أحداث العراق التي تفجرت بصورة مثيرة هذا الأسبوع وضعت نظام المشير عبد الفتاح السيسي في مأزق جديد ، لأن الخريطة السياسية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة معقدة جدا ومتداخلة جدا ، ولا يصلح فيها القواعد الدارجة والنمطية من مثل : عدو عدوي صديقي ، ومن المؤكد أن الأحداث الأخيرة تضغط على أعصاب السيسي وفريقه الأمني والسياسي بقوة ، لأن حليفه الاستراتيجي المحوري في المنطقة "السعودية" لها تصور وموقف وأولويات استراتيجية يبدو أن السيسي لم يكن يضعها في حسبانه وهو يتصرف في الملفات العربية المتفجرة حاليا ، وخاصة في العراقوسوريا ، أو أنه لم يحملها على محمل الجد بشكل كاف حتى داهمته الأحداث ، ولا يمكن وفق هذا الارتباك أن نستبعد إمكانية حدوث تطورات لم يكن يتمناها السيسي في موقف بعض دول الخليج منه إذا لم يستطع ضبط بوصلته الإقليمية وتصحيح مساره بشكل سريع وحاسم . السعودية تتعرض لخطر استراتيجي يتمثل في حصار هلال شيعي إيراني توسعي متطرف يمتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى بيروت ، وهو هلال له امتدادات أخرى تتحرش بالسعودية في الشرق والجنوب ، حيث القلاقل التي تثيرها القوى الشيعية في البحرين ، والأخرى التي يثيرها متطرفون شيعة في شرق المملكة ومجموعات الحوثيين الموالين لإيران في شمال اليمن ، وبالتالي فإن مواجهة هذه التهديدات التاريخية تمثل أولوية قصوى للأمن القومي السعودي ، ولذلك رمت السعودية بكل ثقلها وراء الثورة السورية لاعتبارات عديدة ، في مقدمتها كسر حلقات الحصار ومنع إيران من إكمال هلالها الشيعي ومنعها من تحقيق انتصار في سوريا ، والمسألة بصورة متكررة بالنسبة للنظام الشيعي الطائفي في العراق وهو نظام لا يتحرج من إعلان طائفيته بصورة فجة على النحو الذي بدا ظاهرا في كلمة رئيس الوزراء نوري المالكي قبل يومين والتي علق فيها على معركته مع ثوار العشائر السنة وميليشيات داعش بقوله : إن معركة الحسين مع يزيد ما زالت مستمرة !! ، ولا يخفي المالكي كراهيته العميقة للسعودية ويتهمها بأنها عدوه الأول وأنها داعمة للإرهاب ، وهو في ذلك يتحدث بلسان إيراني يعجز عن التصريح بذلك ، غير أن أعضاء بالكونجرس الأمريكي وقيادات استخباراتية صرحوا بأن الانطباع السائد لدى كل المسؤولين الإيرانيين الذين قابلوهم أن السعودية هي العدو الأول لإيران وليس إسرائيل ، فالصراع هنا صراع وجود ، وبالتالي عندما تفجرت أحداث العراق مؤخرا أخطأ السيسي في مقابلة نائب رئيس الوزراء العراقيبالقاهرة حيث أعلن عن استعداد القاهرة للتعاون مع الحكومة العراقية "الطائفية " في مواجهة الإرهاب ، لأنه بذلك يكون قد تورط في خندق التحالف المناهض للسعودية والمفترض أنها حليفه الاستراتيجي الآن الذي يضع فيه كل آماله لإنقاذ اقتصاده المنهار ، وقد لاحظت أن مصر التزمت الصمت بعدها ولم تعد تعلق بوضوح على أحداث العراق وكأنها تهرب منها ، وواضح أن رسائل وصلت للقاهرة مبدية دهشتها من "غشومية" السياسة الخارجية المصرية . الأمر نفسه ، وإن كان بدرجة أقل في موقف مصر من ثورة الشعب السوري ، فكثير من الأجهزة السيادية المصرية لا تخفي تعاطفها مع نظام بشار وعداءها للثورة السورية بجميع فصائلها واعتبارها مؤامرة على سوريا ، وقد نشرت الصحافة الأمريكية حوارات بهذا المعنى صريحة عبر قيادات استخباراتية مصرية ، وحتى الآن لم يؤثر عن الرئيسي السيسي أي موقف محدد تجاه سوريا ، رغم أنه لا يجهل الموقف السعودي الذي ألقى بكل ثقله خلف الثورة السورية وضد نظام بشار الأسد ، والسؤال هو : كيف تتصور أن تتلقى دعما مستمرا من المملكة وأنت تدعم النظام الذي يحاربها وتحاربه ويمثل تهديدا استراتيجيا لأمنها القومي . يبدو أن حقيقة أن الوقت ليس في صالح السيسي الذي شغل نفسه في أول أسبوع حكم بحشد الحكومة وقيادات الدولة لركوب الدراجات في نزهة صباحية ، يبدو أن تلك الحقيقة لم تتبلور بشكل كاف في رأس الرئيس الجديد ، غير أن المؤكد أن أحداث العراق وضغطها المفاجئ والمكثف لن تمنحه المزيد من الوقت لكي يبعثره قبل أن يحدد موقفه : مع من تقف الآن ، وحليف من أنت ، وهل أنت مستعد لدفع ثمن اختيارك ؟!