أكدت مصادر تونسية واسعة الإطلاع أن وزراء سابقين ومسؤولين في "التجمع الدستوري الديمقراطي" المُنحل، وهو حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، سيخضعون للملاحقة القضائية في الأيام المقبلة. وكان النائب العام في تونس أمر بوضع كل من الوزير الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية سابقا عبد العزيز بن ضياء والوزير المستشار السياسي للرئاسة عبد الوهاب عبد الله ورئيس مجلس المستشارين عبد الله القلال، في السجن إلى حين استكمال التحقيقات معهم في الجرائم الجنائية المتسوبة إليهم. وكان بن ضياء وعبد الله أهم أركان نظام بن علي ومعروف عنهما أنهما كانا يأتمران بأوامر زوجته ليلى الطرابلسي. وأفاد وزير العدل أزهر قروي الشابي أن منطلق التحقيقات كان رسالة وجهتها وزارة المال إلى النائب العام تضمنت معلومات مفصلة عن ضلوع المشتبه بهم، بالتواطؤ مع آخرين يُرجح أن تشملهم التحقيقات في الأيام المقبلة، في تلاعب بالمال العام وتبييض أموال. وكانت محاسبة كبار المسؤولين في حقبة بن علي أحد المطالب الرئيسية للقوى السياسية والمواطنين في تونس خلال الفترة التي أعقبت فرار الدكتاتور السابق يوم 14 كانون الثاني (يناير) الماضي إلى السعودية. وأوضح وزير العدل الشابي، وهو نقيب سابق للمحامين، في تصريحات أدلى بها أمس أن التهم الموجهة إلى الرموز الثلاثة من حاشية بن علي تطورت بعد استنطاقهم لتشمل "القتل العمد وتحريض المواطنين على مقاتلة بعضهم بعض بالسلاح والتآمر على أمن الدولة الدّاخلي". غير أنه أكد أن وزارة العدل لا تتدخل في التحقيقات التي يقوم بها قضاة معروفون باستقلالهم. غضب شعبي وكان عشرات المواطنين تجمعوا أمس في أروقة قصر العدل وسط العاصمة تونس هاتفين ضد بن ضياء وعبد الله والقلال ومطالبين بالصرامة في محاسبتهم، إلا أن رجال الأمن استطاعوا حمايتهم من غضب المواطنين قبل نقلهم إلى سجن المرناقية غرب العاصمة بعد استنطاق استمر أكثر من خمس ساعات. وكان القضاء السويسري على وشك اعتقال القلال في 2005 للتحقيق معه في شأن دعوى أقامها عليه مواطن تونسي بتهمة التعذيب، إلا أن المندوبية التونسية لدى مركز الأممالمتحدة في جنيف أمنت له طائرة خاصة نقلته مباشرة إلى تونس قبل تمكن القضاة السويسريين من الوصول إليه. وكان القلال الذي شغل منصب وزير الداخلية بين 1991 و1995 يرقد في مستشفى في جنيف لما تفطن لوجوده مواطنون تونسيون فسارعوا لتحريك دعوى قديمة أقاموها ضده. ويُرجح أن يستمع القضاة التونسيون المكلفون التحقيق مع حاشية الرئيس المخلوع بن علي إلى مزيد من معاونيه في الفترة المقبلة. وعلمت في هذا الإطار أن خمسة وعشرين محاميا من المعارضين السابقين لبن علي تقدموا من النائب العام بشكوى ضد خمسة عشر مسؤولا سابقا بينهم الأمناء العامون السابقون لحزب بن علي عبد الرحيم الزواري والشاذلي النفاتي ومحمد الغرياني، ووزير النقل والتجارة السابق منذر الزنايدي المتزوج من شقيقة ليلى الطرابلسي ووزير المال السابق رضا شلغوم ووزير الإعلام السابق رافع دخيل ووزير الدولة السابق للأمن الوطني محمد علي القنزوعي. واتهم المحامون هؤلاء المسؤولين السابقين بالاستحواذ على عقارات لفائدة الحزب الحاكم السابق وتحويل أعداد كبيرة من الموظفين العموميين إلى متفرغين يعملون في أجهزة الحزب الحاكم ويتقاضون رواتبهم من موازنات الوزرارات التي أتوا منها، بالإضافة لمنحهمهم حوافز وامتيازات خاصة من المال العام. وفيما شكا كثير من التونسيين من الإستحواذ على ممتلكاتهم أيام حكم بن علي، حض وزير العدل جميع ضحايا عهد الرئيس المخلوع على رفع شكاوى للقضاء مؤكدا أن هذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم. وقال الشابي: إن "فقه القضاء يؤكّد على أن العقد الباطل لا ينقلب إلى الصحّة مهما طالت مدّته، ومرور الزمن لا يصحّحه ولذلك فما على من تضرّر من تلك المظالم إلاّ أن يطالب بحقّه أمام القضاء". اغتيال قيادات الجيش بأمر من بن علي؟ في سياق متصل، عاد الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية التونسية في شأن استجلاء ظروف مقتل قادة جيش البر التونسي أثناء تحطم طائرة عمودية كانت تُقلهم في مدينة مجاز الباب غرب العاصمة تونس سنة 2004 في ظروف غامضة. وتردد حينها أن العملية مُدبرة للتخلص من الضباط الذين كان في مقدمهم رئيس أركان جيش البر الفريق سكيك. وشكل عسكريون متقاعدون أمس جمعية قالوا إنها ترمي للكشف عن الملاحقات التي تعرض لها عسكريون في عهد بن علي وفتح ملف التعذيب الذي تعرض له ضباط على أيدي رجال الأمن السياسي في 1991 بعد اتهامهم بتدبير مؤامرة لقلب النظام. وأفاد مؤسسو الجمعية أنها تسعى لمحاسبة المسؤولين عن تلفيق تهم لعشرات العسكريين ومحاكمتهم ظلما وتعذيبهم في العهد السابق. وكان بن علي أحال مئات العسكريين على المعاش المبكر في 1988 ثم في 1991 بعد توجسه من تدبيرهم عملا للإطاحة بنظامه، وأصدرت المحكمة العسكرية في آب (أغسطس) 1992 أحكاما قاسية بالسجن في حق أكثر من مئتي عسكري ومدني بتهمة التآمر على أمن الدولة.