تحية خاصة من مصر الأزهر.. أرض العروبة والإسلام إلى الشعب الكوسوفي في عيده الوطنى الذي يوافق غدا الاثنين، تحية لكل الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل بلادهم... لقد ذاق الشعب الكوسوفي المسلم أبشع أنواع التعذيب والقتل والتهجير والاضطهاد والإبادة في التاريخ الحديث، وفي سنة 1998م تنبه العالم إلى خطورة الأوضاع في كوسوفا، حيث دخل جيش تحرير كوسوفا في صراع مع الجيش الصربي فارتكب الأخير مجازر وحشية ضد المدنيين الألبان، مرتكبا أبشع جرائم الإبادة والتطهير العرقي والذي كان محملا بالكراهية الدينية لشعب كوسوفا المسلم. وللأسف الشديد جاء تحرك المجتمع الدولي متأخرا بعد أن أوشك أن يُباد الشعب الكوسوفي عن بكرة أبيه –وكأنها خطة ممنهجة لاقتلاع هذا الشعب من جذوره والقضاء على شأفة الإسلام هناك- بعد أن ارتكبت في حقه أبشع الجرائم من قتل للأطفال وجرائم اغتصاب وعمليات تهجير للمواطنين لم يشهد التاريخ مثلها، ناهيك عن حقن الأطفال بأمصال تصيبهم بالعقم لضمان عدم زيادة السكان في المستقبل.. وغيرها كثير. وفي مارس 1999م، شن حلف شمال الأطلسي (الناتو) غارات جوية على صربيا مما أرغم السفاح ميلوسيفيتش على الانسحاب من كوسوفا، وفقدت بلغراد السيطرة الفعلية على الإقليم الذي وضع تحت حماية الأمم المتحدة وحلف الناتو الذي نشر -وقتذاك- نحو 17 ألف عسكري فيه. وجرت مفاوضات حول الوضع النهائي لكوسوفا بين الصرب والكوسوفيين الألبان, قدم في ختامها مارتي اهتيساري الذي كلفته الأمم المتحدة إعداد خطة لتحديد الوضع النهائي للإقليم تقضي باستقلاله تحت إشراف دولي, دعمها الأميركيون ومعظم الأوروبيين. وفي يوم 17 فبراير/شباط 2008م أعلنت كوسوفا استقلالها بدعم من الدول الديمقراطية العظمى كالولايات المتحدة وعدد من دول الإتحاد الأوروبي والسعودية وبعض دول الخليج العربي التي سارعت بتأييد الاستقلال في حين رفضته روسيا بشدة ودعت إلى جلسة عاجلة لمجلس الأمن، وذلك لما هو معلوم أن صربيبا تتبع روسيا عرقيا. وكانت الدول التي اعترفت باستقلال كوسوفا منذ لحظة إعلان الاستقلال، وحتى وقت كتابة هذا المقال، على الترتيب التالي: (الولايات المتحدة الأمريكية، المملكه المتحدة، تركيا، فرنسا، ألبانيا، أفغانستان، كوستاريكا، أستراليا، السنغال، لاتفيا، ألمانيا، لكسمبرغ، إستونيا، الدانمارك، إيطاليا، بيرو، بلجيكا، بولندا، سويسرا، النمسا، أيرلندا، السويد، هولندا، أيسلندا، سلوفينيا، فنلندا، اليابان، كندا، موناكو، كرواتيا، المجر، بلغاريا، ليختنشتاين، كوريا، النرويج، جزر مارشال، ناورو، بوركينا فاسو، ليتوانيا، سان مارينو، الجمهورية التشيكية، ليبريا، سيراليون، بليز، كولومبيا، مالطا، ساموا، البرتغال، الجبل الأسود، مقدونيا، الإمارات العربية، ماليزيا، ميكرونيزيا، بنما، جزر المالديف، بالاو، غامبيا، السعودية، جزر القُمُر، مملكة البحرين، الأردن، جمهورية الدومنيكان، نيوزيلندا، جمهورية ملاوي، موريتانيا، مملكة سويزلاند، جمهورية فانواتو، جيبوتي، الصومال، جمهورية هندوراس، كيريباتي، توفالو، قطر، غينيا بيساو، سلطنة عمان، أندورا، أفريقيا الوسطى، غينيا، النيجر، بنين، سانت لوسيا، نيجيريا، الجابون، ساحل العاج، الكويت، غانا، هايتي، أوغندا، ساو تومي، سلطنة بروناي، تشاد، بابوا غينيا الجديدة، بوروندي، تيمور الشرقية، فيجي، سانت كيتس ونيفيس، دومينيكا، باكستان، غويانا، تنزانيا، اليمن، جمهورية مصر العربية، جرينادا، ليبيا، السلفادور، توغو). وقد تأخر الاعتراف المصري بكوسوفا -على الرغم من الدور التاريخي والمشرف لمصر وللأزهر الشريف في رعاية مسلمي كوسوفا قبل وبعد محنتهم- لأسباب يطول شرحها في هذا المقال. وبعد طول انتظار اعترفت مصر بكوسوفا كدولة مستقلة وذات سيادة، ليضاف ذلك إلى رصيد الشعب المصري الأصيل الذي يضرب كل يوم أروع الأمثال في الوفاء لربه ولدينه ولبني جلدته.. لقد كان اعتراف جمهورية مصر العربية بلد الأزهر الشريف بدولة كوسوفا، نقطة فارقة في تاريخ هذا الشعب الذي ذاق مرارة العنصرية والتطهير العرقي وأبشع عمليات القتل والتنكيل والإبادة الجماعية والاعتداء الوحشي على إخواننا المسلمين في هذه البقعة الغالية من أرض البلقان.. ذلك لأن الاعتراف المصري -بالإضافة إلى كونه من أكبر الدعائم التي تستند عليها هذه الدولة في المحيطين (الإقليمي والدولي)- سيسهم في التبادل الثقافي والتربوي والطبي والسياحي والتجاري والاقتصادي بشكل عام.. وقد كانت هناك تحديات كثيرة ومشكلات متعددة تم معاجتها فور الاعتراف المصري.. على أية حال ما أود التأكيد عليه أن العلاقات المصرية الكوسوفية علاقات قديمة ومتجددة، وتنبع من الأخوة الإسلامية (أخوة العقيدة والدين)، وتمتد لعدة قرون، وذلك لأن كوسوفا جزء من الشعب الألباني الذي يقطن في منطقة البلقان، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً لتذكرنا عصر محمد علي باشا ذلك القائد الألباني الذي حكم مصر هو وأسرته لمدة زمنية طويلة، أقام فيها محمد علي باشا صرحًا حضاريًّا ونهضة ثقافية وصناعية وعلمية في مختلف المجالات تمتع بها المصريون منذ ذلك الحين وحتى وقتنا الراهن. ومنذ توليه حكم مصر توثقت العلاقات الألبانية المصرية وظلت العلاقات تنتقل من مرحلة إلى مرحلة حتى يومنا هذا. وقد أدت الدبلوماسية الكوسوفية في مصر دوراً فاعلا في دعم مسار العلاقات الثنائية بين مصر وكوسوفا، من خلال الجهود العظيمة التي قام بها أخونا العزيز السفير الدكتور/ بكر إسماعيل مستشار وزير خارجية كوسوفا، وممثل كوسوفا في مصر والمتحدث الرسمي باسم بلاده في مصر والدول العربية، والذي تخرج في جامعة الأزهر الشريف، ومكث في مصر ربع قرن من الزمان، يدافع وينافح عن قضية بلاده، واستطاع بجهوده المخلصة وخبرته الطويلة وعلاقاته بالوزراء ورجال السياسة وقادة الفكر والرأي والإعلام، أن يبني علاقات متينة مع الكثير من المؤسسات الثقافية والتربوية والاقتصادية والسياسية المصرية، مما أدى إلى مزيد من التقارب بين مصر وكوسوفا ودعم العلاقات الثنائية بين البلدين. وتم توقيع عدة اتفاقيات للتعاون بين البلدين، نذكر منها: اتفاقية تعاون بين دار الكتب والوثائق القومية المصرية وبين أرشيف كوسوفا، وأخرى بين وزارة الشباب والرياضة في مصر ووزارة الثقافة والشباب والرياضة في كوسوفا، وثالثة بين جامعة القاهرة وجامعة بريشتينا، ورابعة بين مكتبة الأسكندرية والمكتبة القومية والجامعية بكوسوفا، واتفاقية خامسة بين وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم في البلدين، وسادسة بين وزارة الثقافة والشباب والرياضة بكوسوفا ووزارة الثقافة المصرية، وسابعة بين اتحاد الكتاب كوسوفا واتحاد الكتاب المصري. وثامنة بين الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية المصرية والمكتبة القومية والجامعية في كوسوفا. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن بعد الاعتراف المصري: متى ستكون لمصر سفارة في كوسوفا، ومتى سنرى سفارة لكوسوفا في مصر؟! ومتى نشاهد المركز الثقافي المصري في كوسوفا والعكس. إن دولة كوسوفا تعد جوهرة البلقان وتتميز بموقع استراتيجي متميز، حيث تقع في الأطراف المركزية لشبه جزيرة البلقان في الجنوب الشرقي لأوروبا، وحدودها مع ألبانيا والجبل الأسود ومقدونيا وصربيا، وعاصمتها: "بريشتينا" ولغتها الألبانية، وتبلغ مساحتها 10877 كم2، وعملتها اليورو، ويبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، يشكل الألبانيون نسبة 95 % من السكان و 5 % من قوميات أخرى (الصرب، الأتراك، البوشناق، الرومان، الآشكالي.. إلخ)، وهي دولة شابة حيث يقع 52 % من تعداد السكان تحت سن 19 سنة. أما من حيث الديانات فتضم عدة ديانات هي: الإسلام, والكاثوليكية، والأرثوذكسية، وتبلغ نسبة المسلمين فيها أكثر من 96 %. وأهم مدنها: بريزرن، جاكوفا، بيا، جيلان، فريزاي. ورئيس كوسوفا الحالي السيدة عاطفَةَّ يحيى آغا، ويرأس الوزراء السيد: هاشم ثاتشي، ورئيس البرلمان: يعقوب كراسنيتشي وهو الذي أعلن استقلالها في 17 / 2 / 2008م. وبعد.. فإن استقلال كوسوفا المسلمة يمثل علامة فارقة في تاريخ هذه الدولة التي ذاقت آلام الحروب والصراعات والقتل والتدمير والتشريد بسبب العنصرية المقيتة.. ويأتي استقلالها وتنامي عدد الدول التي اعترفت باستقلالها ليتوج الجهود التي قام بها المخلصون من أبنائها ومن أبناء العالم الحر، ويفتح باب الأمل أمام أهلها في عيش رغيد وفي مستقبل زاهر ينعمون فيه بالأمن والاستقرار والرخاء والتنمية.. ومن المعاني النبيلة التي يجدر الوقوف أمامها بإكبار –والعالم الحر يحتفل هذه الأيام بالذكرى السادسة لاستقلال كوسوفا- ألا ننسى الشهداء الأبرار الذين ضحوا بدمائهم الزكية وأنفسهم، في سبيل الوصول إلى هذه الغاية الكبيرة..
* المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.