قبل كتابة هذه السطور بلحظات أصدر الديوان الملكي السعودي بيانا أكد فيه على أن الملك عبد الله سيلتقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي مساء الجمعة بالقاهرة ، وأغلب الظن أن المقابلة ستتم في مطار القاهرة نفسه ، وربما في الطائرة الملكية ، ولوحظ أن الإعلام الرسمي المصري والموالي للمشير السيسي لم يبد أي احتفال يذكر بالزيارة ، كان هناك قلق وترقب وتساؤل ، بل إن بعض مواقع الصحف الرسمية نشرت بشكل غريب وقبل ساعات من زيارة الملك تقارير إخبارية غربية متحاملة على الثورة العراقية وعلى الثورة السورية وتصمها بالإرهاب ، القاهرة تدرك أن الزيارة لا تندرج في أي باب للمجاملات أو الزيارات البروتوكولية ، وإنما هي مرتبطة بتحديد وضع جمهورية السيسي من التطورات الإقليمية المتلاحقة ، وخاصة في سورياوالعراق ، والتي فجرتها بصورة أكثر إلحاحا أحداث العراق الأخيرة ، وإذا كان الموقف من الإخوان المسلمين وتجربتهم في حكم مصر خلال العامين السابقين محددا لخريطة التحالفات في الخليج ، حيث برز المحور السعودي الإماراتي لدعم المشير عبد الفتاح السيسي ونظامه الجديد لإزالة خطر الإخوان ومشروعهم في مقابل المحور القطري التركي ، إلا أن ما تفجر في العراق هذا الأسبوع اختصر سنوات طويلة كان يفترض أن تستغرقها العلاقات المصرية الخليجية قبل الوصول إلى ضرورة تحديد الموقف من التحولات الإقليمية وحسم الولاءات ، الآن لم يعد هناك وقت ولا صبر لانتظار سنوات، فقد فرضت أحداث العراق نفسها بعنف بالغ على الجميع ، وكل يوم أصبح يحمل خطرا جديدا وتطورا مقلقا ، والعالم كله يحبس أنفاسه على وقع ما يمكن أن يحدث غدا في العراق ، وهو ما يفرض سرعة إعادة تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية ، ومعرفة العدو من الصديق فيها ، وهذا ما تدركه السعودية الآن أكثر من غيرها ، لأنها أكثر المعنيين بما يحدث ، والخريطة الجديدة ستحمل مفاجآت ، بدأت ملامحها في التشكل في تباعد الرؤى تجاه الحدث العراقي بين السعودية والإمارات ، والتقارب الشديد في الموقف من الأحداث بين السعودية وقطر ، ويأتي لقاء الملك عبد الله والسيسي اليوم لتحديد موقع الأخير في خريطة التحالفات الجديدة . الإمارات كما نشرت شبكة السي إن إن الأمريكية لديها عقدة الشعور بالتهميش والضعف ، وهو ما يدفعها لاتخاذ مواقف شديدة الاندفاع وخاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني ودوائره ، وقد حدثت زيارات متبادلة على مستويات عالية بين أبو ظبي وطهران مؤخرا وتمت على إثرها اتفاقيات اقتصادية وغيرها من العيار الثقيل وصفتها "أبو ظبي" بأنها تدشين لشراكة استراتيجية مع إيران ، وعندما تفجرت الثورة الشعبية في العراق سارعت أبو ظبي ، من دون الخليج كله ، إلى إدانة الثورة وإعلان دعمها لنظام المالكي الطائفي وانحيازها له ، قبل أن تتراجع خطوة بعد ذلك بسبب الاستياء السعودي ، والموقف الإماراتي يتطابق مع الموقف المصري الحالي في هذا الشأن وكذلك في الشأن السوري ، حيث تحتضن الإمارات جزءا من أسرة الأسد ولا تبدي أي انحياز واضح للثورة السورية ، ويتعامل الإعلام الرسمي بانحياز واضح لنظام بشار وروح معادية للثورة ، بالمقابل لا يخفى أن السلطات المصرية الحالية عدم تعاطفها نهائيا مع الثورة السورية ، وهو جزء من موقف ينسحب لمجمل ثورات الربيع العربي الذي تقف منه مصر الحالية موقفا شديد السلبية ، وهناك تصريحات علنية لقيادات رفيعة سجلت تلك المخاوف والروح المعادية للثورة السورية ، غير أن الموقف من الثورة العراقية الجديدة هو الأخطر بكثير من الموقف تجاه سوريا ، وهو ما دعا القيادة السعودية للاجتماع المفاجئ والعاجل مع السيسي . المرحلة المقبلة ستشهد بكل تأكيد إعادة رسم خريطة التحالفات ، وتطابق الرؤى السعودية القطرية تجاه أحداث العراق من شأنه أن يعجل بذوبان الجليد بين البلدين وتجاوز الخلافات الصغيرة ، خاصة وأن الخلاف تجاه سوريا هو خلاف في بعض التفاصيل ودعم فصائل ثورية وليس في الاستراتيجيات العامة ، بينما الخلاف الإماراتي السعودي تجاه أحداث العراقوسوريا يتصل باستراتيجيات حقيقية ، وهو ما يؤذن بمرحلة من التحفظ أو التباعد وربما القطيعة بين البلدين ، وسيبقى موقف القاهرة من خريطة التحالفات الجديدة مرتهنا بحسابات السيسي والمؤسسة العسكرية التي لها مصالح حيوية وعميقة مع الإمارات ، وسيكون من الصعب على السيسي أن يحتفظ بالمسافة نفسها مع الرياض وأبو ظبي معا ، وقد يكون عليه أن يختار ويحسم أمره ، وهو ما يجعله معرضا لخسارة دعم واحدة منهما ، ودخوله في مغامرة تحالف جديد قد يدفع به لمواقف أكثر تهميشا ويعرض مشروعه السياسي بالكامل للخطر . زيارة الملك عبد الله لحظة تحول خطيرة ، والمؤكد أنه سيعقبها تحول واضح في السياسة الخارجية المصرية تجاه العراقوسوريا ، أيا كان اتجاهها ، وعلى ضوء مؤشراتها الأولية التي ستظهر خلال أسابيع قليلة يمكن فهم الخريطة الجديدة التي سيعرفها المشرق العربي للسنوات المقبلة .