ظني أن القرار الذي أصدره الرئيس مبارك منذ أيام بطرح أراضي الدولة بنظام حق الإنتفاع هو من أهم القرارات الصادرة خلال فترة حكمه..لأنه ولأول مرة يتم تحديد سياسة واحدة تتعامل بها الحكومة مع ثروة المصريين والأجيال القادمة من الأراضي..بعد أن تعاملت حكوماتنا منذ الثمانينات وحتي الآن بسياسات اتسمت بالرعونة والاستغلال والاستهتار مع أرض الدولة..ورغم ايجابية القرار الرئاسي لكنه صدر متأخرا بعد أن تم النهب المنظم والمقنن لأراضي مصر وبعد أن باعت الحكومة القطاع العام وأراضيه بثمن بخس دون استثناء فتم البيع للعرب والأجانب. يهدف القرار الرئاسي الي إلغاء سياسة بيع أراضي الدولة وتطبيق سياسة حق الانتفاع بدلا منها..بعبارة أخري فإن كل من يرغب في الحصول علي قطعة أرض (مواطن أو شركة أو مستثمر) فسوف تمنحها له الحكومة كحق انتفاع مدته 49عاما..ولم تمض ساعات علي صدور القرار الرئاسي حتي أعلن بعض المنتفعين المتضررين من القرار أنه سوف يؤثر علي الاستثمار في قطاع العقارات. أبدي المعترضون تحفظهم علي القرار بسبب ثقافة المصريين التي تميل الي تملك العقار وتوريثه الي الأولاد والأحفاد..بينما سيمنح القرار الجديد أرض البناء لشركات الإستثمار العقاري للإنتفاع بها لمدة محددة..مما سيؤدي الي عدم إقبال المواطنين علي شراء تلك العقارات..كما أن القرار الأخير سيدفع أسعار العقارات والأراضي المتاحة حاليا بحوزة الشركات والمواطنين الي الإرتفاع لإمكانية تملكها وتوريثها..مقارنة بالأراضي الجديدة التي ستطرحها الدولة كحق انتفاع..ورغم وجاهة هذا المنطق في ظاهره لكن يمكن الرد عليه بالآتي: 1-تطرح وزارة الأوقاف وحداتها السكنية كحق انتفاع وتظل الوحدة السكنية بحوزة المالك حتي نهاية عمر العقار ورغم ذلك فإن إقبال المواطنين علي شراء شقق الأوقاف لم يتوقف. 2-سوف تحصل الشركات العقارية علي أراضي البناء كحق انتفاع بأسعار رمزية..مما سيؤدي الي تخفيض سعر الوحدة بمقدار النصف علي أقل تقدير حيث يساهم سعر الأرض بحوالي خمسين بالمائة من إجمالي سعر الوحدة..ومن ثم فإن المواطن سيكون أمامه فرصة الحصول علي وحدة سكنية لمدة 49سنة وبأسعار منخفضة للغاية وليست بالأسعار المليونية التي نراها الآن. 3-الخوف هو أن تستمر سياسة التسعير الإجرامية التي تتبعها الشركات العقارية حاليا..عندما تبيع الشقق المقامة علي أراضي حق الانتفاع بنفس الأسعار التي تبيع بها حاليا..والخوف مرجعه هو ماجري في مشروع مبارك لإسكان الشباب عندما حصلت الشركات العقارية علي متر الأرض غير الممرفق بعشرة جنيهات وسبعين جنيها للمتر الممرفق حتي تبيع للشباب محدودي الدخل شقق المشروع بأسعار معقولة..فإنتهي الأمر الي بيع الشقة مساحة 63متر نصف تشطيب بمائة وعشرون ألف جنيه نقدا أو بالتقسيط بفائدة 7% سنويا. لذا فإن القرار الرئاسي الأخير يتطلب ضرورة وضع عدد من الضوابط المنظمة له مثل عدم جواز بيع الأراضي الزراعية بهدف البناء..وعدم جواز البيع للعرب والأجانب (السعودية لاتتيح حق التملك للعرب والأجانب)..كما يمكن للدولة بيع مساحات من الأراضي للمواطنين بنظام التملك علي أن ينص العقد بعدم جواز البيع لغير المصريين لحصر ثروات المصريين فيما بينهم..كما يتطلب القرار الرئاسي عدم غض الطرف عما جري من نهب منظم لأراضي مصر خلال العقود الثلاث الماضية بل يجب فتح هذا الملف بمعرفة النائب العام. قرار الرئيس مجرد خطوة أولي في الطريق الصحيح شريطة أن تتبعه قرارات أخري.