بصفتي مواطنًا مصريًا متمتعًا بكامل حقوقي السياسية لا أوافق -في هذه المرحلة الانتقالية- على دستور جديد بدون مجلس نيابي منتخب !!!لماذا؟! لأنه إما أن تضعه السلطة السياسية (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) وتفرضه عليّ، وهذا لا يعبر عني -وعن أفراد الشعب- ، وهو أسلوب استبدادي غير ديموقراطي، ننأى عن المجلس الأعلى أن يتبناه، وعن القوى السياسية أن تدعو إليه، وهو احتمال خيالي على كل حال ! وإما أن يختار الجيش جمعية تأسيسية لوضع الدستور، أي بالتعيين، وأعضاء اللجنة لا يخرجون عن كونهم ممثلين للقوى السياسية القائمة -ولكُلٍّ أيدلوجيات ورؤى ومصالح مختلفة- لا تمثل جميع أطياف الشعب وهي تتمثل في: أحزاب كرتونية من العصر البائد مثل الوفد والتجمع.. حركات سياسية منظمة مثل الإخوان المسلمين.. ائتلافات هلامية مثل ائتلاف شباب الثورة واتحاد شباب الثورة، آليات الانضمام إليها واتخاذ القرارات بها غير واضحة فيما يظهر لي وأرجو أن يصحح لي ... أو أفراد متخصصين (سياسين وقانونين وعلماء ومفكرين)، غالبًا ما سيقتصرون على الشخصيات العامة المشهورة التي تتواجد عبر القنوات والصحف والمحافل الثقافية. وهم كذلك لا يمثلون جميع أطياف الشعب، ولابد أن لهم أيضًا أيدلوجيات ورؤى ومصالح مختلفة.هذه الأيدلوجيات لابد أن تحكم بإطار ديموقراطي يحول دون التفاف أيدلوجيات ومصالح معينة على مصلحة الوطن العليا، ودون أن يؤدي ذلك إلى إدعاء الأطياف الأخرى للاستقصاء وعدم التمثيل مما يفتح أبوابًا من الفوضى قد تتطور إلى ما لا يحمد عقباه، فضلاً عن تأثيره السلبي على المدى البعيد للتمثيل الدقيق لمكونات المجتمع المصري وتوجهاته. ولا يصلح التكنوقراط وحده هنا فهذه ليست حكومة انتقالية، وإنما دستور دائم للبلاد لابد أن يمثل جميع أطياف الشعب وتوجهاته، ويتكون عبر آلية ديموقراطية لانتخاب أعضاء لجنته أو مواده . ولماذا لا ينتخب الشعب اللجنة التأسيسية ؟ أقول الانتخاب المباشر في رأيي غير عملي على الإطلاق فالجمعية مثلا مئة شخص أو أقل أو أكثر –أيًّا كان عددها- كيف سيختارهم الشعب ؟ هل سيطلب من المنتخبين أن يختاروا مئة شخص ؟! الديموقراطية الحقة أن تفتح باب الترشيح لكل أحد ! وهذه لا أظنه يصلح لجمعية مهمتها فنية متخصصة في وضع دستور دائم للبلاد، من سياسين وقانونين وعلماء ومفكرين. إذًا البديل الثاني أن تختار السلطة (الجيش) أو بعض القوى (اللي واكله الجو بالأبواق التي تمتلكها) مجموعة أعضاء يطرحون أسماءها للاستفتاء جملة واحدة: هل توافق على الأسماء التالية للجمعية؟ نعم / لا ! أو يطرح عدد أكبر للاختيار منهم، وهذا فضلا عن صعوبة أو استحالة فرز أصواته –ربما تكون هناك طريقة إلكترونية؟- غير ديموقراطي هو والبديل السابق، لأنه لم يفتح اختيار الأسماء مقدمًا (الترشيح)، ربما أنا كمواطن غير موافق على بعض الأسماء أو ربما أكون (غلس) ولا أوافق على جميع الأسماء ! أو أريد إدخال أسماء أخرى في الجمعية ! وقبل هذا كله وبعده فإن الجيش صرَّح بأنه لن يضع دستورًا جديدًا وإنما إعلان دستوري في حالة إذا رفضت الأغلبية التعديلات الدستورية المقترحة، وهذه تبعًا لحيادية الجيش التي شرحها حسب وجهة نظره- إبراهيم الهضيبي في مقاله الهام " مأزق الشرعية.. بين الجيش والزعامات والانتخابات" [الشروق 15/3]، والذي يساعدنا كثيرًا في فهم خلفية الجيش ويريحنا من الكثير من الاقتراحات المقدمة له... يرى الهضيبي أن شرعية الجيش، شرعية إدارية أكثر منها سياسية، باعتباره هيئة غير منتخبة وغير ممثلة بالضرورة للإرادة الجماهيرية، فهو يتحرك في اضيق نطاق لاتخاذ قرارات على مختلف الأصعدة، وهو في هذا الصدد يقتصر على إيجاد ضمانات تنظيم انتخابات حرة تعبر عن الإرادة الوطنية، وتسلم السلطة لمؤسسات مدنية منتخبة في أسرع وقت. ففكرة إطالة الفترة الانتقالية غير مرحبة بها حتى الأن من الجيش، وكذلك فكرة المجلس الرئاسي وغيرها من الاأفكار المطروحة. ما الحل إذًا؟ الحل في رأيي هو الانتخاب غير المباشر، وهو أن تبنى مؤسسات الدولة أولاً (المجالس النيابية ثم الرئاسة) عبر انتخابات نزيهة تعبر عن الإرادة الشعبية، فيفتح باب الترشيح للمجلس النيابي، الذي ينوب أعضاءه عن الشعب، ويسمى كذلك المجلس التشريعي (ووظيفته: التشريع)، وهو في وضعنا الحالي مجلسي الشعب والشورى (رغم التحفظات على مجلس الشورى)، فينتخب الشعب ممثليه أيُّا ما كانوا فهم اختياره، وهو اختيار يجب أن نحترمه ولا نصفه بالأمية السياسية كما كان النظام الديكتاتوري الإقصائي البائد يفعل. وهؤلاء الممثلين يختاروا أو ينتخبوا أعضاء الجمعية التأسيسية عبر آليات تتسم بالشفافية والوضوح. وفي نفس الوقت الذي يسبق الانتخابات النيابية يتم "تنظيم انتخابات المجالس المحلية، وانتخابات الكيانات الوسيطة (اتحادات الطلبة، واتحادات العمال، والنقابات المهنية، وعمداء الكليات، ورؤساء الجامعات، وغيرهم) بحيث تصبح أكثر تعبيرا عن مصالح أفرادها فيمكن الاعتماد على القيادات الجديدة فى الجمعية التأسيسية للدستور. ويدور حوار مجتمعي حول تكوين تلك اللجنة والجهات التى لا بد أن تمثل فيها، والضمانات المتعلقة بتمثيل الفئات المهمشة على نحو يضمن الخروج بدستور يعبر بحق عن الجامعة الوطنية المصرية" [إبراهيم الهضيبي: الشروق 18/3]. وتدور مناقشات اللجنة التأسيسية في إطار علني عبر بث مباشر، يتابعه الشعب والمجتمع المدني مراقبًا ومقومًا ومحاسبًا، وتدور حركة حوار وطني مجتمعي واسع حول الدستور الذي نريده، وشكل الدولة التي نبتغيها، لا استئثار للإسلاميين ولا لليساريين ولا لليبراليين ولا لغيرهم، الجميع يطرح ويناقش ويجادل، والشعب الذي قام بثورة 25 يناير المجيدة هو الضمانة الكبرى لحياة ديموقراطية سليمة ولدستور قوي صحيح التعبير عن إرادة الشعب. ثم يستفتى الشعب حول الدستور جملة هل توافق أيها الشعب على ما توصلت إليه الجمعية التي اختارها ممثليكم في البرلمان ؟ بدون هذا يكون سلقًا حقيقيًا للدستور أو على أقل تقدير استبدادًا من قوى وتوجهات معينة، وقبل ذلك كله وبعده بداية غير ديموقراطية لعصر جديد من الحرية والتعددية !