الإطلالة الجديدة لباسم يوسف كانت جيدة، وموفقة، ولم يخذل فيها القيمة الأساسية للبرنامج، وهي حرية الرأي والتعبير بلا سقف في ظل السلطة الجديدة، خصوصًا أن نجاح البرنامج قائم بالأساس على النقد الساخر للسلطة وخطابها ومواقفها وسلوكها أكثر من المعارضة التي لا تملك أدوات الحكم، فما بالنا إذا كانت سلطة غير منتخبة، وتحكم في ظل أوضاع مخضبة بالدماء والعنف والإرهاب وحالة خوف عام من ممارسات ضد الحرية الواسعة التي تحققت بعد 25 يناير. هذه العودة من باسم ردت بشكل عملي على نقطتين. الأولى: أن البرنامج مستمر، ولم يكن يستهدف مرسي، والإخوان فقط لينتهي دوره بعد الخلاص منهم. الثانية: أن باسم كسب رهان من قالوا إنه لن يجرؤ على السخرية من أركان السلطة، وأن ما فعله مع مرسي لن يستطيع فعله مع منصور والسيسي والببلاوي، لكنه انتقد وسخر من الجميع، وأسعد الملايين في مصر وخارجها، وجعلهم يفكرون، وجعل غيرهم ربما يعيدون تقييم مواقفهم وقناعاتهم. ما قيمة تلك الحلقة وهذا البرنامج؟!. أولاً: أتمنى استمرارية الحلقات التالية بنفس قوة وزخم الحلقة الأولى، كما أتمنى ألا ينشط المنافقون والانتهازيون والمزايدون والضعفاء في السياسة والإعلام والأحزاب للتحريض ضد باسم ووقف مسيرة هذا الصوت المعتدل المتوازن، فقد خرج بعضهم سريعًا يهاجمونه ويلعبون على وتر الجيش بأنه يضعف الروح المعنوية له، وما شاهدته أنه لم يقترب من الجيش كمؤسسة لها كامل الاحترام والتوقير، لكنه عندما يتحدث بلطف عن الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع فلا يعني ذلك أنه يهين الجيش، ثم إنه لم يسخر من السيسي مباشرة، إنما من ممارسات من يزايدون عليه، ويقومون بأفعال وتصرفات ليست في صالحه، بل تجلب الضرر له على المدى البعيد، فهل يُعقل أن يستدعي أحدهم أبياتًا من شاعر قديم مخبول يقول فيها: احكم فأنت الواحد القهار، مثل هذه العبارة المأخوذة من آية قرآنية تؤثر على السيسي في الوجدان الشعبي المصري المتدين، ليس من مصلحته التأليه وتنصيبه فرعونَ والتعظيم المبالغ فيه كما قال باسم لأننا بذلك نعود إلى تقديس الحاكم وكأنه لا ثورة قامت ولا تغيير حصل أو سيحصل. لأول مرة نرى برنامجًا على فضائية رسمية أو خاصة يتعامل مع السيسي بعد بروزه القوي على الساحة على أنه بشر من لحم ودم وليس إلهًا أو نصف إله وأن هناك من يمكن أن يتجرأ وينتقده ولو بلطف وفي فضائية تدعو له وتدعمه، وهذا لمصلحة السيسي إذا كان راغبًا أن يكون رئيسًا بشرًا، وليس ملكًا إلهًا حيث يمكن هنا محاورته والاتفاق أو الاختلاف معه والإشادة به أو نقده باعتباره مسؤولاً يخطئ ويصيب، وليس لكونه منزهًا عن الخطأ كما يروج البعض عنه حيث يضرونه من حيث يريدون مديحه. أمس جعلنا باسم نطمئن إلى حد ما على قيمة الحرية بعد 25 يناير و30 يونيو، وإذا كانت هناك ممارسات بعد هذين التاريخين أثرتا أو هددتا الحرية فإن نجاح باسم في قول ما قاله وهو مطمئن وواثق من نفسه يجعلنا ندرك أنه صار صعبًا بل مستحيلاً على أي حاكم أو سلطة أن تعصف بالحرية، ومهما طبل المطبلون فإنه قد تشكل تيارًا في مصر غير مستعد للتفريط في تلك القيمة التي تروى بدماء كثيرة منذ 25 يناير، وأعتقد أن سجن الخوف قد زال تمامًا. لقد نمت شبه مطمئن إلى أن الصوت الواحد والخطاب الواحد لا يمكن أن يدوم طويلاً في مصر بعد 30 يونيو، وهذه الأحادية ليست في مصلحة مصر الجديدة، فقد دشن باسم صوتاً مغايرًا ينتقد أداء الإخوان والسلطة ويخرج من بينهما بموقف يعكس الحقيقة المجردة من الهوى أو الهدف دون فاشية دينية، أو فاشية باسم الوطنية والأمن القومي، ودون تكفير ديني، أو تكفير وطني، ودون اتهامات بالعنف والإرهاب، أو بالعمالة والتخوين والانتماء للطابور الخامس. لأول مرة منذ 30 يونيو يكون هناك حضور للطرف المغيب المتهم دومًا بكل الكوارث في استباق لأحكام القضاء النزيه، فالإخوان يتعرضون لهجوم ساحق، وحرب لا هوادة فيها، وصوتهم مختفٍ تمامًا من الإعلام، ولذلك عندما يخرج باسم ويتحدث عنهم بلغة نقدية مسؤولة ثم يتوازن ويتحدث عن السلطة التي تواجههم بلغة مسؤولة أيضًا فأعتقد أنه بذلك يحقق فكرة العدالة في الإعلام المفتقدة حاليا في أكثر البرامج مشاهدة على الإطلاق، وهذا الميزان الدقيق يمسك به إعلامي لا يمكن لأحد الادعاء بأنه منحاز للإخوان، بل كان قاطرة الإعلام لضرب مرسي في الصميم وهز هيبته والسخرية منه، وتأثيره وحده كان يعادل تأثير جبهة الإنقاذ مثلاً نحو عشر مرات، كما يصعب التشكيك في نواياه، لأنه أحد صناع 30 يونيو البارزين. لذلك أقول إن الإخوان أكثر المستفيدين من حلقة الأمس ومن ذلك البرنامج إذا سار على هذا النهج ولم يتعرض للتخويف والترويع وتخفيض سقف حريته، بل من مصلحة السلطة أن تمنحه الحرية الكاملة لأنه سيكون شهادة لها داخليًا وخارجيًا بأنها ليست ضد حرية الرأي والتعبير، وأنها ليست سلطة قمع، ولا تنوي العودة إلى الزمن السابق، كما أن البرنامج يمكن أن يهدئ من الاحتقان بين الطرفين المتصارعين بتفريغ شحنات الغضب والكراهية ليساهم في إعادة التوازن والتفاهم السياسي والاجتماعي شيئًا فشيئًا، وهنا تبرز أهمية أن يراجع الإخوان مسيرتهم خلال العامين الماضيين ليقفوا على تجاوزاتهم وأخطائهم وأن يدركوا الواقع الجديد ويمدوا أياديهم للمصالحة والعودة للمجتمع . من أهم ما تضمنته الحلقة أنها فضحت نوعًا من الإعلاميين الذين آن لهم أن يتواروا من حمرة الخجل وعلى رأسهم توفيق عكاشة ورولا خرسا فقد جاء لهم باسم وبألسنتهم ما يؤكد أنهم كاذبون، وكشف نفاق نوع ثانٍ من الإعلاميين المدعين وعلى رأسهم أحمد موسى وهالة سرحان وغيرهم، كما كشف ضعف وتهافت نوع ثالث من الإعلاميين ومنهم محمود سعد الذي لا يقول عبارة واحدة مفيدة وموزونة. باسم عبر عن التيار الغالب في الشعب المصري وهو التيار الوسطي المعتدل الذي يرفض مسار العنف من جماعات سياسية ودينية، كما يرفض القمع من جهات رسمية، تيار ينبذ النفاق لصاحب السلطة، ولا يعادي من يختلف معه لمجرد العداء، ولا يشكك في العقيدة الدينية أو السياسية لأحد، بل يعمل بإخلاص من أجل الوطن، ورفعة الوطن فقط. هذا مجرد رأي أولي قد يتغير حسب مسارات "البرنامج" في الحلقات التالية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.