شغب.. بلطجة.. ضرب.. إصابات.. شماريخ.. صور سيئة وللأسف باتت مألوفة في الملاعب الرياضية ولم تعد ملاعبنا استثناء مما يحدث في ملاعب العالم وامتدت الظاهرة إلي اللقاءات الرياضية العربية، رغم أن مجتمعاتنا العربية لها قيمها وأخلاقياتها، التي تقوم علي أساس الفطرة التي تقول إن الرياضة فوز وهزيمة.. عناء ونتيجة، ولكن ثقافة «الهوليجانز» باتت هي السائدة في ملاعب العالم بالرغم من أن الرياضة قد بدأت باعتبارها وسيلة لتحقيق التقارب بين الأفراد سواء علي المستوي المحلي أو الإقليمي أو العالمي.. هذه الصورة من مشاهد الفوضي والكبت شاهدناه خلال لقاء الذهاب في الدور قبل النهائي لبطولة أفريقيا بين الأهلي والترجي التونسي في استاد القاهرة وأسفرت أحداث الشغب عن خسائر كبيرة في مدرجات استاد القاهرة وصلت قيمتها إلي 150 ألف جنيه بالإضافة إلي الاعتداء علي رجال الأمن المصري مما أدي إلي وقوع عدد من الإصابات من بينهم مجند في العناية المركزة.. أيضًا أحداث الشغب الأخيرة بين مشجعي فريقي الزمالك والأهلي في مباراة كرة اليد.. القضية هنا تعكس مدي حالة الفراغ لدي الصبية والشباب وتلاعب القيادات بداخل الوسط الرياضي بمشاعرهم. ولا نستطيع أن نقول إن الشغب مقتصر علي ملاعب كرة القدم بل امتد إلي جميع الملاعب الرياضية، وكان الاتحاد المصري لكرة اليد قد حاول من قبل الوقوف بالمرصاد لهذه الظاهرة بعد واقعة نهائي بطولة كرة اليد بين فريقي الأهلي والزمالك الذي شهد أحداثًا مؤسفة، شارك فيها بعض أعضاء مجلس إدارة نادي الزمالك، وقام اتحاد اليد بحرمان الزمالك من اللعب لفترة طويلة في منافسات البطولة فهل يكون هذا هو الحل لمثل هذه الظاهرة. هذه الحالة التي تعيشها الملاعب الآن تحتاج ليد قوية تدقق وتحقق وتسيطر وتبتر أي عضو يحاول إثارة الشغب فالحلول الوسط لن تفيد والتسامح لن يحقق الهدف المنشود لأن كل فريق يبحث عن مبررات للسقوط أو الفشل أمام الأعضاء وكل مدرب يحاول الدفاع عن أكل عيشه فيحمل جماهير الفريق الآخر أو التحكيم مسئولية السقوط. كان لابد أن نتوقف أمام هذه الظاهرة التي تجسد حالة الشغب التي وصلت إلي الذروة وقد تهدد العلاقة بين الدول.. الخبراء أكدوا ل«روزاليوسف» أن الحل بيد الاتحادات وأن تكون العقوبات صارمة كمنع دخول الجماهير للمدرجات وخصم نقاط أيضًا من الفرق أصحاب الجماهير المثيرة للشغب، ومسئولو الاتحادات حتي الآن لم يصلوا إلي حل لهذه الظاهرة. في البداية أرجع محمود أحمد علي رئيس اتحاد كرة السلة ورئيس اللجنة الأولمبية السبب في هذه الظاهرة إلي الفراغ والبطالة لأن من يقوم بهذه الأفعال مجموعة من الشباب الذين لا يجدون وسيلة لإخراج طاقاتهم إلا من خلال التشجيع في المباريات فهم عاطلون عن العمل كما أنهم يتم حمايتهم من قبل النادي المنتمين إليه. واقترح محمود أحمد علي أن يتم في كل مباراة توزيع 200 أو 500 تذكرة كأقصي حد علي كل ناد علي أن يتم توزيع هذه التذاكر علي الأعضاء العاملين بالنادي وليس المشجعين وإن لم يلتزم النادي بذلك يتم حرمانه من هذه التذاكر فيما بعد. من جانبه أكد أيمن يونس عضو الاتحاد المصري لكرة القدم أن «الكاف» ضعيف وليس لديه القدرة علي اتخاذ عقوبات رادعة ضد نادي الترجي وجماهيره في حال تقدم الأهلي بشكوي رسمية ضد الفريق التونسي. وأضاف يونس إنه وفقاً للوائح الاتحاد الدولي، فإنه يجب توقيع عقوبة علي الترجي التونسي، إما إقامة مباراة العودة بتونس بدون جمهور، أو نقل مباراة العودة خارج تونس كعقاب للجمهور علي تصرفاته الخارجة.. واثني عضو الاتحاد المصري بما قام به الاتحاد التونسي ونادي الترجي من إصدار بيانات شجب وإدانة واعتذار رسمي لما حدث من قبل جماهير نادي الترجي، مؤكداً أن بعثة النادي الأهلي سوف تجد في لقاء العودة مشاعر الود والحب من قبل جماهير تونس. وأكد يونس أنه لابد من التصدي بيد من حديد لكل من يقوم بأعمال البلطجة والشغب حتي لا تتفشي هذه الظاهرة أكثر من ذلك وتكون العقوبات رادعة. الشيخ طه إسماعيل الخبير الكروي قال إن الحل لمواجهة هذه الظاهرة يتمثل في ثلاثة محاور مهمة: المحور الأول يتمثل في ضرورة توافر المثل الأعلي والقدوة من المدربين للاعبين.. وتذكر الشيخ طه الأزمة التي حدثت في لقاء الأهلي والزمالك تحت 18 سنة من قبل وكان السبب فيها المدربان مدحت عبد الهادي وهشام حنفي.. مطالباً بألا يتحول القدوة إلي مصدر للاثارة الجماهيرية. المحور الثاني كما يقول طه إسماعيل يتمثل في الإعلام الذي يقع علي عاتقه دور محوري في تهدئة الأوضاع وتثقيف وتوعية الجماهير وتوجيهها ونبذ التعصب من خلال الكتابة بحيادية وموضوعية ونزاهة ونقل الحقيقة وتحري الدقة.. المحور الثالث يتضمن ضرورة أن تكون هناك أحكام رادعة من القائمين علي اللعبة وعقوبات قاسية بمعايير ثابتة علي المقصرين والخارجين عن النص لترسيخ مبدأ الالتزام والانضباط. محمود الخواجة لاعب نادي الزمالك السابق قال إن هذه الظاهرة غير الحميدة سببها هو عدم الانتماء لأي ناد فكما نري لا يوجد لاعب ينتمي إلي ناد لا نجد جمهورًا له انتماء معين وهم من يقومون بهذه الظاهرة.. لو كان هناك انتماء ما قامت الجماهير بمثل هذه الأعمال لأنها في النهاية ستكون الغرامات والعقوبات علي الأندية وليس الجماهير فمثلاً بعد أحداث الشغب من جماهير الترجي إذا عاقب الكاف أحداً، سيكون العقاب علي النادي وليس الجماهير.. أيضاً من أسباب هذه الظاهرة نجد مسئولاً معينًا بمجلس إدارة ناد أو لاعب أو مدرب يقومون باستئجار مجموعة للهتاف لهم أو للهتاف ضد خصومهم أو القاء زجاجات أو طوب إلي أن أصبح الأمر «فردة» علي اللاعبين والأندية. ويري الخواجة أن الحل يقع علي كاهل الأندية نفسها فكل ناد يعلم جيداً المشجع الحقيقي من «البلطجي» وعلي الاتحاد توقيع غرامات كبيرة أو حتي خصم نقاط من كل ناد. طاهر أبو زيد الخبير والمحلل الكروي ونجم منتخب مصر والأهلي الأسبق تعجب في البداية من هذه الظاهرة الغريبة المصاحبة لهوس وجنون جماهيري، وعدد أبو زيد أسباب هذه الظاهرة السلبية قائلاً: إنها مزيج من العوامل الاجتماعية مثل الفراغ الكبير الذي يمر به الشباب نتيجة البطالة إلي جانب حبه الزائد وحماسه الكبير لناديه الذي يشجعه، وقال طاهر أبو زيد: أنا لم أكن مصدقاً لما شاهدته من جنون جماهيري، وما قامت به جماهير الترجي من ضرب بصورة وحشية لرجال الأمن المصري وربما يكون الفراغ القاتل هو أحد أسباب تحويل الملاعب لمتنفس جماهيري.. ويري طاهر أبو زيد أن الحل لا يتمثل في تقمص دور الواعظ والمرشد لكن الظاهرة تحتاج إلي كنترول متوازن علي هذه النوعية من الأدوات الجماهيرية المضرة ولا أقصد الحدة في التعامل معهم أو المرونة التي تسمح بتواجد مثل هذه الفئة في المدرجات. وأشار أبو زيد إلي أن حالة الاحتقان وصلت الذروة، حيث أصبح السباب جماعياً في كل مباراة وسط غياب من الحكام واتحاد الكرة أضعف من أن يأخذ قراراً، مشيراً إلي أن الجميع يدلل جماهير كرة القدم، وحذر من أن كرة الثلج تزيد وتكبر وتطور الأمر إلي الاعتداء علي الممتلكات العامة، وأضاف أن جمهور الكرة لا يجب أن يستثني من العقاب إذا قام بجريمة اتلاف ممتلكات. وأضاف أبو زيد لا يوجد في تاريخ البشرية إصلاح بدون ضحايا وعندما نصل إلي الفوضي لابد من إعمال القانون ونحاسب ونحاكم ونعاقب وإلا ستكون المسألة أخطر من ذلك وستكون هناك كوارث لن نتخيلها، وأشار إلي ضرورة أن تأخذ الأندية دورها في التعامل مع ظاهرة الألتراس التي بدأت تكبر ولو لم نتعامل معها ستصبح خطيرة.