قليلون يرحلون عن عالمنا فتخلد ذكراهم وتظل سيرتهم عطرة على الألسنة وفي القلوب حتى يرث الله الأرض ومن عليها . ولم لا وقد رسموا لنا طريق الاستقامة والتي هي قرين الإيمان (قل آمنت بالله ثم استقم) منهم إمامنا وشيخنا الراحل جاد الحق على جاد الحق شيخ الجامع الأزهر. والمؤسف أن تمر الذكرى العاشرة لوفاته ولا نسمع عنها كلمة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة . في الوقت الذي تستفز مشاعرنا بأخبار وتقارير عن شخصيات ماتت قبل ولادتها. الراحل الكريم ومنذ وطئت قدماه دار العدالة مرورا بدار الإفتاء وانتهاءا بإمامته للأزهر الشريف لم ينافق ولم يداهن ولم يتزلف فقد عرفه القاصي والداني قويا وتشتد هذه القوة إذا انتهكت محارم الله فقد كان لا يخشى في الله لومة لائم . مهما كانت العواقب. لإيمانه الراسخ أن الآجال محدودة ومكتوبة والأرزاق أيضا. فهو واحد مما تكالبت علية المناصب ولم يثبت أنه سعى إليها . أو أنه وقف ذات يوم راجيا على باب السلطان. والصحيح أن السلاطين كلهم كانوا يقصدونه للوقوف على أرائه الصائبة التي تتفق مع روح الإسلام وجوهره. في قريته بطرة بالدقهلية نشأ وترعرع فعرف الحق بكل ما تعنيه الكلمة من مفردات ومعان. وكان يباهي ويفاخر أنه أحد أبناء الريف المصري. وفي الأزهر الشريف كانت مواقفه التي لا تعد ولا تحصى وكفاه في حياته موقفان لا ثالث لهما. أولهما : صلابته التي لم تهتز أمام توصيات مؤتمر السكان المشبوه وما فيها من دعوة صريحة للانحلال والتفسخ والعري . يومها خرجت الخفافيش من جحورها وحاولوا بشتى السبل النيل من الرمز والقدوة. فلم يهن أو ينزوي وكان إيمانه الراسخ (إن الله يدافع عن الذين آمنوا). ثانيها : عندما وضع المتاريس أمام الصهاينة والأمريكان ووقف بالمرصاد أمام محاولاتهم المستمرة لتدنيس الأزهر جامعا وجامعة. وكانت رؤيته المستقبلية والصائبة أن التحاور مع هؤلاء لا يسمن ولا يغني من جوع . والحيثيات أنهم وعلى مر الزمن لا عهد لهم وكانت جريمتهم في حق الأسرى المصريين ناهيك عن اغتصابهم للحقوق وانتهاكهم للمقدسات والأعراض. في قريته ومسجده المعلوم بقرية بطرة أقيمت احتفالية الأسبوع الماضي للتذكير بمآثره ومناقبه حضرها عدد كبير من محبيه وعارفي فضله وتلاميذه الذين أعادوا إلينا من خلال كلمتهم رياحين الزمن الوارف. عندما كان الأزهر منارة للعلم وحصنا للإسلام والمسلمين من كل دعاوى التغريب والتخريب. قال عنه الدكتور محمد أبو ليلة . ذهبت إلى دمياط لشراء بعض من الأثاث لمنزلي وطلبت من التاجر أن تكون البضاعة متوسطة الحال حتى أتمكن من الوفاء بالثمن فقال لي لقد سبقك في طلبك وبنفس الشروط الإمام الكبير جاد الحق على جاد الحق. وقال عنه الأستاذ تهامي منتصر الصحفي والمذيع اللامع. رافقته في كثير من الأسفار وكنا في اندونيسيا أكبر البلاد الإسلامية عددا. فاستقبله رئيس الدولة على سلم الطائرة ضاربا عرض الحائط بالبرتوكولات المعهودة . وعندما ذهبنا إلى الفندق استأثروا لفضيلته بمكان يليق به. فطلب منهم أن يكون معنا أو أن نكون معه وكان له ما أراد. وكانت رؤيته أن نتساوى جميعا في المأكل والمشرب والمسكن. رحم الله الإمام الأكبر فقد كان متجردا ورعا وزاهدا وهي صفات افتقدناها في كثير ممن يتبوؤن أمورنا هذه الأيام . لقد كان بحق رجلا في حجم أمه.