بينما كنت أتأهب لإرسال مسودة مقالٍ لي عن (المشهد الانتخابي في مصر) إذ شرعت كعادتي في مطالعة العدد الجديد من (صحيفة المصريون) فأثار انتباهي مقال للأستاذ (خالد عبد الله) –الذي آثر أن يَسِم نفسه ب (إعلامي مصري) وهو الذي يعرفه الناس كداعية، واختار للمقال عنوانا رمزيا هو (النسر والغربان) هاجم فيه (عمرو خالد) هجوما لا ينبغي أن يصدر عن شخصٍ –شاء كاتب هذه السطور أم أبى- محسوب على الدعوة والدعاة. والحقيقة أنني لست الآن بصدد الدفاع عن (عمرو خالد) ولا تشريح منهجه؛ ولكن أسلوب الأستاذ خالد أثار في نفسي كثيرًا من الشجون، ونكأ كثيرًا من الجروح، فقد رأيت كما رأى القراء جميعًا خروجًا عن أدب الحوار العلمي والصحفي والأدبي الهادف. وقد رأيت من الواجب عليَّ كقاريء لهذه الصحيفة الرصينة أن أُبين ما يلي: أولا: إن الاختلافَ سنةٌ كونيةٌ معروفة منذ خلق الله –عز وجل- السموات والأرض وحتى قيام الساعة، والاختلاف الفكري معلومٌ لدى كل من لديه ذرةٌ من فِكرٍ وسطيٍ، فقد اختلف الصحابة –رضي الله عنهم- في عصر النبوة؛ فلم يَنْصُب النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم المشانق، ولا عنَّفهم، ولا اتهمهم بالعمالة والولاء إلى الغير. ثانيا: أتفق مع الكاتب على أن (عمرو خالد) لا يمتلك من المقومات العلمية الكافية ما يجعلنا نضعه في مصافِّ العلماء؛ بل تنقصه كثير من الأساسات العلمية التي يرتكز عليها العلماء؛ ولكن الإنصاف يقتضي أن نقول إن (عمرو) قد نفى عن نفسه لقب (عالم)، ورفض أن يُسميه البعض (داعية)، بيد أن الإعلام هو الذي يُصر على إطلاق مثل هذه المُسمَّيات، ومهما كان الأمر فللرجل أن يمارس حقه في الدعوة والتبليغ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي وجَّه إلى المسلمين جميعا دعوة واضحة المعالم (بلغوا عني ولو آية)، فمن حق كل مسلم أن يُبلِّغَ الدعوة شريطة ألا يُنصِّب من نفسه إمامًا متبعًا، ولا مفتيًا يجعل من شخصه مرجعًا فقهيًا، وللحق فعمرو خالد كان أكثر إيجابية من غيره حيث خرج إلى ميدان العمل دون أن يكتفي بمجرد الكلام. ثالثا: عندما يتحوَّل أسلوب الحوار إلى النحو الذي رأينا في مقال الأستاذ خالد الذي بدأه مهاجمًا بقوله "...في موقف جديد يضاف إلى رصيده غير المحمود عاد الأستاذ عمرو خالد.."؛ فهذا مؤشر ليس بالجيد ولا بالصحي لما وصلت إليه حالة الحوار بين أناس محسوبين على الدعوة، وكان حريًا بالكاتب أن يتبع منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي من المفترض أنه يعمل وفق منهجه وعلى خطاه، ليناقش الرأي بالرأي، ويقرع الحجة بمثلها؛ ولأن يسلك المرء طريق الإقناع خير له من أن يسلك سبيل التهجم الذي ينأى بصاحبه عن الموضوعية العلمية، وما أجمل ما قاله الإمام الشافعي: تَعهدني بنُصحِك في انفرادٍ وجنبنيِ النصيحةَ في الجماعةْ فإن النُّصحَ بين الناسِ نَوْعٌ من التعييرِ لا أَرْضَىَ استماعهْ رابعا: هناك من القضايا التي تمر بها الأمة الإسلامية في أيامنا هذه ما يستحق الاهتمام بها لا أن نتفرغ لتصيد سقطات الناس، ولو اتبع كاتب هذه السطور وغيره منهجك يا أستاذ خالد لاستخرج من مقالك هذا عدة أخطاء لغوية ومنطقية وصحفية؛ ولكن ليس هذا هو المراد.. وأتذكرُ في هذا المقام يوم ظهرتَ مع (شوبير) في أحد برامجه التلفزيونية وتركتَ للسانك العنان لتصبَّ جامَّ غضبك على بعض اللاعبين وتسخرَ من مجرد أسمائهم (مثلا قولك عن اللاعب عمرو سماكة: لاعب اسمه سمكمك) وغيرها كثير مما لا يليق بداعية يجب عليه التحلي بمكارم الأخلاق، لا سَلْق الناس بألسنة حداد. خامسا: دعني في النهاية أكشف لك عن مفاجأة وهي أنني لا أتفق إطلاقا مع عمرو خالد في حادثة الأسكندرية التي جعل منها البعض ما يشبه (حادثة المنشية) أيام (عبد الناصر)، وأُقر بأنه قد جانبه الصواب في اختيار التوقيت المناسب لهذه المحاضرة، ومنتهى علمي أن الرجل لم يتطرق من قريب أو من بعيد إلى موضوع الانتخابات، ثم إن (المحجوب) نفسه لم يكن حاضرا وهو ما يخفَّف كثيرا من وطأة هذا الاتهام، وإنْ كنتُ قد آليتُ على نفسي أن أُهاتف الرجل لأنقل له رأيي هذا حسبةً لله تعالى؛ ولكني أُرجئه حتى تهدأ العاصفة، ولو كلَّف الأستاذ خالد نفسه مكالمة هاتفية لكان أفضل، ولو سوَّد مقالًا موضوعيًا لكان أوقع. وأخيرا؛ وليس آخرا.. أتمنى أن يتحلى دعاتنا بأخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- تاركين التهجم، متخففين قليلا من (الشو الإعلامي) الذي أضر كثيرا ببعضهم حين وجدوا أنفسهم في سلة واحدة مع مشاهير (الفن والكرة) .. فهل يستجيب الدعاة أم نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا؟!! • (كاتب وإعلامي مصري)