تخيلت أنه لو خاطب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد سقوطه أحد الحكام العرب فكيف يكون خطابه؟ وكانت هذه الرسالة فخامة الأخ الرئيس تحية طيبة عاطرة وبعد فلا أكتمك فخامة الرئيس أنني تردت كثيراً قبل الكتابة إليك ، إذ لا تخفى عليك الأحداث التي مرت بي في الأيام القليلة المنصرمة ، لكنني عزمت في آخر الأمر وقررت الكتابة إليك قياماً بحق الصداقة الممتدة بيننا ، والمصالح المشتركة التي عشنا في ظلها سنوات وسنوت. فخامة الرئيس أكتب إليك لأبثك بعض همومي وأوضح لك بعض ما غمض عليك وعلى سواك من الأحداث ، ولتسمح لي يا فخامة الرئيس أن أضع بين يديك هذه الكلمات مطعمة ببعض نصائحي التي استخلصتها من واقع تجربتي المريرة. فمع بدء الأحداث في بلدي لم يكلف أحد من المسؤولين معي أنفسهم إعلامي بالأمر ظناً منهم أن الأمر بسيط لا يستدعي عناء إبلاغي وتكدير مزاجي ، وقد كان الأمر كذلك بالفعل ، فما هي دلالة أن يحرق شاب نفسه وقد ظن أنه قد ظلم بعدم توفر فرصة عمل له ، وبعدم السماح له بالإتجار في الخضروات لسد رمقه ورمق من يعول ، وأنه لم يستطع الوصول إلى حقه وأن بعض المسؤولين قد تطاولوا عليه بالسب والبصق؟! صحيح أن بعض المغرضين قد أعطوا الحادثة أكبر من حجمها بأن صوروها بأنها دليل على شيوع البطالة في صفوف الشباب الجامعيين وغير الجامعيين ، وغياب الكفالة الاجتماعية لمحدوي الدخل أو معدوميه ، وأنها دليل كذلك على طغيان مؤسسسة الشرطة في المجتمع إنني حين أنظر الآن فيما حدث أرى أن حاشيتي كان لها الحق كل الحق في عدم تضخيم الحادث ... لكنني لا أدري إلى الآن ولم أستطع الجواب على سؤال ما زال يلح علي وهو: لم تطورات الأحدث بهذه الصورة غير المتوقعة ؟ لقد قمت بعد ذلك بزيارة هذا الشاب الهالك في المستشفى ... فماذا يريد هو أو غيره؟ ألا يكفه ويكفهم شرفاً أن أقوم بزيارته بنفسي؟ تطورت الأحداث بعد ذلك بصورة متصاعدة وأخذت رقعة جغرافية أكبر وأبعد من سيدي بوزيد تلك البلدة اللعينة فطلبت عقد اجتماع مصغر لتدارس الأمر وكان من رأي تلك الحاشية الجاهلة البائسة أن هؤلاء المتظاهرين سرعان ما سوف تنطفيء حماستهم وتضعف قوتهم وأن قوات الأمن قادرة على السيطرة على هؤلاء الأوغاد بالضرب والسجن والتخويف والإرهاب ، وأن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم فالشعب كله يقدر تضحياتي وجهودي وخدماتي. ولكن بعد تصاعد الأحداث بصورة مخيفة دعوت مرة أخرى إلى اجتماع موسع ، ومع تدارس الأمر تبين أن الأمر خطير لأبعد مدى ، وعلا صراخ البعض ممن لم يحضروا الاجتماع الأول متهمين إياهم بأنهم السبب فيما آل إليه الأمر الآن بسوء تقديرهم للأمر ، وتبين أن المعالجة صعبة الآن بل ومتأخرة سواء كان الأمر بالتعهد بإجراء تعديلات وإن كانت كسابقها مما وعدنا به شعوبنا طوال مدة حكمنا لن نقوم بتنفيذها بالصورة التي تتطلع إليها جموع المتظاهرين والشعب كله ، أو المعالجة الأمنية التي تبين أنها لا تزيد المتظاهرين إلا تصميماً وعناداً ، ولا أدري من هؤلاء الآن الذين كانوا يخافون من نظرة العين فصاروا لا يرهبون السيارات المدرعة والرصاصات الحية؟!! ومما زاد الأمر صعوبة التركيز الإعلام العالمي على الأحداث وتغطيتها عبر القنوات الفضائية بل ومن قبل الأفراد عن طريق الهواتف المحمولة والكاميرات الرقمية المتطورة ووضعها على شبكة الإنترنت. وعلى الرغم من أن مطالب المتظاهرين قد تزايديت وتصاعدت فقد استقر الأمر على أخرج للشعب في كلمة مسجلة أشير فيها إلى الأيادي الخارجية وإلى الظلاميين من الإسلاميين وأنهم هم الذين يحركون الجماهير ، وأننا سوف نضرب بيد من حديد. وتم وضع خطة بديلة لها يتم تنفيذها دون الحاجة إلى الاجتماع من جديد وسوف يكون دورها في حال فشل الكلمة الأولى في تهدئة الجماهير ، وعلى الرغم من تحفظ البعض من الحضور على هذه الخطة وأننا لن نحتاج إليها فإن الإشارة إلى الجماعات الظلامية المتطرفة مع ربط هذا بالجهات الخارجية كاف لبث الذعر والخوف في قلوب المتظاهرين وأسرهم ، كما أن هذا سوف يكفل لنا دعماً قوياً سرياً وعلنياً من مؤسسات ودول شرقية وغربية. وتصاعدت الأمور يا فخامة الرئيس فلم تنفع الكلمة الأولى ولا الثانية التي أذيعت وقد اختمرت في ذهني وقتها فكرة الهروب من البلد خوفاً من السقوط في أيدي هؤلاء الأوباش الأوغاد إن أمسكوا بنا يأيديهم القذرة الملوثة. تجهزنا وحملنا ما خف وزنه وغلا ثمنه ، وكان ما خف وزنه ثقيلاً بالفعل ، خرجنا وهربنا من البلد .. أما كيف تم هذا فاسمح لي يا فخامة الرئيس أن أحتفظ به لنفسي في الوقت الحاضر لاعتبارات كثيرة لا تخفى على فراستكم. فخامة الأخ الرئيس/ اسمح لي أن أضع بين يدي فخامتكم الكريمة تجربتي لاستخلص منها بعض النصائح التي أرى وجوب تقديمها لفخامتكم في هذه الرسالة أولاً: كن على حذر من الحاشية المحيطة بك وأقرب المقربين إليك ، فهؤلاء الذين كانوا يحلمون بمجرد الوقوف بين يدي مطاطيئ الرؤوس ... خافضي الأصوات ... مرتعشي الأطرف ، هم أنفسهم الذي خرجوا الآن ليهاجموا رئيسهم السابق وحرمه متطاولين على مقامي الرفيع ومتناسين قدرهم وقدري ، فهؤلاء أوباش أنذال يجب أن تحذر منهم كل الحذر. ثانياً: كن على حذر كذلك من الدول الصديقة والشقيقة والحليفة ... أرأيتني يا فخامة الرئيس وأنا أجول الليل كله بطائرتي أبحث عن دولة تسمح بنزولي فيها .. بل صدرت تصريحات من قادة وزعماء وسياسي تلك الدول أقل ما توصف به أنها وقحة .. بل زاد الطين بلة ما قاموا به من تجميد أرصدتي والتحفظ على ممتلكاتي المنتشرة في كثير من البلاد في الشرق والغرب ... هذه أموالي فما دخل فرنسا أو سويسرا أو أمريكا أو غيرها بأموالي؟ أيريدون مشاركتي فيها؟ أم يريدون مشاركة الشعب الجاحد في أموالي وممتلكاتي؟ إنني يا فخامة الرئيس لست بهذه البلاهة كما يظنون فلو صادروا كل ممتلكاتي التي يعلمون ، فما لا يعلم أحد أكبر مما يخطر على بالهم ، ولن يستطيع أحد الوصول إليه ، فهيهات هيهات أن نعدم وسيلة نهرب بها أموالنا ونحن في الحكم ، صحيح أن الكثير إن لم يكن كل من هذه الأموال سوف تضيع على الجميع لكنني لا أستطيع تحمل أن تنتقل هذه الأموال إلى الشعب في حياتنا ولا أستطيع تصور انتقالها إليهم بعد مماتنا. ثالثاً:أمسك يا فخامة الرئيس بكل الخيوط في يدك ، ولا تهمل شيئاً من أمور الدول دق أو صغر بعيداً عن سيطرتك ولا تجعل هذا بيد أحد مهما كان قدره ولا قربه منك .. أرجو أن تفهم كلامي كما أعني. صحيح أن أوضاعنا الصحية تحول بيننا وبين الكثير من أعمال الدولة لكن هذا هو قدرنا ، بل هذا هو السبيل الوحيد لبقائنا .. أعني لبقائكم في السلطة. رابعاً: لقد أخطأتُ يا فخامة الرئيس حين تأخرتُ في بث الفوضى وإشاعة الخوف في الشارع التونسي ، فلقد بدأت بعد مغادرتي تونس بعد أن قمت بترتيبها عبر أعواني من الداخل والخارج على أمل أن أتمكن حينها من العودة إلى تونس من جديد ، فلا تقع فيما وقعتُ فيه إذا تعرضت لا قدر الله لمثل ما تعرضت أنا له ، فالسعيد من اتعظ بغيره ، فأشع الفوضى وأنشر الرعب والخوف في نفوس الشعب بأكمله حتى يستقر في نفوس الناس جميعاً أنك أنت صمام الأمان للبلد. خامساً: نصيحتي الأخيرة يا فخامة الرئيس أن لا تأخذك رحمة بالمتظاهرين إن ثاروا عليك ، فأصدر أوامرك إلى الشرطة والجيش أن تضرب بقوة وعنف .. ولا تأخذك في هؤلاء الأوغاد رحمة أو رأفة ... ومن خالف أمرك من قيادات الجيش أو الشرطة فقم بعزله بل اسجنه ، واجعل منافساً له أو حاقداً عليه هو الذي يقوم بالمهمة من بعده ، ولا تلق بالاً للشرق ولا للغرب ، ولا تهتم بما تبثه الفضائيات وما يذاعه وينشر في الإنترنت ... فبقاؤك في السلطة كفيل بإسكات هؤلاء وزوال اعتراضاتهم ، ومن كان منهم في الداخل فسوف تأتيك الفرصة بعد هدوء الأوضاع للإنتقام منهم جميعاً ، أما الخارج فإنهم يرتبطون معنا بمصالح كثيرة لن يجروؤا على التضحية بها ما دمنا على عروشنا نحكم قبضتنا على مقاليد الأمور. فخامة الرئيس/كتبت إليك من واقع ما ذكرت آنفاً ، وأضيف أمراً آخراً في نهاية رسالتي وهو أنني لا أتمنى أن يشمت الحاقدون بك كما شمتوا بي. عاش عرشكم وعاشت عروش الحكام العرب الأصدقاء الأوفياء أخوكم زين العابدين بن علي الرئيس التونسي السابق