الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خرج علينا بتصريحات غريبة تحدث فيها عن ما أسماه بمخطط التطهير العرقي ضد الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط. وقال ساركوزي أنه لا يمكن أن نقبل بمخطط تطهير إجرامي ديني شرير في الشرق الأوسط، مؤكدًا أن العنف الذي شهدته مدينة الإسكندرية ليس حادثًا فرديًا بكل أسف..! وكلام ساركوزي المستفز مقلق للغاية لأنه يعكس خيالاً غربيًا مريضًا عن حقيقة ما يجري في بلادنا، ويؤكد أن الغرب قد بدأ أيضًا يفكر بنظرية المؤامرة ويعتقد بها ويصدر تصريحاته ويترجم أفعاله على أساسها.. فأي مخطط إرهابي شرير هذا الذي يتحدث عنه ساركوزي، والذي يستهدف النصارى كما يقول. إن الحكومة الفرنسية لو كانت قد قدمت تقريرًا سليمًا للرئيس ساركوزي عن رد الفعل في مصر بعد حادث الإسكندرية لربما كان قد اعتقد أن مصر دولة قبطية وليست إسلامية، فكل وسائل الإعلام المصرية من إذاعة وتليفزيون وصحافة كانت في سباق للتأكيد على رفض مصر كلها وإدانتها لما وقع في الإسكندرية في مظاهرة تعاطف وتأييد للأخوة الأقباط كادت أن تؤدي إلى ردة فعل معاكسة من الكم الهائل من التعاطف والإدانة. وكل مصر مسلمين وأقباط كانوا على قناعة بأن هذا العمل الإجرامي لم يستهدف الأقباط وحدهم، بقدر ما كان موجهًا ضد مصر كوطن، وضد الاستقرار والسلام الاجتماعي فيها. ولا ندري أيضًا ما الذي يقصده ساركوزي حين يتحدث عن أنه لن يقبل أو أن فرنسا لن تقبل بوجود مخطط تطهير ضد الأقباط..، وما هذا الكلام الاستفزازي الذي لا يفيد الأقباط بقدر ما يصنع حساسيات وتعقيدات وتصلب في المواقف تؤدي إلى مزيد من العواقب الوخيمة بدلاً من المساهمة في حل المشكلات. إن التدخل الغربي في الكثير من القضايا ذات الحساسية في الشرق الأوسط لا يساهم في حلها بقدر ما يفرض واقعًا جديدًا أكثر عنفًا واضطرابًا كما حدث في العراق وفي لبنان.. وإذا كان السيد ساركوزي قد انتفض إلى هذا الحد عقب انفجار الإسكندرية الذي كان حادثًا إرهابيًا بكل المقاييس فإننا نأمل في انتفاضة مساوية ضد مخطط أكثر شرًا وإجرامًا، يتم بشكل علني ومنظم وليس من خلال منظمات مجهولة أو متطرفة وهو مخطط إبادة شعب بأكمله تنفذه إسرائيل عبر عقود من الزمان، ولم تجد من يقف من زعماء العالم "الغر" للتنديد به والتأكيد على رفضه والتصدي له.. وإذا كان ساركوزي يتحدث عن المبادئ وعن الاضطهاد وعن حملات التطهير على أساس ديني، فلينظر أولاً إلى البيت الفرنسي من الداخل حيث مشاكل الأقليات الذين لازالوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية والذين يواجهون حملات ودعوات تمييز عرقي بالغة الضراوة من شخصيات رفيعة في العمل السياسي ومن منظمات فرنسية معترف بها وذات صبغة شرعية. إننا كنا نعتقد أن ساركوزي وبلاده أكثر فهمًا من ذلك لطبيعة المجتمع المصري العظيم الذي لا يعرف العنف ولا التمييز، ويقبل ويتفاعل مع كل الديانات والأجناس بروح من الود والأصالة والسمو الأخلاقي في التعامل والتراحم والتآلف.. إن في مصر آلافًا من الصينيين الذين لا ديانة لهم، يطوفون بكل شوارع وقرى ونجوع مصر، يقومون بالتجارة ومنافسة المصريين في أرزاقهم، ويقابلهم جموع الشعب المصري بصدر رحب ويرحب بهم بنظرة إعجاب وتقدير لمثابرتهم وسعيهم في سبيل الرزق، ولم يتعرض لهم أحدًا، ولم يطاردهم أحدًا، ولم يسألهم أحدًا ما هي ديانتكم ولماذا لا تذهبون معنا إلى المساجد..! هذا الشعب المصري العظيم بكافة طوائفه من المسلمين والمسيحيين لهم نسيج واحد خاص وثقافة واحدة، وفكر واحد وليسوا في حاجة إلى تدخلات من الخارج ولا نصائح من أحد.. وعلى الجميع الصمت..! ** ملحوظة أخيرة: لا أدري ما هو تفسير ذلك، ففي عدد واحد لصحيفة يومية عريقة نشر تقريرًا لمراسليها في باريس يتحدثون فيه عن تصريحات ساركوزي ويقولون فيها إنه ذكر أن التاريخ يؤكد سماحة الإسلام، ويشيرون في التقرير إلى حديثه عن مصر ووصفه لها بالبلد الجميل للغاية والعظيم للغاية، ولم يشر هذا التقرير إلى أي من تصريحاته الغاضبة عن المؤامرة ضد النصارى. ونشرت الصحيفة في صفحة أخرى تقريرًا من وكالات الأنباء الغربية عن نفس تصريحات ساركوزي أوردت فيه ما قاله عن "التطهير الديني" والمخطط الشرير ضد المسيحيين في الشرق الأوسط.. وما إلى ذلك..! ولا تعليق لدينا.. والإجابة عند الصحيفة.. وإن كانت الإجابة معروفة..! [email protected]