في منطقة ما من باكستان لا يعلم بأمرها غالبية الأمريكيين، برزت دولة صغيرة بدائية نوعًا ما تقوم بتوفير المأوى والحماية لألد أعدائنا. هذه المنطقة تعتبر نسخة مصغرة مما كان عليه الأفغان قبل الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، الأمر الذي يشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الحيوية للأمن القومي الأمريكي. لقد صارت وزيرستان والإقليم الحدودي الشمالي الغربي الذي يعتقد أن كل من أسامة بن لادن وزعيم حركة طالبان الملا عمر يختبئان فيه معقلاً لتدريب عناصر حركة طالبان وتنظيم القاعدة وتجنيدهم، كما أصبحت مكانًا لاستراحة المقاتلين والإعداد للهجمات التالية على كل من الولاياتالمتحدة وقوات حلف شمال الأطلنطي والقوات الأفغانية داخل أفغانستان. وقد أدت الهجمات الأخيرة إلى وقوع بضعة قتلى في صفوف قوات حلف الناتو، ومقتل جنود أمريكيين وكنديين، ومن المتوقع أن يكون هناك مزيد من الهجمات. ويعتبر هذا مأزقًا هائلاً بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية. فليس هناك أية إمكانية في أن يؤدي تدريب قوات الجيش والشرطة الأفغانية إلى إعداد قوة قادرة على الدفاع عن نفسها طالما أن حركة طالبان تتخذ من باكستان معقلاً لها. وبعيدًا عن المطاردات الحثيثة التي تقوم بها الولاياتالمتحدة والتي سمحت بها باكستان بالفعل، إلا أن الولاياتالمتحدة لا تستطيع أن تغزو إقليم وزيرستان، وذلك لأن احتمال نجاح هذه العملية ضئيل للغاية ومن شأنه أن يخلق أزمة هائلة في العلاقات بين الولاياتالمتحدةوباكستان. ذلك في حين أن مغادرة أفغانستان سوف تؤدي إلى عودة حركة طالبان، مصطحبة معها ابن لادن وتنظيم القاعدة. لذا فإن الخيار الوحيد الذي يمكن تطبيقه الآن هو البقاء في أفغانستان، وذلك لمنع العدو من الوجود في معظم أجزاء البلاد. وهذا يعني بقاء للقوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان إلى أجل غير مسمى. وعلى الرغم من أن المسئولين الأمريكيين لن يعلنوها صراحة، إلا أن النهاية واضحة: سوف يطول بقاؤنا في أفغانستان، أطول بكثير من بقائنا في العراق. ولكن الأفغان لديهم حل بسيط لمشكلة معقل وزيرستان وهو أن واشنطن عليها أن تطالب الرئيس الباكستاني برفيز مشرف بتطهير المناطق الحدودية، وإلا يجب أن يكون هناك تحرك آخر من الولاياتالمتحدة. والباكستانيون أيضًا لديهم إجابة مكافئة له في البساطة وهي أنهم يبذلون كل ما بوسعهم في منطقة تعتبر من الناحية التاريخية منطقة قبلية لا تدخل تحت سيادة القانون، وأنهم تمكنوا بالفعل، من خلال تعاونهم مع الأمريكيين، من إلقاء القبض على المئات من "الإرهابيين". ولكن الأفغان، الذين لا يثقون تمامًا في مشرف، لا يؤمنون بهذا، فهم يرون أن واشنطن متساهلة جدًا مع باكستان، وأن هذا يرجع بشكل جزئي إلى محاولة التخفيف من غضب باكستان بسبب الاتفاقية النووية التي أجرتها الولاياتالمتحدة مؤخرًا مع الهند. وتعتبر جهود مكافحة الإرهاب هي أكبر برنامج لواشنطن والاتحاد الأوروبي في أفغانستان. وذلك لأن ما يعادل 90 % من الهيروين العالمي يأتي من أفغانستان. وتزعم التقارير الرسمية لكل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي أن برامج العام الماضي لمكافحة المخدرات قللت من إنتاج الخشخاش بنسبة 4 % وبتكلفة بلغت حوالي 1 بليون دولار. وهذا يعني أن الولاياتالمتحدة أنفقت أكثر من كامل الميزانية القومية لأفغانستان دون أن تحقق أي شيء بالفعل! ومع ذلك فإن سياسة محاربة المخدرات الفاشلة لا زالت مستمرة دون أي يتم إجراء أي تغيير يذكر بها. وإذا كان برنامج مكافحة المخدرات قد أثبت فشلا ًذريعًا، فإن الجهود التي تحفزها الولاياتالمتحدة لإعطاء المرأة في أفغانستان فرصة لحياة أفضل بها أكبر احتمالات للفشل. إن سيدة الولاياتالمتحدة الأولى لورا بوش تستحق الثناء لجعلها هذه القضية رمزا للجهود الأمريكية. فعلى الرغم من خطورة الإصرار على حجز ما يزيد عن 25 % من مقاعد الجمعية الوطنية للسيدات إلا إنه كان براقًا وموحيًا. لقد قابلت 10مشرعات للقوانين، ووجدتهن أكثر حيوية وأشد شغفًا ببلادهن من الرجال. فلو أن هؤلاء السيدات شكلن مؤتمرًا حزبيًا، تلك العملية التي بدأت بتشجيع من المعهد الديمقراطي القومي للشئون الدولية، ستصبح هؤلاء المشرعات قوة هائلة لتحقيق التقدم. ولكن ينبغي ألا نسمح لأحد بإعاقة التقدم الذي تحرزه المرأة على المستويات الأعلى [ هناك امرأة واحدة فقط تعمل حاكمة إقليمية] أو بعرقلة التغير الكبير الذي طرأ على الفتاة أو المرأة المتوسطة. وذلك لأنه في كل مرة تحاول أفغانستان أن "تعزز" من مكانة المرأة، يكون هناك رد فعل عنيف من الرجال. وهذا ما سوف يفعلونه ثانية. أما المرأة الريفية فإن التقدم بالنسبة لها يعتبر أمرًا بعيدًا ولا معنى له فعليًا. ولا يزال استخدام البرقع المميز لأفغانستان والذي يقوم بتغطية المرأة من أعلى رأسها وحتى أخمص قدميها منتشرًا في مختلف أنحاء البلاد. لقد قالت لي إحدى المشرعات المتحمسات بالمجلس القومي في هيرات إنها على الرغم من أنها لا تحب ارتداء البرقع، إلا إنها لا تريد لابنتها الجميلة البالغة من العمر 15 عامًا أن تخرج بدونه. وقالت:"البرقع هو سلاحي" إن التضحية بالذات، التي فرضتها الأسر على النساء إذا ما انتهكن القوانين الأخلاقية الصارمة، بدأت فعليا في التزايد" وتقوم هيرات، المدينة الرئيسة الوحيدة في غربي البلاد، بإلقاء الضوء على التعقيدات الموجودة في أفغانستان. إن هذه المدينة تقع على بعد يقل عن مائة ميل من الحدود الإيرانية، وتتمتع بالازدهار والنهضة الاقتصادية هناك، كما أن حركة طالبان لا تمثل أي تهديد بالنسبة لها. ولكن إيران، من خلال تأثيرها السياسي والاقتصادي الواضح في المنطقة، هي التي تتولى تغذية الاقتصاد بشكل كبير هناك. وهنا تصل الأمور إلى ذروتها في ذلك الموقف المفعم بالسخرية: يقوم "حليفنا الاستراتيجي" كما جاء في قول الرئيس بوش في باكستان بتوفير الحماية لطالبان والقاعدة في الشرق، في حين أن تلك البلد "إيران" التي تنتمي ل "محور الشر" تعمل على استقرار الأوضاع في الغرب. في الحقيقة، إيران تسعى بالتأكيد على المدى الطويل لتحقيق نفس هدفها الاستراتيجي في أفغانستان مثلما تفعل في غيره من الأماكن، هذا الهدف الذي يتمثل في خلق إقليم شيعي يبدأ من لبنان ويمتد شرقًا إلى أبعد نقطة ممكنة. إن تزايد القوة الإيرانية في هيرات يمكن فقط أن يزيد من شعور طهران بأن الأمور تسير على ما يرام في الوقت الحالي. ومما يدعو للعجب أنه، وسط كل هذا الكم من المخاطر، طالبت الإدارة الأمريكية في ملحقها الأخير بمبلغ زهيد [حوالي 40 مليون دولار] لإعادة إعمار أفغانستان، وذلك بعد أن كانت وزارة الخارجية والسفارة الأمريكية قد طالبت بما يعادل عشرة أضعاف هذا المبلغ. ولقد زاد الكونجرس الطين بلة عندما قام بتخفيض هذا المبلغ إلى 4 مليون فقط. دعنا نأمل في أن يكون هذا الانخفاض في الاعتمادات المالية مجرد اضطراب سببه إعصار كاترينا وغيره من المشاكل البيروقراطية. إن مشكلة أفغانستان مشكلة عويصة، وعلينا أن نتخذ عمليًا إجراءات أفضل بكثير. فهناك دائمًا مخاطر من أن وجودنا هناك، تمامًا مثلما حدث في العراق، سيخلق مع مرور الوقت شعور بالخوف من الأجانب "في تلك البلد التي ترهب الأجانب بالفعل". ولكن أفغانستان ليست كالعراق. فإن منع أعدائنا من دخول البلد ليست استراتيجية طويلة المدى، ولكنها ضرورية في المرحلة الحالية من التاريخ، وخصوصًا في الوقت الذي تتعثر فيه العراق تجاه مستقبل أشد ظلامًا. المصدر: مفكرة الاسلام نقلا عن كريستيان ساينس مونيتور * كاتب المقال الكاتب ريتشارد هولبروك، وهو سفير الولاياتالمتحدة سابقًا