أهمية توجيه الدعم للمواطنين خلال الأزمات ودور الدعم النقدي في تحقيق العدالة الاجتماعية    وول ستريت جورنال: رد إسرائيل على هجوم إيران سيحدد مسار الحرب    النيابة تطلب التحريات في واقعة إقدام فتاة على إنهاء حياتها بالمرج    تجديد حبس 5 أشخاص بتهمة تصنيع المخدرات في بدر    بالصور.. نجوم الفن في افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    القنوات الناقلة لمباراة يوفنتوس ولايبزيج في دوري أبطال أوروبا    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    اليوم.. مجلس النواب يعلن قوائم تشكيل اللجان النوعية    مصرع 3 أشخاص وإصابة 2 في تصادم سيارتين بطريق مرسى علم    الشرطة الدنماركية تحقق في انفجارين بمحيط السفارة الإسرائيلية    نجاة شقيقة إيمان العاصي من الموت.. أحداث الحلقة 14 من مسلسل «برغم القانون»    الأوقاف تختتم مبادرة «خلقٌ عظيمٌ» بمجلس حديثي في مسجد الإمام الحسين.. الخميس    حكم زيارة قبر الوالدين كل جمعة وقراءة القرآن لهما    انتخابات أمريكا 2024| وولتز يتهم ترامب بإثارة الأزمات بدلاً من تعزيز الدبلوماسية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 2 أكتوبر    ترتيب دوري أبطال أوروبا قبل مباريات يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    محمد إبراهيم: الزمالك تواصل معي وفضلت الإستمرار في سيراميكا عن الإنضمام إلى بيراميدز    عاجل - أوفينا بالتزامنا.. هذه رسالة أميركية بعد هجوم إيران على إسرائيل    أمين الفتوى: الأكل بعد حد الشبع حرام ويسبب الأمراض    دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الآخر لعام 1446 هجريا.. اليوم    مصرع قائد تروسيكل في حادث تصادم سيارة ب صحراوي سوهاج    على غرار الذهب، ارتفاع أسعار النفط بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل    قفزة في سعر الكتكوت.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    محمد إبراهيم: صدمت بمستوى إمام عاشور في السوبر ورفضت عرض بيراميدز    إصابة 5 أشخاص في مشاجرة بالشوم لخلافات المصاهرة في سوهاج    طريقة عمل الطحينة في البيت، بأقل التكاليف    دراسة خطرة: 740 مليون طفل ومراهق يعانون من قصر النظر في منتصف القرن    6 شهداء و17 مصابا في قصف إسرائيلي لمدرسة بمدينة غزة    احتفالات في بيروت بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل    الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا في بيروت    بدء فحص طلاب المدارس بكفر الشيخ ضمن حملة القضاء على البلهارسيا    طريقة حل تقييم الأسبوع الثاني علوم للصف الرابع الابتدائي بعد قرار الوزير بمنع الطباعة    غرق طفل بترعة في العياط    برج الدلو.. حظك اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024: العند يهدد صحتك    تذكر أن الأمور ليست بهذا التعقيد.. برج الحمل اليوم 2 أكتوبر    الأهلي قد يطيح ب كولر بسبب محمد رمضان؟ إعلامي يكشف تفاصيل صادمة    عبدالغفار: «100 يوم صحة» قدمت 97 مليون و405 آلاف خدمة مجانية في شهرين    عقوبة التحريض على الفسق والفجور وفقا للقانون    أديمي يقود دورتموند لاكتساح سيلتك.. وإنتر يتجاوز ريد ستار برباعية في دوري الأبطال    عبد الواحد: تجديد زيزو في يده.. واستبعاد عمر جابر من المنتخب غريب    الداخلية يضم ميدو العطار لاعب الترسانة    ختام كورس ألف مُعلم كنسي "طور" بحلوان    حازم إيهاب مازحا مع مخرج مسلسل انترفيو: "بيقول عليا غلبان ورغاي"    «أغنية كل أسبوعين».. ماذا حققت أغاني عصام صاصا التي طرحها خلال حبسه؟    إلهام شاهين: سعيدة بالتكريم في مهرجان المونودراما وأكره الحروب وأنادي بالسلام    عراقيون يخرجون للشوارع في كرنفالات فرح إبتهاجا بالقصف الإيراني لإسرائيل    سلمى أبو ضيف تهدد بمقاضاة المتنمرين على حملها (تفاصيل)    بطريرك الأقباط الكاثوليك يشارك في رتبة التوبة    المركزي: الودائع غير الحكومية بالعملة المحلية في البنوك تتجاوز 7 تريليونات جنيه بنهاية أغسطس    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها بعد قرار وزارة المالية الجديد    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024 في البنوك    تقترب من النصف، زيادة جديدة في سعر دواء شهير لزيادة سيولة الدم ومنع الجلطات    كارولين عزمي كاجوال وساندي أنيقة.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    هل الأكل حتى الوصول لحد الشبع حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    في اليوم العالمي للمُسنِّين .. كيف نظر الإسلام لبِرِّ الأبوين في كِبرهما؟    خالد الجندى: من يؤمن بأن "السحر يضر" وقع فى الشرك بالله    الرئيس السيسي يؤكد التزام الدولة الراسخ باستقلال القضاء بوصفه ركيزة دستورية أساسية    لشبهة الكيدية، النواب يرفض طلبا برفع الحصانة البرلمانية عن أحد الأعضاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحيز الجديد وحق الانتفاع

بقرار رئيس الجمهورية الذي يقضي باعمال حق الانتفاع لمدد زمنية معينة بأراضي الدولة بدلا من بيعها بعد فضائح تخصيص الأراضي وبيعها وقيام وزراء ورجال أعمال بمراكمة المليارات منها يكون الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم قد استعار برنامج حزب التجمع الذي صدر منذ ثلاثة أعوام بعنوان «العمران والإسكان في مصر». وقد فعل الحزب الوطني ذلك دون أي إشارة لأصل الفكرة باعتبارها مطلبا تجمعيا قديما» ونحن في حزب التجمع لايسعنا إلا أن نرحب بهذا الاتجاه الحكومي الجديد والعقلاني وان جاء متأخرا جدا، بل ونطالب باستعادة الأراضي للملكية العامة بعد أن كان قد جري بيعها بأسعار زهيدة، وكلنا أمل أن تسرع الجهات المختصة في وضع القرار الجمهوري موضع التنفيذ حتي لا تنقض عليه الألاعيب البيروقراطية مع توحش أصحاب المصالح الذين كونوا فعلا ثروات من الاتجار في الأراضي والمضاربة عليها. وننشر هنا جزءاً من دراسة مطولة كتبها الباحث وخبير الاسكان د. أبو زيد راجح تبين لنا الخلفية المعرفية والعملية من تجارب البلدان الاخري حول فكرة حق الانتفاع بالارض دون بيعها.
تختص مصر بوجود حيزين عمرانيين متباينين كل التباين وتكاد تنفرد بين الأمم بهذه الظاهرة الفريدة. فالحيز الأول حيز مأهول منذ الاستقرار الأول علي ضفاف النيل وحتي الآن ويمثل 4% فقط من مساحة مصر. وهو زراعي نهري شريطي الشكل يمتد من الجنوب الي الشمال في انحناءات هادئة ثم ينفرج في نهايته علي شكل مروحة فيما يسمي بدلتا النيل. ويسكن هذا الوادي الضيق حوالي 95% من سكان مصر الذي يبلغ عددهم حاليا حوالي 76 مليون نسمة بعد ان كان عددهم في منتصف القرن العشرين لا يتجاوز 20 مليون نسمة فقط . وقد نتج عن الزيادة الكبيرة في عدد السكان خلال هذه الفترة الوجيزة ان أصبح الوادي بمدنه وقراه عاجزا عن استيعاب الزيادة السكانية بعد ان بلغ الدرجة القصوي في قدرته الاستيعابية للسكان. وامتدت المدن والقري لكي تلتهم ما تلاقيه في طريقها من أراض زراعية خصبة حتي فقدت مصر حوالي 35% من مساحة الوادي في مدة لا تتجاوز نصف قرن من الزمن .
اما الحيز الجديد والذي تبلغ مساحته 96% من مساحة مصر فإنه يتمثل في الصحراوات الشرقية والغربية وفي السواحل علي البحر الابيض والبحر الأحمر وإقليم سيناء وهو حيز بكر له امكانات كبيرة في التنمية المتكاملة: الزراعة والتعدين والصناعة والسياحة في العديد من مناطقه. وهو شبه خالي من السكان اذ ان مجموع سكانه يبلغ 5% فقط من سكان مصر.
وقد بدأ الانتشار السكاني من الحيز القديم الي الحيز الجديد خلال العقود الأخيرة فقط وهو انتشار بطئ غير مخطط لافتقاده الي تخطيط قومي شامل يسير علي هداه.
أما من حيث الملكية فإن الحيز القديم في مجمله مملوك ملكية خاصة منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتي الآن وان كان جزء يسير منه ما زال مملوكا ملكية عامة في بعض أراضيه الزراعية وفي بعض المواقع الحضرية داخل المدن والقري. ولملاك الأراضي - سواء أكانت عامة او خاصة داخل المدن او خارجها - حقوق الملكية التي نظمها القانون العام والتي تتمثل أساسا في حق الاستخدام وفي حق التصرف فيها بالبيع ونقل الملكية او بالتأجير. أما الحيز الجديد فهو مملوك بالكامل ملكية عامة للدولة. وقامت الدولة ببيع بعض أراضيه في المدن والمجتمعات الجديدة وفي مناطق الاستصلاح وفي المناطق الصناعية والساحلية للأفراد والجمعيات والشركات . وهي بذلك تسير علي نفس الطريق الذي سارت عليه في الحيز القديم بنقل ملكية الأرض من ملكية عامة الي ملكية خاصة.
(1) الأرض بين الملكية العامة
والملكية الخاصة :
تتجه مصر في استراتيجيتها القومية نحو الأخذ بنظام السوق التنافسية الحرة Market Economy والذي بمقتضاه لا يكون للدولة ان تمتلك عوامل الإنتاج الا في حدود أطر الاقتصادات الحرة التنافسية وبناء علي ذلك فإن الملكية الفردية تعتبر من الدعامات الرئيسية لاقتصادات السوق. ويري البعض ان ذلك يمتد بداهة الي حق الملكية الفردية للأراضي وحق استغلالها والانتفاع بها.
وجاء في دراسة للأمم المتحدة " أنه نظرا للأهمية الخاصة للموارد الأرضية وما قد يسفر عنه من ممارسات القطاع الخاص من سلبيات والتي قد يترتب عليها عدم العدالة في توزيع الثروات أو عوائد التنمية فقد اتجهت نسبة كبيرة من بلدان العالم الي ان يكون للدولة السلطة الكاملة في الأخذ بالسياسات الكفيلة بحماية الموارد الأرضية ووضع القيود والمحددات الكفيلة بحماية مصالح المجتمع ككل ويدخل في هذا المضمون وبصفة أساسية:
- ملكية الدولة لبعض الموارد الأرضية ذات الطبيعة الخاصة وعدم التصرف فيها كالغابات والبحيرات ومصادر المياه وبعض المواقع ذات الطبيعة الخاصة والطرق والمرافق الأساسية وبعض الصناعات الاستراتيجية وغير ذلك.
- تحديد استخدامات الأراضي في المجالات الرئيسية علي مستوي المدن والمستوي القومي.
- وضع حدود لملكية الارض والحيلولة دون تركز الثروات العقارية سواء علي المستوي الفردي او الشركات."
ومن ناحية اخري فإن تملك بعض الدول لجزء كبير من أراضيها وإتاحة بعض هذه الأراضي للأفراد والشركات لاستغلالها والانتفاع بها لم يمنع هذه الدول - وهي دول غربية- من ان تمارس نظام السوق التنافسية . بل هي التي ابتدعت هذا النظام كما ابتدعت أيضا نظام العولمة وتطالب دول العالم الأخري بالاندماج فيه . ومن الجدير بالملاحظة في هذا الشأن ان احدي الدول المجاورة أبقت أراضيها ملكا للدولة ولا تسمح بالملكية الخاصة للأرض الا في أضيق الحدود وبشروط عسيرة، ولم يمنعها ذلك من ان تكون من اكثر دول العالم اخذا بنظام السوق الحر واندماجا في نظام العولمة الجديد.
وتمثل الأراضي الصحراوية والساحلية بما تحتويه من محاور تنموية تمثل رأس مال الدولة الدائمSustainable وهي ليست ملكا لجيل واحد بل هي ملكا للأجيال القادمة كلها. لذا فإنه يجب ان تبقي ملكيتها ملكية عامة للمجتمع مع اتاحتها للأفراد والشركات للاستثمار في مجالات التنمية المختلفة لمدة محددة تبلغ عادة مدة دورة حياة المشاريع المقامة عليها وبشروط عادلة ومتوازنة ، ثم يسترجع المجتمع هذه الأرض بعد انتهاء مدة الانتفاع بها ليعاد استخدامها مرة أخري اما لنفس الأنشطة أو لأنشطة أخري . ومع بقاء الاراض ملكا للمجتمع يسهل علي الاجهزة التخطيطية اعادة تخطيطها وإعادة استخدامها بما يتفق مع النمو الحضري والعمراني ومتطلبات التنمية والتي تختلف من حقبة الي أخري حسب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية المستجدة.
بقاء الأرض ملكية عامة يعني حمايتها من ان تكون "سلعة" من سلع السوق والتي قد تستخدم كوسيلة من وسائل المضاربة والتربح السريع بما لذلك من اثار سلبية علي مسارات التنمية . ومثل هذا "التحييد" للأرض يساعد كثيرا علي استقرار السوق وتفادي الارتفاعات المفتعلة وغير المبررة في أسعارها.
الملكية العامة للأرض تعطي الدولة سلطة اشرافية أكبر عليها وتحد من استخدامها في أغراض غير المخصصة لها وفي أنشطة قد لا تتفق مع متطلبات التنمية علي المستوي القومي والمستوي الاقليمي والمستوي الحضري وتحد ايضا مما يسفر عنه ممارسات القطاع الخاص من سلبيات. كما تحد من دخول المستثمرين غير الجادين - والذين ليس لهم أهداف طويلة المدي في زيادة القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني - في مجال العمل في مصر .
احتفاظ المجتمع بملكية الأرض في محاور التنمية الجديدة يتفق مع النظم التي تستخدم حديثا في تمويل وإنشاء المرافق العامة القومية والمحلية مثل ال BOT وغيرها.
الملكية العامة للأرض تضمن عدم استخدامها لشريحة واحدة من المجتمع علي حساب الشرائح الاجتماعية الأخري. واتاحتها للانتفاع بها نظير رسوم سنوية يحقق مصدراً دائماً للدخل للخزانة العامة للدولة .
نظام الانتفاع بالأرض لا يحتاج الي رأس مال مكثف مثلما يحتاج شراؤها وبالتالي فهو من نواح كثيرة يأتي في صالح المستثمر وعونا له علي الاستثمار المباشر في النشاط الانتاجي الذي يمكن ان يقام علي هذه الارض.
إبقاء الأرض ملكاً للدولة وعدم إتاحة ملكيتها للأجانب والشركات الدولية المتعددة الجنسيات يتفق مع ضروريات الأمن القومي ويضمن عدم استخدامها في أغراض قد تتعارض مع مصالح الوطن العليا في الحاضر والمستقبل خصوصا في مناطق ذات طبيعة أمنية خاصة مثل شبه جزيرة سيناء.
وتحديد نوعية حيازة الأرض بكل موقع سوف يتوقف في المقام الأول علي تحقيق مصالح المجتمع علي المدي الطويل وعلي طبيعة النشاط التنموي بهذا الموقع بكل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية.
(2) حق الانتفاع في مصر والخارج:
تكاد تشترك كل دول العالم في ان جزءا كبيرا من أراضيها مملوك ملكية عامة . ويمكن للدول ان تتنازل عن بعض هذه الأراضي للأفراد والشركات الخاصة اذا ما استوجب ذلك التخطيط العام لاستخدامات الأراضي بهذه الدول. ويتم التنازل اما بالبيع او بالتأجير او بمنح حق الانتفاع. وتختلف نوعية الملكية العامة للأراضي باختلاف النظام العام للدولة فهي تتبع الحكومة المركزية في النظم المركزية كمصر او تتبع الحكومة الفيدرالية والولايات في النظم الفيدرالية كالولايات المتحدة وألمانيا . وفي كلا النظامين يمكن للإدارات المحلية والمدن ان يكون لها ملكيتها العامة الخاصة بها داخل حدودها الإدارية . فعلي سبيل المثال تملك الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة 175 مليوناAcres وتملك الولايات 264 مليونا Acres بجانب ما تملكه المدن من أراض داخل حدودها . فمدينة نيويورك تملك جزءا من أراضي منطقة وسط المدينة وتتيحها للشركات والمؤسسات لإقامة منشآتهم عليها بنظام حق الانتفاع مثل مركز روكفلر الشهير في مانهاتن.
وتشتمل الأراضي العامة بهذه الدول علي الغابات والصحراوات ومناطق المناجم والثروات الطبيعية والمناطق ذات الصبغة التراثية والمحميات وايضا المناطق الترفيهية Public Parks .
وتختلف الدول اختلافا بيناً في شروط منح حق الانتفاع للأفراد والشركات الخاصة.
منح حق الانتفاع للأفراد والأجانب والشركات والحكومات الأجنبية:
بعض دول العالم سمحت بمنح حق الانتفاع للأجانب والجهات الأجنبية ولكن في اغلب الأحيان قيدته بشروط خاصة مثل تحديد الحد الأقصي لمساحة الأرض المسموح الانتفاع بها للأجانب والحد الأقصي لفترة الانتفاع. وبعض الدول الأخري منعت كلية منح حق الانتفاع بأراضيها للأجانب.
أما في مصر فقد نظم القانون المدني في مواده من 985 الي 995 حق الانتفاع. وفي هذه المواد العشر تحددت حقوق والتزامات كل من المالك والمنتفع في الاستخدام وحفظ الشئ المنتفع به وإصلاحه وانتهاء حق الانتفاع. ولكن يحتاج الأمر الي وضع قواعد جديدة وشاملة لنظام حيازة الأرض بحق الانتفاع يتلاءم مع حقائق العصر ومستجداته وطبيعة التنمية في الحيز الجديد.
برنامج واقعي لتطبيق الفكرة:
وإذا تطرقنا إلي الخلفية التاريخية سوف نعرف أن الأرض كانت ملكاً للدولة علي مدي تاريخ مصر كله حتي منتصف القرن التاسع عشر حين بدأ ظهور الملكية الخاصة للأرض . واتيحت الارض للانتفاع فقط لأفراد المؤسسات التي قام عليها نظام الحكم في العصور المختلفة القديمة والوسيطة , وكانت الأرض لا تورث لورثة هؤلاء الأفراد بل كانت ترجع الي الدولة ليعاد تخصيصها مرة أخري لأفراد آخرين . وقد استوجب هذا النظام من الحيازة (احتفاظ الدولة بملكية الأرض ومنح حق استغلالها لأفراد أو مؤسسات لفترة معينة) استوجب هذا النظام الخصوصية المصرية التي تستلزم وجود سلطة مركزية قوية لإدارة الأرض ومياه الري عنصري الانتاج واللذين تتوقف عليهما الحياة المصرية برمتها. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر حتي الآن ظهرت الملكية الفردية المطلقة للأرض الزراعية لأول مرة في تاريخ مصر الطويل ، ولكن بقيت الأراضي الصحراوية وهي تمثل ما يقرب من 96% من مساحة مصر ملكا للدولة.
هذا اتسمت الحقبة الأخيرة بمحاولات مستمرة في استغلال الأراضي الصحراوية المحيطة بالوادي والدلتا وتنمية الساحل الشمالي علي البحر الأبيض والساحل الشرقي علي البحر الأحمر وكذلك تنمية أقاليم متكاملة مثل سيناء وتوشكي وشرق العوينات. وكانت مشروعات التنمية في هذه الآفاق الجديدة تتمثل أساسا في استصلاح الأراضي والزراعة والسياحة والتعدين بجانب ما تحتاجه هذه المشروعات التنموية من مشروعات عمرانية كمرافق ومدن جديدة. وكانت تقوم بهذه المشروعات الوزارات المسئولة عن استصلاح الأراضي والسياحة والتعمير. كما قامت وزارة الدفاع باستغلال بعض المواقع في الصحراوات والسواحل بإقامة المنشآت العسكرية اللازمة لحماية الأمن الوطني.
وقد مرت اجراءات تخصيص الاراضي اللازمة لهذه الوزارات للقيام بمشروعاتها بمراحل ثلاث . ففي المرحلة الأولي قامت كل وزارة منفردة بتحديد الأراضي اللازمة لها واصدار قرارات وزارية بذلك . ولكن في هذه المرحلة وكذلك في المراحل التالية أعطيت أولوية التخصيص لأغراض الدفاع والأمن الوطني ، وفي المرحلة الثانية لم يترك للوزارات منفردة تحديد احتياجاتها من الاراضي بل تم نوع من التنسيق بينها وتم التخصيص بقرارات جمهورية بناء علي ما يعرضه مجلس الوزراء في هذا الشأن . أما في المرحلة الثالثة فقد تم انشاء المركز الوطني لاستخدامات الاراضي ويتبع مجلس الوزراء ويتولي المركز حسب قرار انشائه بتخطيط وتحديد استخدامات الاراضي علي كامل المسطح المصري للانشطة التنموية المختلفة علي ان يصدر قرارات جمهورية بما انتهي به المركز من دراسات بعد عرضها علي مجلس الوزراء . وبعد فترة قصيرة من انشائه اصبح وزير الزراعة واستصلاح الاراضي رئيسا لمجلس إدارة هذا المركز .
ولكن من الملاحظ وجود تناقضات واضحة في القرارت المتعاقبة المنظمة لاستخدامات الاراضي وقد اعتبرت الاراضي التي خصصت لكل وزارة ملكا لها وقامت بالتصرف فيها للأفراد والشركات باحدي الطرق الأتية:
1- البيع أما بتحديد قيمة بيعية مسبقة أو عن طريق المزاد العلني.
2- التأجير بالقيمة الايجارية الفعلية.
3- التاجير بقيمة اسمية لمدة معينة.
4- اتاحة الارض بالمجان لبعض المشروعات الاستثمارية الخاصة.
وقد نتج عن ذلك ان الجزء الأكبر من الاراضي التي تم تخصيصها للوزارات والهيئات قد انتقلت ملكيتها من الملكية العامة للمجتمع الي الملكية الخاصة للأفراد والشركات.
برصد أسعار البناء وأسعار الاراضي في الآونة الاخيرة تبين ان معدل الزيادة السنوية في اسعار الاراضي لا يسير دائما باتساق وتواز مع معدل الزيادة في اسعار المباني ، كما أن العوامل التي تؤثر في تحديد سعر الاراضي تختلف كثيرا عن العوامل التي تؤثر في سعر البناء ، فقد يبلغ الضعف أو ما يزيد علي ذلك في بعض الاحيان . وهذا التغير المتسارع في اسعار الاراضي يؤدي دائما الي خلل في السوق العقاري والي زيادة غير مبررة في أثمان الوحدات السكنية.
واحيانا تخرج الارض عن غرضها الاصلي في انها الوعاء المكاني للتنمية وتصير في حد ذاتها سلعة من سلع السوق واحدي وسائل الاستثمار او التربح . فقد تلاحظ ان نسبة ليست ضئيلة من ملاك الاراضي قاموا بشرائها ليس بهدف التعمير بل بغرض حيازتها كنوع من انواع الادخار الامن ثم يقوموا ببيعها بأسعار مضاعفة باعتبارها سلعة استثمارية كبيرة العائد. كما أن البعض الآخر قاموا بشراء الاراضي في المدن الجديدة بالسعر الذي حددته الهيئة العامة للمدن الجديدة والذي تم حسابه علي اساس تكلفة المرافق وتهيئتها للبناء عليها ثم قاموا ببيعها بسعر السوق والذي يفوق كثيرا سعرها الأصلي بهدف التربح وتحقيق عائد سريع . ومن الملاحظ ايضا ان الأسلوب المتبع حاليا ببيع بعض الاراضي بالمدن الجديدة بالمزاد العلني له مخاطره، فتهافت بعض المستثمرين علي حيازة هذه الاراضي يؤدي الي تنافس بينهم لعرض أسعار تفوق كثيرا سعرها الحقيقي وهذا سوف يؤدي بدوره الي ارتفاع في اسعار الوحدات السكنية التي ستقام عليها ارتفاعا كبيرا غير مبرر. ولا شك في أنه لو أمكنا وقف التصرف في الأرض بالبيع والشراء وعدم اعتبارها سلعة يمكن استغلالها بهدف التربح والكسب السريع لأدي ذلك الي اتزان في سوق العقارات وسوق الاسكان.
كانت المدينة علي المدي الطويل وماتزال هي في حقيقة الأمر كائن متغير . فهي من المنظور التاريخي متغيرة في احجامها وفي وظائفها وفي استخدامات الاراضي باحيائها المختلفة . وبعض هذه الاستخدامات وان كانت صالحة في حقبة معينة قد لا تكون صالحة في حقبة أخري وبالتالي يمكن ان تكون عقبة في طريق التطور الطبيعي للمدينة وأحد أسباب تعثر التنمية العمرانية داخلها. وترجع الصعوبة في اعادة استخدام هذه المواقع بعد ان استنفدت الأنشطة بها أغراضها هي الملكية الفردية المطلقة لها وتعدد ملاكها تعدداً يصعب معه حصرهم وتعويضهم . وقد تبين ان الارض التي تبقي ملكا للمجتمع يمكن بسهولة اعادة استخدامها كما حدث في منطقة حكر أبو دومة وعرب المحمدي وغيره.
وقد أدي عدم امكانية اعادة استخدام الاراضي الي تشوه كبير بالمدينة يتمثل في وجود أنشطة اصبحت غريبة علي النسيج الحضري المعاصر. كما يتمثل في وجود بؤر من الاسكان المتدني داخل المدينة كانت علي الدوام موطنا للعديد من الامراض الاجتماعية التي عاني منها المجتمع.
أدي بيع الوزارات والهيئات للاراضي الصحراوية والساحلية للغير علي النحو الواسع الذي تمت به إلي أن انتقلت ملكيتها من الملكية العامة للمجتمع الي ملكية خاصة للافراد والشركات. وتنازل المجتمع عن هذه الملكية ينطوي علي المخاطر.
وفي النهاية يجب ذكر ما توصل اليه المؤتمر العالمي للمستوطنات البشرية (منظمة الهابيتات - هيئة الامم المتحدة ) في فانكوفر 1976 من توصيات مهمة بشأن أراضي البناء وقد جاء في هذه التوصيات ما يلي :
" إن الأرض، بسبب طبيعتها الفريدة ودورها الحيوي في المستوطنات البشرية ، لا يمكن اعتبارها مورداً عادياً يحوزه الأفراد ويخضع لضغوط السوق واختلال التنافس فيها. كما ان الملكية العقارية الفردية من أهم وسائل تراكم وتركز الثروة وتسهم بهذا في افتقاد العدالة الاجتماعية ، وهي اذا أفلتت من الرقابة يمكن ان تصبح عقبة مهمة أمام تخطيط وتنفيذ برامج التنمية . لذلك فإنه يستحيل تحقيق العدالة الاجتماعية وتجديد وتخطيط المناطق الحضرية وتوفير مساكن لائقة وظروف معيشة صحية إلا إذا وضعت الأرض في خدمة مصلحة المجتمع في مجموعه. إن رقابة الدولة علي استخدام الأرض أمر ضروري لحماية الأرض كمورد ولتحقيق الأهداف طويلة المدي للسياسات والاستراتيجيات الخاصة بالمستوطنات البشرية"
ويقدم الباحث التوصيات التالية:
1- تبقي الاراضي الصحراوية والساحلية خارج النطاق الحالي للحيز المعمور المصري ملكاً للمجتمع وتخصص لفترة زمنية محددة لإقامة المشروعات التنموية عليها هي عادة عمر الدورة الكاملة لهذه المشروعات والتي تتراوح بين أربعين عاما ومائة عام.
2- يكون تخصيص هذه الاراضي للمنتفع بها نظير رسوم سنوية تتحدد حسب نوعية الانشطة التي تقام عليه، فرسوم الاراضي التي تخصص للخدمات الاجتماعية تختلف عن رسوم الاراضي التي تخصص للمشروعات الاستثمارية.
3- تكون شروط حق الانتفاع شروطا متزنة تحقق بصفة عادلة مصلحة المجتمع ومصلحة المستثمر في آن واحد، ويمكن ان يحقق المستثمر منها العائد المربح لاستثماراته.
4- تعود الأرض الي المجتمع بعد فترة الانتفاع لها لإعادة تخصيصها لأنشطة أخري أو للسماح باستمرار الأنشطة القائمة اذا كان ذلك متفقاً مع خطط التنمية في ذلك الحين .
5- ازالة التناقض الحالي في القوانين والقرارات الجمهورية التي تنظم تخصيص الاراضي بين الوزارات والهيئات المختلفة .
6- تطوير وظيفة المركز الوطني لاستخدامات الاراضي من مجرد تحديد استخدامات اراضي الوطن حسب طلبات الوزارات والجهات المختلفة الي القيام بدراسة واعداد تخطيط قومي واقليمي شامل علي كامل المسطح الجغرافي المصري والذي تتحدد بموجبه استخدامات الاراضي. وتظل تبعية هذا المركز الي مجلس الوزراء علي ان تشترك في دراسة واعداد التخطيط جميع الوزارات الانتاجية والخدمية والوزارات المسئولة عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويرتبط هذا المركز بعلاقات عمل دائمة مع هيئات التخطيط العمراني بالأقاليم والمحافظات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.