فزاعة السلفيين في كل مكان ، وكأنهم قادمون غدا للاستيلاء علي السلطة في مصر ، صفحات كاملة في الصحف التي تتبني النهج التي تسميه مدني تظهر السلفيين بلحاهم الطويلة وكأنهم في الطريق المفتوح أمامهم للحكم في مصر وتطبيق الشريعة الإسلامية . مئات المؤتمرات التي يعقدها السلفيون في البلاد طولا وعرضا أحصتها بعض تلك الصحف المدنية بأنها بلغت التسعين ، يبدو لي أن هناك محاولة لتضخيم التيار السلفي وبناء صورة ذهنية عامة عن التيار الإسلامي يبدو فيه ذلك التيار مخيفا في ذهن المواطن المصري ، هناك كانت معركة إعلامية حول " غزوة الصناديق " ومعركة أخري حول " قطع الأذن " وثالثة حول كنيسة صول ، واليوم تدور المعركة حول حرق الأضرحة في المنوفية ومنها إلي القاهرة حيث مسجد الحسين والسيدة نفيسة . لا يمكننا هنا إلا أن نقول أن ما يجري في مصر بعد الثورة هو نوع من الصراع السياسي بين قوي اجتماعية وسياسية يبدو أنه يتخذ ملامح في طريقها إلي التبلور ، هذا الصراع في الراجح سيكون بين قوتين رئيسيتين هما التيار الإسلامي بكل طوائفه والتيارات العلمانية التي تطلق علي نفسها مدنية ومعها الكنيسة والأقباط ، وقد بدا الاستقطاب بين هذه القوي واضحا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء والتي صوت فيها غالبية المصريين بنسبة 77% بقول نعم للتعديلات الدستورية بينما صوتت الأقلية بنسبة 22% بقول لا للتعديلات الدستورية ، تعرف القوي العلمانية أن السلفيين قوة كثيفة تخصصت في العمل الدعوي والتربوي وأنها في كل الأحوال ستصوت لمرشحي الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية القادمة ، ومن ثم فهي تحاول أن تضعها في بؤرة المشهد الإعلامي وربما السياسي وذلك لتقول للعالم وللمصريين أن الخيار التي ستقدمون عليه هو ذلك النمط السلفي . لا يزال المصريون بقوة الاعتدال في تكوينهم المزاجي والنفسي يستغربون المشاهد التي تبدو فيها قدر مما يعتبرونه غلوا أو مظهرية أو حتي مبالغة في التدين ، ومن ثم فهم لم يتعودوا بعد أن يدخل معترك العمل السياسي والإعلامي أولئك السلفيون الذين يرتدون أزياء قريبة من أهل الخليج فهم يرتدون الجلابيب والقمصان ويقصرون الثياب ويطلقون اللحي بلا تهذيب أو تقصير وهم عندهم مبرراتهم الشرعية في كل ذلك ، بيد إن أخذ العرف والعادة وتقاليد الجماعة ربما يكون واردا مع مناطق العمل السياسي مثل الترشح للانتخابات أو تأسيس أحزاب سياسية أو الخروج إلي الإعلام لمخاطبة عامة الناس ، بحيث تصبح أدوات المصالح المرسلة والعرف والعادة والاستصحاب ومراعاة الأعراف والعادات مسألة مهمة مع الرغبة في الخروج إلي الفضاء العام والنضال داخله مع قوي علمانية تلتمس الهفوات والأخطاء للتيار الإسلامي وتشيعه في سياق شن حملات إعلامية ذات طابع استباقي لتقليص فرص التيار الإسلامي في المواجهة القادمة الكبيرة للتنافس مع التيار العلماني علي مقاعد البرلمان في شهر سبتمبر القادم . يبدو مؤكدا أن التيار العلماني يعرف أنه لا يملك أدوات النضال السياسي بعيدا عن التشويش والشوشرة لذا فإنه يلجأ لتعويض فقر قواته الميدانية بإثارة الزوابع والمشكلات المنغصة إعلاميا حول خصمه وذلك باختيار ما يتصور أنه نقطة ضعف فيه وهو التيار السلفي . أشعر بالدهشة من أن جماعة أنصار السنة تريد أن تكون حزبا سياسيا وقد نشأنا فيها في مقتبل أعمارنا كجماعة للدعوة نرجو لها أن تبقي كذلك ، كما أرجو للتيار السلفي أن يبقي كما هو في كل مصر تيارا للتربية والمراقبة العلمائية بعيدا عن خوض معترك السياسة لأن أساس فعل المسلم هو الدعوة والتربية والأخذ بيد الناس إلي الجنة بتعليمهم أمر دينهم ، والسلفيون تخصصوا في هذه المسألة وبمفاهيم النفقة البديلة في الاقتصاد فليلزموا مكانهم ليكونوا حراسا للدعوة وعليها بحيث يكون هذا عملهم الرئيسي وإذا رأوا المشاركة السياسية فيكون بدعم الأحزاب السياسية القريبة في برامجها للدفاع عن الإسلام والهوية الإسلامية ، كما أن بإمكانهم أن يدعموا مرشحين قريبيين من التيار الإسلامي أو يقدموا للأحزاب القريبة منهم نخبة من أبنائهم للعمل من داخلهم ويتخصصوا هم في العمل الحزبي والسياسي . لتبقي الدعوة السلفية حركة دعوية تراقب العمل السياسي وتدعمه بالقدر الذي يحقق مطالبها وأهدافها المتصلة بالدعوة الإسلامية والهوية الإسلامية لمصر ، وإذا أصرت علي المضي قدما لعمل حزب سياسي كما يقول كبار دعاتها فإنها ستقدم علي خطر كبير قد يفقدها مكانتها في العمل الدعوي وهيبتها في العمل السياسي . Email: [email protected]