واضح تماماً أن أطرافا مختلفة قد عقدت تحالفاً غير معلن لإفشال الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية. وبات جلياً أن أطراف هذا التحالف تخطط للدفع باتجاه إسقاط حكومة حماس انطلاقاً من دوافع متباينة. دوائر صنع القرار في الدولة العبرية ترى أن خطورة نجاح حكومة حماس تكمن في حقيقة أنها تعيد الدولة العبرية إلى المربع الأول من حيت افتقاد إسرائيل الشرعية في نظر الرأي العام الفلسطيني والعربي. ولا خلاف داخل إسرائيل على أن نجاح حكومة حماس يعني القضاء على أي إمكانية لتسليم الفلسطينيين بوجود دولة الاحتلال، مع كل ما يعنيه ذلك من مواصلة الشعب الفلسطيني لمقاومته ضد الدولة العبرية، كما يعبر عن ذلك صراحة رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية العامة "الشاباك" (يوفال ديسكين). لذا فقد مثل قرار الحكومة الإسرائيلية سحب بطاقات الهوية وتصاريح الإقامة من وزراء ونواب حركة حماس في مدينة القدسالمحتلة بداية حملة إسرائيلية منظمة ضد الحكومة الفلسطينية بقيادة إسماعيل هنية. وتهدف الحملة بشكل واضح إلى إحباط حكومة حماس ودفعها للاستقالة. وضمن هذه الحملة شرعت الدولة العبرية في شن حملة "السهم الجنوبي" العسكرية ضد قطاع غزة، الهادفة إلى استدراج حركة وحكومة حماس إلى مواجهة مع دولة الاحتلال، بحيث تتحكم تل أبيب في شروط هذه المواجهة. وكما يؤكد قادة جيش الاحتلال فإن هذه الحملة تهدف إلى إخراج حكومة حماس من حالة اللامبالاة ، إزاء تواصل إطلاق الصواريخ على المستوطنات اليهودية ، الواقعة في منطقة النقب انطلاقاً من قطاع غزة، فإما أن تنضم حركة حماس إلى حركات المقاومة في الرد على العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، فتقدم بذلك المسوّغ لدولة الاحتلال ليس فقط لاستهداف قادة الحركة، بل ممثليها في الحكومة والبرلمان. وفي حال لم ترد حماس، فإن الدولة العبرية تفترض أن ذلك سيحرجها في الشارع الفلسطيني بشكل واضح، مع العلم أن تل أبيب تستبعد أن تنجح حماس في التوصل لاتفاق مع بقية الفصائل حول شكل المقاومة في المرحلة الحالية. واضح تماماً أن إسرائيل تتخذ عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة ذريعة لتسويغ مواصلة حملتها العسكرية على السلطة الفلسطينية. الخطير المستجد في التوجهات الإسرائيلية إزاء الحكومة الفلسطينية هو أن قيادة جيش الاحتلال ومخابراته تعكف على سيناريوهات عملية لتصفية وزراء ونواب حركة حماس، ليس هذا فحسب بل إن هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن هناك توصيات بتصفية " إسماعيل هنية" نفسه. وقد أعد الإسرائيليون التسويغات الإعلامية لمثل هذا التصعيد غير المسبوق؛ إذ يشدّدون على أن رفض حكومة حماس العمل ضد مطلقي الصواريخ يعني أن هذه الحكومة ترعى "الإرهاب". ويدّعي قادة الاحتلال أن تعليقات حركة حماس وحكومتها على العملية الاستشهادية التي نفذتها حركة "الجهاد" مؤخراً في تل أبيب لا تدع مجالاً للتردّد في التعامل مع هذه الحكومة كحكومة "إرهابية" بكل ما تعني هذه الكلمة. وإلى جانب الحملة الإسرائيلية واضحة المعالم، فإن الولاياتالمتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي ترى في قطع المساعدات عن السلطة طريقاً لإسقاط الحكومة الحالية. وتلعب معظم الدول العربية - وخاصة بعض دول الجوار - دوراً مباشراً أو غير مباشر في العمل على إسقاط حكومة حماس؛ إذ إنه باستثناء دولة واحدة، فإن جميع الدول العربية لم تف بالتزاماتها المالية تجاه السلطة حتى الآن ، والتي قررها مؤتمر القمة العربية الأخير في السودان. وتشارك عدد من الدول العربية في المقاطعة الدبلوماسية على الحكومة الفلسطينية عبر الاعتذار عن لقاء وزرائها وممثليها، أو عن طريق فبركة الاتهامات ضد حماس من أجل تسويغ مقاطعة حكومتها. لكن -ومما لا شك فيه- أن أخطر محاولات إفشال الحكومة الفلسطينية تنطلق من الداخل الفلسطيني، لاسيما قرارات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي تضمنت سحب المزيد من الصلاحيات من الحكومة الفلسطينية ، وتحويلها إلى مؤسسة الرئاسة، الأمر الذي يعني أن الحكومة لن تجد عملياً ما تفعله، وفي نفس الوقت يتم تحميلها المسؤولية عن الوفاء بكل الالتزامات والتعهدات. واضح تماماً أنه في حال ظلت الأمور على هذا النحو، وفي حال لم يحدث اختراق، لاسيما على صعيد الموقف العربي والإسلامي من الحكومة الفلسطينية، فإن هناك احتمالاً أن تخفق فعلاً هذه الحكومة وتسقط في النهاية. لكن ماذا سيحدث إذن؟ هل سيحقق المتربصون بالحكومة الفلسطينية المنتخبة رهاناتهم؟ إن نظرة متفحصة لعواقب مثل هذا السيناريو تؤكد أن عواقبه ستكون وخيمة على كل من ساهم فيه، وذلك للأسباب الآتية: 1- سقوط حكومة حماس تحت ظل الضغط الإسرائيلي الأمريكي والتواطؤ الداخلي والعربي ، لن يزيد حركة حماس إلا شعبية، وفي نفس الوقت سينظر الفلسطينيون إلى الذين ساهموا في إسقاط حكومتهم المنتخبة كشريك للاحتلال في المؤامرة، ولن يسمح الجمهور الفلسطيني بعودة أولئك للحكم في السلطة مجدداً. 2- من شبه المؤكد أن يؤدي إسقاط الحكومة الفلسطينية الحالية إلى انهيار السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يعني أن العالم سينظر إلى إسرائيل مجدداً كمسؤولة عن كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية، وستتحمل الدولة العبرية بحكم القانون الدولي تبعات الوضع الاقتصادي المتدهور. ولعل العديد من الباحثين الصهاينة قد حذروا حكومتهم من مغبة مواصلة التآمر لإسقاط حكومة حماس خوفاً من تحقق هذا السيناريو. 3- واضح تماماً أن سقوط السلطة وانتشار الفوضى سيؤثر سلباً على العديد من الدول العربية المجاورة، التي ساهمت عملياً في التوصل إلى هذا الوضع. 4- سيؤدي إسقاط الحكومة إلى إسدال الستار على أي فرصة لاستئناف التسوية مع دولة الاحتلال، وفي نفس الوقت لن تجد الدولة العبرية أي طرف فلسطيني يمكن أن يوافق على التنسيق معها في تنفيذ الخطوات أحادية الجانب ، التي تخطط للقيام بها في ظل حكومة أولمرت القادمة. 5- مما لا شك فيه أن إسقاط الحكومة يعني إعادة الزخم للعمل المقاوم ضد الاحتلال، ليس فقط لأن حركة حماس ستستأنف عملياتها، بل لأن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين ستصل إلى قناعة مفادها أنه لم يعد ثمة طائل من أي صورة من صور العمل السياسي. المصدر : الاسلام اليوم