لم أشعر بالراحة عندما قرأت إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن تشكيل حزب سياسي ، خاصة بعد أن علمت أن رئاسة الحزب ستكون للدكتور محمد مرسي ونائب رئيس الحزب الدكتور عصام العريان ، والأمين العام الدكتور الكتاتني وجميعهم أعضاء في مكتب الإرشاد ، كما أكد أمين عام الجماعة عن أن الإخوان لن تسمح لأي من أعضائها بالانضمام إلى أي حزب آخر سوى حزب الإخوان . شعرت بأن القرار ربما جاء على وقع ضغوط من قواعد الجماعة أو ضغوط الرأي العام ، أو ضغوط تسارع الأحداث والقلق من أن تتجاوز البنى السياسية الجديدة التي تشكل الخريطة الحزبية المصرية الآن للجماعة من جديد ، كما أن بعض التصريحات التي رافقت الإعلان عن الحزب غير صحية ، وتبث القلق لدى الآخرين أكثر من الراحة أو الاطمئنان ، وخاصة عندما ترفع الجماعة من جديد سقف طموحها في البرلمان المقبل إلى خمسين في المائة تقريبا ، وكانت الجماعة أعلنت قبل شهرين أنها لا تطمع في أكثر من 35% من مقاعد البرلمان المقبل ، ثم قبل أسبوعين قالت مصادرها أنها لا تطمع في أكثر من 40% ، ثم أول أمس وصلت بالنسبة إلى 49% ، وبحساب المتواليات التصاعدية فإننا عندما نصل إلى موعد الانتخابات قد نسمع عن طمع الجماعة في 90% من مقاعد البرلمان ، ولا أعرف هل المقصد من هذا الكلام وتلك الأرقام استعراضا للقوة أو فرد العضلات على القوى السياسية المصرية أم المقصد هو إثبات أن الجماعة تريد المشاركة لا المغالبة ولكنها تبحث عن صدر المشهد السياسي ، لا أعرف ، لكني أتصور أن ما يحدث رسائل شديدة السلبية للآخرين ، ولا تخدم روح الثورة المصرية الجديدة التي يتمناها الجميع . حزب الإخوان يقوده ثلاثة من مكتب الإرشاد ، قالوا أنهم استقالوا من المكتب ، أعلى هيئة قيادية في الجماعة ، للتفرغ للعمل الحزبي ، ولكنهم في النهاية أعضاء في الجماعة ، أي أن رئيس الحزب الجديد يدين بالطاعة الكاملة للمرشد العام ومكتب الإرشاد ويعمل وفق توجيهاته ، وأن السلطة الحقيقية ليست لرئيس الحزب أو نائبه أو أمينه العام أو مكتبه السياسي أو أمانته العامة أو جمعيته العمومية ، وإنما القرار السياسي الحقيقي خارج تلك الأطر كلها ، وعندما نتذكر بدهيات الممارسة السياسية الديمقراطية ، وأن الحزب الذي يحصد غالبية مقاعد البرلمان من حقه تشكيل الحكومة ، فلنا أن نتصور رئيس وزراء مصر المقبل يحكم مصر من مكتب الإرشاد وليس من مقر رئيس الوزراء ، وأن البرلمان المصري يحدد مشروعات قراراته من "مقر الجماعة" وليس من قاعة البرلمان ، وأن السياسة الخارجية المصرية تتحدد وفق حسابات وتقديرات مكتب الإرشاد وعلاقات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مع النظم والدول المختلفة في المنطقة والعالم . التوجيه أو الاستراتيجية أو الأمر الذي يطلقه مكتب الإرشاد أو المرشد إلى رئيس الحزب ليس له سوى رد من اثنين ، الأول أن يتم رفضه وعصيانه وهو ما يعني فصل رئيس الحزب من الجماعة وربما طرده من الحزب نفسه ، والآخر أن يتم التعامل معه بمنطق السمع والطاعة المفصلي في أدبيات العمل التنظيمي للجماعات الإسلامية ، وهو ما يعني النتائج التي أشرت إليها سابقا . المسألة معقدة ومربكة ، وأظن أن بعض هذا الإرباك حاضر في وعي قيادات الجماعة وقواعدها الشبابية خاصة ، وبأمانة فأنا لا أعرف لذلك حلا متصورا ، أو لا أملكه ، ولكن ما أطرحه مقاربات ومحاولات لتحريك الأفكار ، ربما كان الحل أن يتم الاندماج الكامل بين الحزب والجماعة ، وتتحول الجماعة إلى حزب سياسي ويتم تفكيك البنية التنظيمية للجماعة منعا للازدواج والتضارب بين بنيتين تنظيميتين كلتيهما تعمل بالسياسة ، ويتحتم أن يكون المرشد هو رئيس الحزب ، بحيث يمكن محاسبته على قراراته في البرلمان سياسيا ، أو حتى أمام القضاء إذا كانت توابع القرار السياسي تستوجب ذلك اقتصاديا أو أمنيا أو سياسيا ، وربما كان الحل في إلغاء فكرة ازدواجية العمل المطروحة الآن بين الحزب والجماعة ، بإلغاء فكرة الحزب وتمارس الجماعة دورها كما كان في الفترة السابقة على الثورة ، كقوة شعبية وجماعة تربوية أو دينية لها مشاركات برلمانية ، ويمكن أن يكون الحل عن طريق مشاركة أعضائها في العمل السياسي من خلال أحزاب أخرى قائمة أو مستحدثة ، كما حدث مع تجربة حزب العمل قبل سنوات . أيا كان الحل أو المخرج ، إلا أني أتصور أن الوضعية الجديدة المطروحة بإعلان حزب يكون خاضعا لتوجيه الجماعة هي وضعية لا يمكن قبولها أو استيعابها في مصر ، وهي أقرب ما تكون للنسخة الإيرانية ، بوجود المرشد الأعلى للثورة ، الذي هو فوق الدستور وفوق الحكومة وفوق الأحزاب وفوق البرلمان وفوق القانون ، وهذا يستحيل تصوره في مصر . [email protected]