل فكرت في حرب 1973 في استعمال السلاح النووي التكتيكي لأجل وقف تقدم الدبابات السورية في الجولان المحتلة، زيادة على أنه و بناء على سياسة الاحتواء و المراقبة التي تنتهجها الولايات المتحدة و بدعم مباشر من هذه الأخيرة، أقدمت المقاتلات الجوية الإسرائيلية في 07 حزيران/يونيو 1981، على تفجير المفاعل النووي العراقي "تموز"؛ لتفرض نفسها بالتالي في موقع المالك الوحيد لهذا السلاح على مستوى الشرق الأوسط. حينما زار محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الواقع مقرها في العاصمة النمساوية فيينا، تل أبيب في 07 تموز/يوليو 2004، أعلن هذا الأخير أنه لم يأت إلى هناك لأجل توبيخ إسرائيل على موقفها الرافض لأن تؤكد أو تنفي برامجها النووية، و على الرغم من هذا الموقف "الحيادي جدا والمخزي إلى أبعد الحدود " من جانب هذا الشخص، لم يجد وزير خارجية الكيان سابقاً سيلفان شالوم من رد إلا القول: "إذا كان يتعين علينا فعل أي شيء مع البرادعي فإننا لن نطلب منه أكثر من مواصلة نشاطه لأجل دفع الإيرانيين إلى وقف جهودهم في سبيل تطوير السلاح النووي" !! ثم إن شارون نفسه -الذي بات الكثيرون من المتنورين يعددون محاسنه- لم يبد أي اعتراض على هذا التهكم الواضح الصادر من طرف وزيره، قبل أن تقرر الهيئة المانحة لجائزة نوبل العالمية للسلام أن تقدم مباركتها لهذه الوكالة و رئيسها بسبب تواطئهم و تسامحهم المفضوحين مع تل أبيب، و إن كانت العدالة تقتضي على الأقل منح تلك المبالغ لضحايا ناغازاكي و هيروشيما مثلاً. من الثابت -الذي يبدو مسلمة عالمية - أن كل البلدان فيما عدا الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بطبيعة الحال، و التي تتفاوض فيما بينها بصورة داخلية عن كيفية قيام كل منها بالتفتيش داخل منشآتها الخاصة- أن إسرائيل هي دولة فوق القانون و فوق طاقة ( وكالة البرادعي ) ! في حين أن دولة أخرى كالعراق التي تسكنها ملايين النفوس البشرية تُنتهك سيادتها، و يُقتل فيها عشرات الألوف من الغلابى تحت ذريعة حيازة أسلحة ذات قدرات تدميرية شاملة لم تستطع الأقمار الصناعية -التي ترصد دبيب النمل- اكتشافها و تحديد مواقعها، زيادة على أن دولتين أخريين هما سورية و إيران تُتهمان بذات التهمة، بمعنى أنهما قد تواجهان ذات المصير. في إمكاننا أن نفهم لماذا أعلن شارون في 7 أكتوبر 2003 غداة قيام طيرانه بقصف موقع قيل هو "لإرهابيين" فلسطينيين في سورية: "إننا سوف نضرب أعداءنا في أي مكان و بأية وسيلة". هذا يعني أن إسرائيل تملك كل الحق في أن تضرب أي جهة في العالم بأسلحتها النووية، و بدعم لا مشروط من الإدارة البيضاوية. تمتلك إسرائيل حالياً، بناء على تقديرات تجريها مؤسسات بحثية في الغرب، ما بين (200 – 400) رأس نووي، و على حسب المجلة الإنكليزية المتخصصة في شؤون الاستخبارات و الأمن (جينس آنتيليجانس ريفيو) فإن الترسانة الإسرائيلية توازي ما يمثل (3850) ضعف القنبلة التي ألقيت على هيروشيما، و أما في مجال الوسائل المستعملة في هذا الصدد فإن الكيان يمتلك (300) مقاتلة من نوع (F16) أمريكية الصنع بالإضافة إلى (25) مقاتلة (F15) بتجهيزات توجيه خاصة و متطورة، إلى جانب أن الصاروخ النووي (بوباي تيربو) قد تم وضعه على ثلاث غواصات من نوع "الدلفين" التي حصلت عليها بين عامي 1999 و 2000 من الألمان، من غير أن ننسى إضافة ما لا يقل عن نحو(50) صاروخ باليستي (أريحا2) يتعدى مداها (1500) كيلومتر، في مقدور كل واحد منها أن يحمل رأساً نووية زنتها (1) طن، علاوة على أن الدولة العبرية تمتلك أيضا أقماراً تجسسية تولت هي بنفسها مهمة وضعها على المدار. تغيرت الأوضاع منذ العام 1998 حينما قرر اليمين الهندوسي الحاكم في نيودلهي أن يعزز علاقاته مع الأمريكيين و الإسرائيليين في الميدان النووي من خلال استحداث محور واشنطن-تل أبيب-نيودلهي لتقوم دولة الكيان بعد هذا مباشرة بالتعاقد مع الهنود لمساعدتهم في سبيل تطوير قدراتهم النووية قبل أن يقوم شارون في سبتمبر 2003 بزيارة نيودلهي في أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى تلك العاصمة منذ استقلالها عن التاج البريطاني في 1947، و في مقابل هذا التصعيد الثنائي قامت باكستان بإجراء تجاربها التفجيرية أيضاً في خطوة تحذيرية لها أكثر من معنى قبل أن يقفز الجنرال برويز مشرف على السلطة في إسلام آباد و يقيل رئيس الوزراء نواز شريف، ناقلاً بهذه المغامرة الدولة النووية المسلمة الوحيدة إلى معسكر الأمريكان، و لتصير القوة النووية الباكستانية وبالاً على الأمة بعد أن كان يُفترض أنها تجربة رائدة. الأهم من هذا أنه و بناء على "الشراكة الإستراتيجية" التي عقدوها مع الهنود، قررت الولايات المتحدة أن تقدم لتل أبيب مساعدات مالية إضافية، و صادق الكونغرس في نهاية العام 2005 على صك بقيمة (133) مليون دولار لفائدة إسرائيل حتى تتمكن هذه الأخيرة من تطوير الأبحاث فيما يتعلق بصاروخ (آرو) إلى جانب منحة أخرى بقيمة (600) مليون دولار، زيادة على المساعدات المالية السنوية التي تتحصل عليها الدولة العبرية من واشنطن تحت ذريعة واهية تسمى "الدرع الصاروخي الإسرائيلي"؛ لأن الحقيقة البينة مفادها أن الولايات المتحدة إنما هي بصدد تسليح إسرائيل في مقابل إيران و الأموال ستتوجه من غير شك إلى مشاريع تصنيع و تطوير طائرات التجسس التي لا يقودها الطيارون، و إنما تُوجّه عن بعد من مقرات القيادة العامة لجيش الاحتلال، ثم إن هذه الأموال تستعمل أيضاً بقصد أن تقوم إسرائيل باقتناء المدرعات التي تنقل الجنود من الدول الأوروبية. الطموحات النووية لكوريا الشمالية المباحثات سداسية الأطراف (الصين، الكوريتان، اليابان، الولايات المتحدة و روسيا) هي حالياً و خلافاً لما هو معلن، في طريق مسدود منذ الاتفاق المتوصل إليه في شهر أيلول/سبتمبر الأخير، و الذي على أساسه قبل نظام بيونغ يانغ التنازل عن مشاريعه النووية في مقابل مساعدات اقتصادية و ضمانات أمنية، فعلى الرغم من أنه كان يُعدّ وقتها خطوة على الطريق الصحيح، لا يتطرق نص الوثيقة المتفق عليها إلى أي جدول زمني، و لا أي طريقة للتنفيذ، فكل شيء لا يزال قابلاً للتفاوض و الاختلاف مجدداً. لقد أعلنت كوريا الشمالية، مثلما نعلم جميعنا، أنها تمتلك قنبلتين ذريتين، و الاتفاق لم يتطرق بالتفصيل لكيفية التخلص من هاتين القنبلتين، علاوة على أن بكين -التي هي في الواقع حليف استراتيجي لتلك الدولة-فعلت كل ما في وسعها في سبيل أن ينشغل العالم بغير الموضوع النووي لحليفتها الضعيفة بيونغ يانغ. الحالة الإيرانية: العدالة الدولية في أوضح صورها منذ ما يزيد عن السنتين و نصف السنة، تقود ثلاث دول أوروبية – بتحريض ودفع من واشنطن - حملة ضغط شعواء على طهران لأجل أن تقلع هذه الأخيرة عن كل طموحاتها النووية، على الرغم من أن طهران ما انفكت تؤكد منذ سنوات أن برنامجها ذو أهداف سلمية، و أن جهودها لا تطمح
إلاّ إلى التمكن من استخدام الطاقة النووية في مجالات مدنية . فهي و وفقاً لبياناتها الرسمية ستشهد بعد نحو عشرين عاماً من الآن، كثافة سكانية تجاوز المائة مليون شخص، مما يعني ارتفاعاً كبيراً في الطلب الداخلي عندها على الطاقة . و على الرغم من أنها البلد الثالث عالمياً من ناحية الاحتياطات النفطية ، إلا أن الدراسات تؤكد أنها و بعد هذه المدة، سوف تكون مضطرة إلى استهلاك نصف ما تنتجه حقول النفط فيها. لقد أعلنت إيران في العاشر من يناير الماضي عن نيتها في استئناف أبحاثها في ميدان تخصيب اليورانيوم، رافضة المقترح الروسي الخاص بإمكانية أن تتولى موسكو هذه المهمة فوق أراضيها الاتحادية ، بعد أن حذّرها مجلس محافظي الوكالة الدولية في شهر نوفمبر الماضي من كل محاولة في هذا الاتجاه، بمعنى أن أي تصعيد من جانبها سوف يعني إحالة ملفها إلى مجلس الأمن، و هذا ما وقع مؤخراً، بعد أن قال محافظو وكالة الطاقة ( أي وكالة البرادعي ) إن إيران أخلت بالشروط، بمعنى أنه و في رأي الغرب، تُعدّ تحدياً و تهديداً جدياً للأمن و السلام العالميين، فوصول إيران إلى تحقيق "الاكتفاء" النووي بحسب رأي الساسة الغربيين هو بداية تهديد شديد الخطورة لكامل منطقة الشرق الأوسط، ثم إنه تهديد أيضاً لمستقبل معاهدة الحد من الانتشار التي هي على المحك الآن، زيادة على أنه تهديد مباشر لأوروبا التي سوف تكون بعد هذا في متناول الصورايخ الإيرانية "شهاب". الحقيقة أن معاهدة عدم الانتشار هي اتفاق يعكس تماما مدى الازدواجية والانتقائية في تطبيق مبادئ قيم العدالة و الحرية التي تتغنى بها الدول الكبرى الغربية على وجه الخصوص؛ لأنها أُعدت بعد ما تم تحديد أعضاء النادي النووي بدقة شديدة، و في الوقت الذي تقع فيه دولتان كإسرائيل و إيران في موقعين متشابهين كثيراً، تحرم المجموعة الدولية على الثانية أي طموح يجعلها في موقع موازٍ للأولى ، بحجة قانونية مضحكة مفادها أن إيران نفسها وقعت على نص المعاهدة، مما يجعلها تقع تحت طائل مقرراتها على خلاف إسرائيل الرافضة للتوقيع وهو ما يعني – ببساطة - أنها غير معنية بالقانون الدولي !! ثم إنه و حتى لو أننا سلمنا بصدقية نص معاهدة حظر الانتشار فإن المادة السادسة منها تتحدث صراحة على أن كل الدول ملزمة بالتعاون في سبيل التخلص النهائي من هذه الأسلحة التي تهدد كل ما حققته الحضارة الإنسانية حتى الآن، و لكن الواقع أنه لا وجود لأي دولة كبرى نستطيع القول بشأنها إنها كانت قد احترمت هذا الكلام، و هذه حكاية أخرى طويلة و شائكة. لو قررت إيران عدم الرضوخ لهذه الضغوطات، وواصلت سياستها الحالية فكل الحكومات الغربية مستعدة لأن تحرك وسائلها الدعائية و السياسية – وربما العسكرية - في سبيل فرض عقوبات على طهران، و في هذه الحالة يمكننا أن نتوقع أن اللجوء إلى الحل العسكري من قبل أمريكا سوف يقع من غير حاجة "للاستئذان" من السيد عنان وهيئته الأممية ! ، فكل السيناريوهات جاهزة، و لا تنتظر إلا الأمر بالتنفيذ الذي قد يصلها في أي لحظة من البنتاغون، و سوف يخرج علينا الأمين العام للمنظمة الأممية كوفي عنان بعدها ليعلن لنا عن "انشغاله العميق" بما يحدث، من غير أن يخبرنا بالضرورة أن الهيئة التي يرأسها قد تقرر وضعها على رفوف أرشيف الدبلوماسية العالمية، ثم إنه أخيراً لن يتجرأ على أن يقول لنا إن تيودور هيرتزل -مؤسس الصهيونية الحديثة- كان قد قال قبل أكثر من قرن: "سوف نبني هنالك جداراً يفصل الغرب عن البربرية". لقد بُني الجدار فهل تشكّون أننا المعنيون بنعت "البربرية"؟؟ المصدر : الاسلام اليوم

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.