أستاذة علم نفس: مدح القيادات إما "رياءً" أو "حبًا زائدًا" أبو النصر: السيسي بالنسبة للبعض حلم لا يجوز المساس به إبراهيم: من المفترض أن يتخلص السيسي من المنافقين ويقرب إليه المشهود له بالكفاءة
كتب - حسن عاشور ورويدا خالد
"ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فأحكم فأنت الواحد القهار".. "اللي بيقول إن الرسول أشرف خلق الله.. أكيد ما شافش السيسي".. هكذا تحول مديح المصريين للفريق أول عبد الفتاح السيسي إلى تشويه للصورة الصافية الموجودة في أذهان المصريين عن السيسي، وهي استكمال للمد الزائد عن اللازم للحكام المصريين. ففي مقال له بجريدة الأخبار كتب أكرم السعدني، الكاتب الصحفي، مقالاً يمتدح فيه الفريق أول عبد الفتاح السيسي، قائلا "أما أنت سيدي الفريق أول عبد الفتاح السيسي فأسمح لي أن أعيد على أسماعك ما قاله أحد الشعراء للخليفة الحافظ وكانت البلاد تمر بظروف دقيقة ما شئت أنت.. لا ما شاءت الأقدار فأحكم فأنت الواحد القهار فكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار". وقد امتد المدح أيضًا إلى الوسط الفني فبعد أغاني الغزل وتصريحات الولاء والتمجيد التي تفنن فيها عدد من المطربين والمُمثلين المصريين في وصفهم للفريق عبد الفتاح السيسي، خرجت المطربة الشعبية بوسي والتي اشتركت في أوبريت تسلم الأيادي عن النص المعروف وأثارت الجدل في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحها الذي قالت فيه: "اللي بيقول إن الرسول أشرف خلق الله.. أكيد ما شافش السيسي"، تعبيرًا منها عن شدة إعجابها بشخصية الرجل الذي أطاح بالحكم الإخواني وعزل محمد مرسي من مقعد الرئاسة في مصر. وفي مقال بعنوان "يا سيسي انت تغمز بعينك بس!" وجهت الكاتبة المصرية بجريدة المصري اليوم غادة الشريف، دعوة إلى القائد العام للقوات المسلحة المصرية عبد الفتاح السيسي، ليختارها أو مَن يشاء من بنات مصر للزواج قائلة "بصراحة هو مش محتاج يدعو أو يأمر.. يكفيه أن يغمز بعينه بس.. أو حتى يبربش" .."ولو عايز يقفِل الأربع زوجات، إحنا تحت الطلب.. ولو عايزنا ملك اليمين، ما نغلاش عليه والله! ووصفت شعورها تجاه السيسي بالقول: "نعشق متحدثه العسكري القيمة السيما ويخرب بيت أي حد يزعله". وقد فسر علماء النفس مثل هذه الأفعال بأن مدح القيادات إما أن يكون رياءً من جانب الأشخاص أو حبًا زائدًا للقائد الموجود فيما اختلف المحللون السياسيون عن وجهة النظر هذه، فقد رأى السياسيون أن مثل هذه الأفعال تؤدي إلى صناعة رئيس غير ديمقراطي وتدفعه إلى أن يكون ديكتاتورًا. وفي إطار ذلك رصدت "المصريون" آراء المواطنين وعلماء النفس والمحللين السياسيين في تأثير هذا المدح على صورة الفريق السيسي في عيون المصريين بعد الشعبية الجارفة التي حققها بعد عزله للرئيس السابق محمد مرسي والإطاحة به من حكم مصر. في البداية يقول أحمد زين، مهندس كمبيوتر 28 سنة من منطقة عابدين بوسط البلد، إنه من الطبيعي والمعتاد أن تكون القاعدة العامة التي تحكم تصرفاتنا هي الوسطية ولكن للأسف هناك بعض الأشخاص يصابون بالتطرف ويبحثون عن كل ما هو غريب ربما لكونهم مرضى ولكن مثل هذه المجموعة قليلة وغير مؤثرة ولكن في نفس الوقت يجب الحذر منها حتى لا ينشرون أفكارهم المسمومة في المجتمع فيلوثون بها نفوس الناس. أما داليا يحيى 20 عامًا، طالبة بكلية آداب جامعة القاهرة، فتقول إن ما يقوم به بعض الأشخاص من مديح للفريق السيسي هذا من الممكن أن يصيبه بالغرور والثقة الزائدة في النفس وهذا ليس في مصلحة الشعب المصري فدائمًا ما نصنع الديكتاتورية بأيدينا. فيما يقول طارق عبد العظيم 45 عامًا يعمل في مبني الإذاعة والتليفزيون، إن فكرة تعظيم الحكام هي قديمة ومرتبطة بالمصريين ولنا من التاريخ عبرة، فعندما كان الرئيس الراحل أنور السادات تلتف حوله حاشيته ويضلونه عندما يسألهم عن الشعب فدائمًا يجيبونه بأن الأمن مستقر والأحوال تمضى على قدم وساق والشعب راضٍ عنك فكان لا يتخيل أن هناك مَن هو ناقم عليه وغاضب منه لذلك عندما قتل صرخ قائلا فى وجه قاتله "يا ولد لا تفعل وهو مندهش من ذلك"، وبالطبع هذا المدح الزائد عن حده ليس غريبًا علينا. أما محمود أبو الليل 42 سنة صاحب معرض موبيليات بمنطقة بولاق الدكرور، فيقول: "أنا غير راضٍ عن هذه الأفعال من مدح زائد عن اللازم للفريق السيسي بالرغم من تأييدي الشديد له، لأن هذا الكلام يخالف الشرع، خصوصًا أنه من الممكن أن أعبر عن رأي وتأيدي بدون مخالفة شرعية. أما محمود العريان 22 سنة طالب بالفرقة الرابعة بكلية حقوق جامعة عين شمس، فيقول إن مثل هذه الأفعال ستؤثر سلبًا على شعبية السيسى إذا علم الناس دينهم الصحيح لأن هناك ما يقوم به بعض الأشخاص ليس من الدين الإسلامي من حيث مدح الحكام بدرجة كبيرة تصل لمرحلة مساواة الحاكم بالأولياء والأنبياء. ولقد كان لأساتذة علم النفس رأي آخر في ذلك فتقول الدكتورة فيفيان أحمد فؤاد، أستاذة علم النفس بجامعة حلوان، إن مسألة مدح الأشخاص القيادية والتي تكون في بعض الأوقات زائدة عن الوضع المطلوب هي فى حقيقة الأمر إما رياءً من بعض الأشخاص لتحقيق مصالح خاصة مع بعض الأشخاص والقيادات وإما أن تكون نوعًا من الحب الزائد والشديد لهذا الشخص بسبب أفعاله وأعماله التى تخدم مصالحه. وتضيف "فؤاد" أنه في ظل ظروف الوضع الخاص في مصر الآن نجد أن المدح عبارة عن تبرير من أجل تمرير بعض المصالح المشتركة أو الحب الشديد فنجد أن الأبناء دائمًا يمدحون آباءهم والسبب في ذلك الحب الشديد لهم. وعن مدى تأثير المدح الزائد للقيادات السياسية والشعبية في تخفيض شعبية الفريق السيسي في الشارع المصري قالت أستاذة علم النفس إن المدح هنا يكون نسبيًا لأنه من الممكن أن نجده مدحًا زائدًا ولكن من وجهة نظر أخرى يلبي طموحات البعض في مدح ذلك الرجل. أما الدكتور صلاح هاشم، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفيوم فيقول إن الفريق السيسي حاليًا هو النموذج البطل الذي تبحث عنه مصر منذ نهاية عبد الناصر، ومصر تبحث عن شخصية النموذج البطل فمثل حالات الضعف والخنوع التي عاشتها مصر منذ 40 سنة كان المصريون يحتاجون لنموذج المخلص الأمين ليخلصهم من القمع الذي عاشته مصر منذ فترة، خصوصًا أن الشعب المصري افتقد الكرامة المصرية داخل مجتمعه وظل يبحث عن النموذج المخلص. وسواء اتفق المصريون على حكم الإخوان أو اختلفوا عليه فقد وجدوا أن السيسي هو البطل المخلص، وبالتالي بدءوا يطلقون عليه هذه الألقاب وهذا دليل لتوحد العقيدة الداخلية بأنه المخلص لمصر وهذا دليل عن أن هذه الشخصية صنعت من الداخل المصري. وأعتقد أن كل هذه المهاترات من مدح وغيره لا تقلل من شأن السيسي فهو موجود في ضمير هذا الشعب وإذا أرادوا أن يتخلصوا منه لابد أن يتخلصوا من ضمائر المصريين جميعًا. أما المحللون السياسيون فكان لهم رأي آخر، فيقول المهندس علاء أبو النصر، الأمين العام لحزب البناء والتنمية، إنه من الأعجب أن مَن قاموا بتمجيد السيسي في هذه الفترة هؤلاء لديهم ازدواجية في المعايير، ففي الوقت الذي يتلذذون فيه من هذا الجانب نجدهم يعيشون عيشة الفارس الحر على مَن أعطاهم الحرية ومن أمثال هذه الفئة تجد باسم يوسف حينما كان في عهد الرئيس السابق محمد مرسى سلط برنامجه للسخرية والاستهزاء منه وكان يدعي وقتها أنها حرية الرأي والتعبير والغريب أن كثيرًا من الناس كانوا يؤيدونه ويرون أنها حرية رأى بينما عندما جاء الفريق السيسي اختلفت الأمور رأسًا على عقب، ومن حلقة قامت الدنيا ولم تهدأ فالذين كانوا يشاهدون حلقات باسم يوسف في أيام الرئيس السابق محمد مرسي على أنها إبداع أصبحوا يطالبونه بالكف عن نقد السيسى لأن هذا تجاوز وخروج عن النص وتحطيم لأحلامهم، وذلك لأن السيسى بالنسبة إليهم حلم لا يجوز المساس به. فيما يقول الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي السابق فى الجماعة الإسلامية، إن هؤلاء المداحين يضرون الفريق السيسي أكثر من نفعه ويسيئون إليه ولا يحسنون إليه، ومن المفترض أن يتخلص السيسي من المنافقين ويقرب إليه المشهود لهم بالصلاح والذين يحثونه على الخير، أما الفئة المضللة له فلابد أن يبعدهم عنه وأظنه سيدرك ذلك بعد أن يختبرهم. ويضيف إبراهيم أن أي إفراط في حق شخص سيضر أصحابه ويضر الذي يفرط فيه ومصر الآن تعيش حالة بين الإفراط والتفريط، فالشعب المصري إما أن يمدح شخصًا ما في كل كبيرة وصغيرة له وإما أن يذم فيه ويبغض كل أفعاله وهذا ما يحدث مع السيسى فهناك أشخاص تمدحه وأشخاص آخرون يذمونه فمصر ضاعت فيها الوسطية وأصبح الجميع ما بين الإفراط والتفريط.