الكنيسة الأرثوذكسية في مصر، تغلي من داخلها، ومنقسمة إلى فصائل وأجنحة تتصارع على "تورتة" الخلافة.. بعضها يكتسب "شرعيته" من أجندة تنظيم الأمة القبطية المتطرف، والذي استولى على أوعية وقنوات صوغ الرأي العام القبطي منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وبعضها يراهن على الاستياء العام داخل الجماعة القبطية من التطرف الأرثوذكسي الرسمي، والذي خلف مآسي إنسانية كبيرة افضت إلى اتساع دائرة التحول إلى ملل وديانات أخرى، وإلى صدامات طائفية لم يشهدها المجتمع المصري، قبل استلام التيار الشنودي مهمة إدارة الكنيسة، وهو رهان يعتمد أيضا على قلق أجهزة سيادية بالدولة من انتصار القوى المتطرفة على تيار الاعتدال في اليوم التالي من خلو المقعد البابوي في أية لحظة. وعلى أية حال فإن الوضع داخل الكنيسة ينبئ بوجود حالة تذمر خفية ونفاذ صبر دفين واتجاه متنام نحو الرغبة في التمرد على من وضعوا الاقباط في هذه المحن الانسانية والطائفية بشكل أحالهم إلى جماعة مثيرة للشك والريبة ومنفصلة عن الجماعة الوطنية المصرية، ولعل بعض الحوادث التي تعرضت لها الكنيسة في الفترة الأخيرة، تحتاج فعلا إلى إعادة قراءة لاستشراف مآلات الوضع الذي صنعه التطرف الكنسي الأرثوذكسي والذي بلغ ذروته هذه الأيام على سبيل المثال شهدت كاتدرائية العباسية يوم 3 يوليو 2009حدثا كبيرا ولافتا، سواء في معناه ودلالته، أو في تفاصيله التي نقلتها بعض الصحف، القريبة من الكنيسة، وبعضها ممول بالكامل من المال الطائفي.. وذلك عندما أقال البابا شنودة لأسباب غير معروفة واحدا من أكثر كهنة الصعيد شعبية، وهو القمص "بولا فؤاد" كاهن كنيسة "الشهيدة دميانة" ببنى منصور بسوهاج.. وتجريده من رتبته الكهنوتية، وإلغاء أسمه الديني، ورده إلى اسمه العلماني، "ميخائيل فؤاد نخلة"، وحذر الأقباط من التعامل معه بصفته الكنسية، مهددا كل من "يخالف أمره" بأنه سيكون قد "وضع نفسه تحت طائلة القانون"! على إثر ذلك تجمهرت حشود غفيرة من محبي "الكاهن" المضطهد ، في كاتدرائية العباسية، بقيادة عدد من الكهنة وتلاميذ القمص بولا، رافعين لافتات منددة بالقرار ولأول مرة يعلنون "غياب عصر العدل بعد غياب البابا كيرلس"! الأقباط المتظاهرون هددوا بالإضراب عن الطعام، واللجوء إلى "إجراءات عنيفة" مثل تطويق الكاتدرائية ومنع البابا شنودة نفسه من الخروج، إذا أصر على قراره ب"شلح" كاهنهم الذي يعتقدون أنه ضحية "مؤامرة" حيكت خلف أسوار الكنيسة القلاعية. الحادث بلا شك شديد الغرابة، وربما كان "صادما" للرأي العام القبطي، والذي لا يرى في الكنيسة إلا ما تريد تصديره له، فيما تخفي عنه حقيقة الأوضاع المتوترة بداخلها، واقتسام سلطة البابا المريض، بين رجال "الأكليروس" الأقوياء والطامعين في اعتلاء الكرسي البابوي من بعده. لأول مرة يتظاهر عوام الأقباط وكهنة كنائس "الهامش"، ضد الكنيسة الأم وضد البابا "الأسطوري" نفسه، والتهديد ب"تحديد إقامته" داخل الكاتدرائية، إذا لم ينزل عند مطالبهم! في التفاصيل، وقعت أحداث، حملت بين تلافيفها، ما يعزز من التسريبات التي تكلمت عن "الانقلاب السري" داخل الكاتدرائية، و"اختطاف" سلطة البابا من "مراكز القوى" داخل الكنيسة، إذ اختفى البابا من صدارة المشهد في ذلك الوقت رغم خطورته، فيما تصدى آخرون للمتظاهرين، بدعوى أن البابا مريض وأن قرار شلح كاهن كنيسة "الشهيدة دميانة"، صدر بعد دراسة وافية من البابا "الحكيم"! في التفاصيل أيضا.. ما يروع الرأي العام ويخيفه، فالبابا يعتبر كل من يعترض على "قرار الشلح" واقعا تحت طائلة القانون! ليتساءل المراقب: أي قانون؟! .. قانون الدولة الرسمية أم قانون دولة الكنيسة؟!.. إنه تعبير يحتاج إلى تفسير لأن الأمر جد خطير! لم تنته التفاصيل عند هذا الحد، لقد نقلت الصحف "الخطط الأمنية" التي لجأت إليها الكنيسة لتطويق الأزمة وكما ورد بالنص في صحيفة خاصة قريبة من الكنيسة ماليا بأن الكنيسة و بالنص " قامت بتقسيم مبانيها إلى قطاعات ليسهل فصل أماكن التجمهر عن باقي الأجزاء، ولضمان منع المتظاهرين من الوصول إلى القصر البابوي، إضافة إلى مضاعفة أعداد أفراد الأمن لمنع أي خروج من المتظاهرين" إن هذه الإجراءات لا يمكن أن تقوم بها إلا "دولة" تتمتع ب"خبرات أمنية" ولا يضعها إلا "جنرالات " محترفون.. فيما لا ندري ما إذا كانت هذه الإجراءات تولت التخطيط لها وتنفيذها، الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، أم أنها "فرق الكشافة" التابعة للكنيسة؟!.. فضلا عما ذكرته الصحيفة بأن الإجراءات حرصت على منع المتظاهرين من الوصول إلى ما وصفته ب"القصر البابوي" وهو تعبير خطير في دلالته. الحدث إذن بالغ الخطورة، سواء فيما يتعلق بالأوضاع داخل الكنيسة ذاتها، أو فيما كشف عنه من تفاصيل تضع علاقة الكنيسة بالدولة موضع التساؤل مجددا. وللحديث بقية إلى شاء الله تعالى sultan@almesryoon