جمال سلطان لم يمض سوى سواد الليل على تصريحات الرئيس مبارك التي تخلى فيها عن وعوده بإلغاء حالة الطوارئ ، وهي التصريحات التي قال فيها أن البلد مستهدف ولا يمكن إلغاء الطوارئ الآن ، سواد الليل فقط ، حتى أصدرت وزارة الداخلية في الصباح الباكر بيانها الجميل عن تنظيم إرهابي جديد ، جمعت فيه كل موبقات الإرهاب وجرائمه ، فهو يخطط لتسفير مقاتلين للخارج ، وأيضا يخطط لضرب منشآت نفطية ، وأيضا يخطط لضرب منشآت سياحية ، وأيضا يخطط لتصفية رجال دين مسلمين ومسيحيين ، شوف ازاي ، بيان الداخلية تحدث عن الزعيم الغضنفر للتنظيم الجديد الذي من الواضح أنه ينافس تنظيم القاعدة نفسه في عظم مخططاته وإمكانياته ، فلم يفت البيان أن يذكر أن زعيم التنظيم ، وهو طالب في كلية الآداب يكني "أبو مصعب" ، وهذا الطالب المغمور الذي يسمع الناس باسمه للمرة الأولى لم أفهم على الإطلاق معنى لحرص وزارة الداخلية على ذكر كنيته في بيانها ، وكأنه نار على علم ، أو كأنه أبو مصعب الزرقاوي ، لكن لما اكتشفت أن الرجل من الزاوية الحمراء ، حسب البيان ، فوجدت أن لقبه "أبو مصعب الحمراوي" يكون أكثر قربا من الدلالة التي أرادتها الداخلية إذ تربطه لدى دوائر "مهمة" بأبو مصعب الزرقاوي ، لن يفرق اللون كثيرا ، لكن الكنية لها حضورها في المراصد الدولية ، طريقة الداخلية في ذكر الكنية تماثل اللافتات التي ترفعها المظاهرات في القاهرة والإسكندرية ومكتوبة باللغة الإنجليزية ، لأن الرسالة أصلا موجهة إلى الخارج وليس إلى الداخل ، منذ انتشار خبر هذا التنظيم ولم أصادف أحدا أعرفه أظهر ولو قدرا يسيرا من الاقتناع برواية الداخلية ، بطبيعة الحال لا أملك أن أكذب الرواية ولكني أسجل الملاحظات التي سمعتها وأيضا لاحظتها ، كما أن الناس أصبحت تردد مقولة أن الكشف عن التنظيمات الإرهابية أصبح له مواسم متطابقة تماما مع مواسم تجديد قانون الطوارئ ، وهي مسألة تحتاج إلى تفسير فعلا ، لكن الذي حدث في واقعة تنظيم "أبو مصعب الحمراوي" كانت فجة للغاية ، ليس فقط لأنها في المحصلة تشكيل وهمي لعشرين صبيا يلهون على الإنترنت بخيالات تجول في أذهانهم ، لكن أيضا لأنها أتت مباشرة في صباح اليوم التالي الذي تحدث فيه الرئيس عن نيته تجديد حالة الطوارئ بسبب مخاطر الإرهاب ، رغم أن البلد لم يعرف أعمالا إرهابية منذ عشر سنوات تقريبا ، سوى تنظيم بمب الأطفال في الأزهر والذي امتلأت قصته بعلامات استفهام كبيرة ما زالت لم تجد إجاباتها حتى الآن ، وبعض أعمال عنف لها طابع خاص في سيناء ، ورغم أن أبرز التنظيمات التي تبنت العنف وهما تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية أعلنا التخلي نهائيا عن فكرة العنف ، ونشروا مؤلفات فكرية وعلمية ترسخ هذا المعنى ، وقبل أن يتساءل الناس عن هذه المخاطر الوهمية التي يتحدث عنها الرئيس مبارك ، صدر البيان في الصباح ، .. كله تمام يا ريس ! [email protected]