أكثر ما يجب أن يشد الانتباه في قرار الرئيس حسني مبارك بشأن أرض فندق توت آمون بأسوان، ليس هو التوجيه الذي أصدره بسحب الأرض البالغ مساحتها 832 فداناً من شركة خاصة اشترتها بسعر بخس وسددت 01٪ فقط من ثمنها، وليست هي أوامر الرئيس بإعادة طرح الأرض والفندق بالمزاد العلني، إنما هو تشديده الواضح بعدم بيع الأرض وأن تطرح بنظام حق الانتفاع لمدة 94 سنة. قرار الرئيس مبارك ينبغي أن يؤخذ في إطاره الأعم والأشمل، فالقرار لا يصحح مسار واقعة أو يزيل أسباب مخالفة فحسب، بل هو في ظني يرسم سياسة جديدة، لابد أن تتبعها الحكومة عند التصرف في الأراضي المملوكة للدولة. لن تكون بدعة ننفرد بها، لو انتهجنا نظام حق الانتفاع المؤقت. علي سبيل المثال.. روسيا التي انقلبت في التسعينيات من النظام الشيوعي إلي نظام اقتصاد السوق الحرة بين عشية وضحاها وباعت حكومتها في عهد يلتسين ما يباع وما لا يمكن أن يباع، ظلت تحتفظ بملكية أراضي الشركات والفنادق والمصانع والمنشآت التي جرت خصخصتها. وأذكر أنني في زيارتي لموسكو منذ 3 سنوات، سألت مسئولاً روسياً عن سر القرار، فرد قائلاً ببساطة: »لأن الأرض لابد أن تبقي مملوكة لكل الشعب الروسي من أبناء هذا الجيل والأجيال المقبلة، وليس من العدل أن نجعلها حكراً علي مجموعة من الأسر يتوارثها أبناؤها دون غيرهم ولا تستطيع الدولة الاستفادة منها للأبد«. وعندنا في مصر حدث في السنوات الماضية إفراط في بيع مساحات ضخمة من أراضي الدولة بالعاصمة والمحافظات لأشخاص وشركات خاصة، بأسعار منخفضة، وما لبثت الأسعار أن اشتعلت، فأثري ملاك هذه الأراضي من إعادة بيعها بعد تصقيعها ثراء فاحشاً. علي أن نظام حق الانتفاع المؤقت له مزايا أخري بجانب حفظ أملاك الدولة وضمان حقوق الأجيال القادمة، فهو يشجع أيضاً علي خفض تكلفة المشروعات الصناعية والسكنية، ويمنع التلكؤ في استصلاح المساحات الضخمة بالمشروعات الزراعية الكبري علي النحو الحادث في مشروع توشكي. الأهم أن هذا النظام يسد الباب ويغلق الصنابير أمام تقديم العطايا والإقطاعيات التي كانت تمنح للمقربين والمحظوظين ومتبادلي الأشيال والمصالح. كفانا ما جري من تفريط بالبيع البخس لأملاك الدولة وأموال الشعب علي يد من لا يملك في جيب من لا يستحق. قرار الرئيس مبارك في شأن أرض أسوان، لابد أن تتعامل معه الحكومة علي أنه قاعدة عامة وليس مجرد علاج لحالة بعينها.