شهدت السنوات العشر الأخيرة تزايد أشواق وأصوات المصريين المطالبين بالتغيير في توازي مع تزايد معدلات الفساد والإستبداد وتراجع دور ومكانة مصر على كل المستويات, عشنا اشواق التغيير لدى تأسيس وقيام وحراك الجبهة الوطنية للتغيير –بقيادة المرحوم د. عزيز صدقي , وتابعناها مع قيام حركة كفاية وشعارها (كفاية فساد- لا تمديد ولا توريث) لتعبر عن ميلاد حالة مصرية أكثر مما تعبر عن تأسيس بنيان تنظيمي, قامت مؤتمرات لنوادي هيئات التدريس بالجامعات المصرية كما قامت حركة استقلال القضاء بمحاولات لدفع عجلة التغيير للأمام , شارك الاخوان المسلمون في فعاليات التغيير ودعموا مطالبه وقدموا تضحيات لنصرة قضاياه بما أكد اندماجهم في الحركة الوطنية وتبنيهم لأجندة العمل الوطني وجعلها على رأس اولوياتهم ,شهد عام 2005 آمالا واسعة في تعديلات دستورية وفي انتخابات حرة تستجيب لأشواق التغيير, وحدث انتصارا جزئيا عبرت عنه نتائج الانتخابات التشريعية في نوفمير 2005, لكن الحقيقة ان هذه النتائج كانت استجابة وصدى لمطالب الديمقراطية التي طالبت بها الادارة الأمريكية – في محاولة للتنفيس والانفتاح على القوى الاسلامية في المنطقة بعد احداث 11 سبتمير 2001- أكثر مما كانت نتيجة للضغوط الداخلية المطالبة بالتغيير, لذا سرعان ما دارت عقارب ساعة التغيير للوراء فرأينا في 2006 امتناع النظام عن إجراء انتخابات المحليات في موعدها واصراره غير المبرر على تأجيلها عامين, ورأينا تصدي النظام - لحد التهديد بالتاديب- لرموز حركة استقلال القضاء , ورأينا تصديه بالقوة والعنف الأمني الشديدين لحركة بناء اتحاد حر لطلاب الجامعات, وفي هذا السياق ذاته جاء اعتقال أربعين من قيادات الاخوان المسلمين تم إحالتهم بعد ذلك لمحاكمة عسكرية حكمت عليهم بالسجن من 3-10 سنوات , ثم جاء مارس 2007 ليرسي النظام قواعد دستورية سحبت عقارب ساعة التغيير للوراء فكانت التعديلات الدستورية التي فصلت إجراءات انتخابات الرئاسة لصالح التمديد والتوريث وأزاحت الاشراف القضائي عن الانتخابات, ومن ثم أجريت انتخابات شورى 2007 ومحليات 2008 بلا رقيب ولا معقب , ثم جرى في مياه انتخابات القضاة والمحامين ما جرى , واستمر دخول البلطجية لساحات الجامعات في نوفمبر من كل عام ليجعل الحركة الطلابية جيلاً وراء جيل تكاد تنسى اشواقها للتغيير, واستمر فرض الحراسة على نقابة المهندسين وامتدت الحراسة لنادي تدريس جامعة القاهرة ليبقى عنواناً لمشروع تأميم المناخ العام, وتتابعت مرات الرفض لتأسيس أحزاب الكرامة والوسط لتؤكد ان الحياة الحزبية غير قابلة لإختراق تيار التغيير لها. في بدايات 2010 ومع اقتراب مواسم انتخابات تشريعية ورئاسية عاد الأمل يداعب الحالمين بالتغيير , فكان أن تأسست في اكتوبر 2009 حركة ( مصريون من اجل انتخابات حرة وسليمة) ثم تأسست ( الحملة المصرية ضد التوريث ) , وبدأت الحركة الوطنية تلملم نفسها لتتجمع وتتوحد وتعلن عن مطالبها قبل استحقاقات الانتخابات التشريعية والرئاسية, في يناير 2010 ظهر د. محمد البرادعي ليضيف لزخم التغيير قيمة كبيرة ويجعل من حلم التغيير أملا عادت الجماهير تتابعه عن كثب , وجاءت عودته لمصر وتاسيس الجمعية الوطنية للتغيير واشتراك أكثر الرموز الوطنية من مختلف التيارات السياسية فيها لتعزز من فرص التغيير, توالت الاجتماعات فضلاً عن المؤتمرات والفعاليات التي اشتركت فيها القوى الوطنية جنباً إلى جنب تحت سقف الجمعية الوطنية للتغيير لتعمق هذا الأمل في التغيير, وجاءت انتخابات داخلية تجديدية في قيادة الإخوان المسلمين وكذا في حزب الوفد لتضفي آمالا في التجديد والتغيير( في حدها الأدنى برمزيتها ضد التمديد ), قام الشباب في 6 أبريل 2010 بمظاهرتهم لدعم المطالب الأربعة ( إنهاء الطواريء- الإفراج عن السجناء السياسيين-- التعديلات الدستورية- قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية ) , قام النواب ومعهم الشباب الذين تعرضوا للملاحقات الأمنية ( والتهديدات بإطلاق الرصاص عليهم ) بتنظيم مظاهرة تحدوا فيها تهديدات الداخلية وتمت المظاهرة في قلب ميدان التحرير يوم 3 مايو 2010 بحضور رموز وطنية من مختلف التيارات, نجحت الحركة الوطنية في معارك قضائية كان أبطالها القضاة الشرفاء بمجلس الدولة فجاءت أحكام الإدارية العليا ( طرد الحرس الجامعي- بطلان عقد مدينتي- بطلان عقد تصدير الغاز لإسرائيل) مدوية , تزايدت الامال وتعلقت الجماهير بحراك التغيير وانضم مئات الآلاف لحملة التوقيعات على المطالب السبعة التي نادت بها الجمعية الوطنية للتغيير. على الجانب الآخر جاءت انتخابات الشورى في اول يونيو 2010 لتؤكد ان النظام لا يبالي بمطالب التغيير ولا بأصحابها ولا بالجماهير أصلاً, فهو الذي يختار النواب بدلا عن الجماهير – بما في ذلك نواب ما يسمى باحزاب المعارضة – ويعطيهم الاصوات يمئات الآلاف ولو لم تذهب الجماهير لصناديق الإقتراع أصلاً ,وكان إختباراً حقيقياً فشلت قوى التغيير في الرد عليه , إذ فشلت المظاهرة التي تداعت لها القوى السياسية في 24 يونيو 2010 بمناسبة جلسة افتتاح مجلس الشورى المزور , أغلقت جريدة الدستور بما كانت تمثله من حيوية صحفية معارضة , وكذا توقفت برامج وقنوات ومورست ضغوط وتهديدات على كل وسائل الإعلام التي تميزت بالجاذبية الجماهيرية وتماست مع مطالب واشواق التغيير, اقتربت انتخابات مجلس الشعب وفشلت القوى السياسية في تحديد موقف موحد بالمقاطعة الجماعية أو المشاركة الجماعية بالتنسيق فيما بينها ضد حزب النظام , افترقت المواقف بين المقاطعة والمشاركة , حدث بعض اللغط وتناول الإعلام أخبارا عن خلافات وحساسيات شخصية بين بعض المحسوبين على تيار التغيير, لكن لحسن الحظ ان النظام دفع المشاركين الرئيسيين في الانتخابات ( الوفد والإخوان المسلمين ) إلى الإنسحاب من جولة الإعادة بعد التزوير الفاضح والتدخل الأمني السافروالغياب القضائي الكامل الذي شهدته الجولة الأولى والتي اسقطت فيها المعارضة بكاملها , حيث لم يستثن النظام أحدا يمكن احتسابه على المعارضة بأي درجة, كان جيدا ان انسحب الوفد والإخوان بعد ثبوت جريمة التزوير وبعد مئات الأحكام القضائية من مجلس الدولة ببطلان الانتخابات . الأحد 12/12 /2010 اجتمعت القوى السياسية في مظاهرة أمام دار القضاء العالي تنديدا بنتائج الانتخابات , نجحت المظاهرة في رسالتها الاحتجاجية التعبيرية بمشاركة كل التيارات , لكنها كانت أقل كثيراً من خطورة الحدث ومن ثم لم تصل الرسالة لمن كان يجب أن تصل إليهم لينتبهوا ان الأمر جلل . الإثنين 13/12 /2010 بمناسبة إنعقاد جلسة البرلمان الأولى تجمع العشرات من النواب السابقين امام مجلس الدولة وأقسموا القسم الدستوري تدشيناً منهم لما سموه بالبرلمان الشعبي , طالما أن البرلمان الرسمي صار فاقداً لمشروعيته السياسية والقانونية وكذلك لمصداقيته الجماهيرية , واستمرت اجتماعات للقوى السياسية لأخذ الفكرة ماخذ الجد وتحويلها لواقع ملموس , واضح أن الفكرة سببت إزعاجا كبيرا للنظام رغم تندر السيد الرئيس عليها, لكن هل تستمر المعارضة في الدفع بها للأمام على محمل الجد فتكون عنوانا للإشتباك السياسي والقانوني والجماهيري الذي يسعى لتعميق أزمة مشروعية البرلمان الرسمي الذي يدرك العالم أجمع أن اعضاءه اختارتهم وزارة الداخلية ولم تنتخبهم الجماهير, فيبقى البرلمان الشعبي عنوانا لهذه الأزمة لحين حل البرلمان الرسمي والدعوة لانتخابات جديدة بضمانات حقيقية ترتضيها القوى الوطنية , وتأتي الانتخابات السليمة بنواب حقيقيين يمثلون الشعب ولا يمثلون عليه. مستقبل التغيير في 2011 في الساعات الأولى من عام 2011 , وبعد سنوات طويلة من حراك التغيير , أجدني أتساءل مع كل المهمومين بشأن مستقبل هذا الوطن : هل ستبقى عقارب ساعة التغيير قادرة على الدوران للأمام أم سيأخذها القياصرة (والأكاسرة الجدد) عنوة ليجعلوها تدور للوراء ؟ وماذا نحن فاعلون ؟ هل نبقى في موقع المتفرجين؟ هل يعقل أن نبدد الفرصة بعد كل هذا المشوار وبعد أن تقاربت الحركة الوطنية ونضجت في عملها المشترك وصارت الجماهير اقدر على فهم مطالبها المحددة وبعد ان تحقق الفرز الوطني بهذا القدر من الوضوح ؟ ماذا إذاً يمكننا ان نفعل؟ لا أحب البكاء على اللبن المسكوب , ولكني أؤكد ان الحركة الوطنية والقوى السياسية بددت الكثير من الفرص خاصة في الموقف من تمديد الطواريء الأخير ثم انتهاكات ( انتخابات ) الشورى والشعب الأخيرتين , ربما لا تزال امامنا فرصة لتفعيل موقف رافض لنتائج انتخابات الشعب الأخيرة ( من خلال فكرة البرلمان الشعبي- ومن خلال الحراك القانوني والحقوقي الداخلي والخارجي لإبطال شرعية البرلمان الرسمي ) , ولا تزال الفترة الحالية -وحتى انتخابات الرئاسة القادمة بعد عدة أشهر- مناسبة لحراك جماهيري واسع من خلال كل آليات النضال (السلمي الدستوري) المتواصل الضاغط لانتزاع حقوقنا في ( انتخابات حرة سليمة- إنهاء حالة الطواريء- تعديلات دستورية عاجلة- وصولاً إلى حقنا في : ديمقراطية حقيقية- حريات عامة- عدالة اجتماعية – حياة كريمة ) . لدينا نقاط قوة متمثلة في ( عدالة مطالبنا- توحد القوى السياسية بمختلف تياراتها على حد متفق عليه من مطالب التغيير- نضج وعي شعبنا وجماهيرنا بعد معاينتهم لتجربة الانتخابات الأخيرة- الفرز الذي تم في مواقف القوى السياسية المختلفة – زيادة خصوم النظام والمتضررين من فساده حتى من بين أبنائه- توثيق جرائم الفساد والتزوير وتأكيدها بأحكام القضاء - وجود عدد غير قليل من النواب والمرشحين من مختلف التيارات لهم رصيد جماهيري كبير صاروا يشكلون حلقة تواصل بين النخبة والقواعد الجماهيرية ) . لدينا تهديدات ونقاط ضعف منها : 1- ( غياب أي دعم خارجي لقضايا الديمقراطية والحريات في المنطقة , بل ربما هناك مؤشرات من حولنا تؤكد وجود تحالفات مع الأنظمة المستبدة لصالح مشروعات إقليمية ودولية ليس من مصلحتها تنامي وتعالي أصوات المعارضة أوالمقاومة ), ومن هنا فلا بد ان تعتمد المعارضة على نفسها وثقة الشعب فيها. 2- نجاح النظام في توسيع كتلة المنتفعين به والمدافعين عنه من اجل مصالحهم ( أعضاء المجالس المحلية واعضاء الشورى والشعب فضلاً عن مديري ورؤساء وأعضاء إدارة المؤسسات والهيئات والشركات ...) . 3- ربما يحاول النظام في الفترة القادمة وبعد أن تخلص من كل عناصر المعارضة تبييض وجهه من خلال : تمثيل دور معارضة من داخله , ربما تصل إلى حد تكوين حزب من داخل الحزب لخداع الخارج بوجود معارضة , وربما يسعى لكسب مواقف جماهيرية من نحو إدخال المرافق المعطلة منذ سنوات للعشوائيات والتسامح في أنواع مختلفة من الغرامات والمخالفات . بقيت وقفة هامة مع معركة الرئاسة القادمة : وهل لا تزال المعارضة تملك فرصة فرض خيارات او حتى تعطيل خيارات ؟؟؟ . أظن ان الموقف الذي يمكن أن ينجح في تحقيق غايته هو تفعيل موقف شعبي برفض التوريث , ولكن ما أظن أنه لا يقل أهمية عن ذلك هو أن تحصل المعارضة قبل انتخابات الرئاسة على مكاسب سياسية وطنية مثل ( إنهاء الطواريء- تعديلات دستورية للمواد 76- 77 - 88 – تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية وحل البرلمان وإعادة الانتخابات البرلمانية – تعديل قانون النقابات وإنهاء الحراسات المضروبة عليها ....) أظن أن هذه اهداف ينبغي ألا نفشل في تحقيق ما امكن منها قبل سبتمبر 2011 , ولكن يبقى السؤال الحقيقي هل المعارضة المصرية جاهزة لدفع الثمن وتقديم التضحيات من اجل إنجاز التغيير ؟ هل يمكن ان تتحول المعارضة بقواها السياسية الرئيسية إلى معارضة حقيقية تستمر في النضال ( السلمي ) حتى الاستجابة لمطالبها, وليس مجرد وقفات احتجاجية تعبيرية يدرك النظام أنها فورة إعلامية لحظية سرعان ما ستنتهي ولا خطر منها فلماذا إذن يقدم لها تنازلات ويستجيب لمطالبها ؟ أظن ان هذا السؤال يحتاج للإجابة عليه من كل أطياف الحركة الوطنية ومن الاخوان المسلمين بصفة خاصة , فهم ( بقدر رسالتهم وثقة جماهيرهم فيهم) مطالبون أن يحملوا هم هذا الوطن ويشاركوا في تغيير واقعه , وهم ( بقدر حجمهم وتاريخهم ) قد يكونوا أقدر من غيرهم على دفع ثمن هذا التغيير, . ثم هم مطاردون مجبورون على دفع الأثمان على كل حال وهذا قدرهم وقدرهم هذه بعض الأفكار أردت طرحها للعمل بها والحوار حولها والزيادة عليها والخصم منها والتطوير فيها لعل عقارب الساعة تبقى تدور للأمام.