هناك قضية واحدة هي التي نسمع عنها من الأعضاء "المحظوظين" باختيارهم من قبل السلطة الجديدة لإنجاز الدستور الجديد ، قضية واحدة كانت تشغل معظم من تكلموا قبل أن تبدأ اللجنة عملها ، وهي قضية الهوية الإسلامية لمصر ، المخرج المدلل كان أول تصريح له بعد أن تم اختياره "العجائبي" ليكون ضمن لجنة كتابة دستور مصر ، أول تصريح له هو أنه سوف يعترض على مادة الشريعة الإسلامية ، وشباب حركة تمرد الذين تم اختيارهم كان أول تصريح لهم أنه سيتصدون للمادة 219 التي تفسر مبادئ الشريعة الإسلامية ، وكثيرون لم أعد أذكرهم كان أول كلام لهم عن همهم الأساس في الدستور الجديد هو التصدي للمواد التي تحدد هوية الدولة المصرية ، هذه التصريحات التي كانت أول ما صدر عن هؤلاء ، وقبل أي كلام في أي موضوع آخر بطول الدستور وعرضه ، أعطت انطباعا بأن هناك اتجاها عدائيا تجاه الهوية الإسلامية لمصر لدى السلطة الجديدة ، لأنها هي التي اختارت هؤلاء تحديدا ، وهي تعرف قناعاتهم الفكرية مسبقا ، أي أن هؤلاء المفترض أن يصنعوا دستور مصر الثورة لا يشغلهم الحريات العامة ولا الكرامة الإنسانية للمواطن ولا الفصل بين السلطات ولا استقلال القضاء ولا حماية التعددية السياسية بقدر ما يشغلهم "تحجيم" دور الإسلام في الدولة والمجتمع ، وبالتالي كان حزب النور محقا في قلقه تجاه هذه الأفكار المتطرفة وتأكيده على تمسكه بالمادة 219 ، وخاصة أن بعض النشطاء الشباب الذين تم اختيارهم في لجنة وضع الدستور الجديد لهم صلات وقناعات قديمة بتنظيمات شيعية عربية ، وخاصة تنظيم حزب الله اللبناني ، ولهم هجاء شهير لأهل السنة والجماعة تحديدا ، وبالتالي فهجومهم على المادة 219 ربما يأخذ بعدا له طابع طائفي أكثر منه علماني أو مدني . ولكني أتمنى على حزب النور أن لا يستنزفه العراك حول قضية الهوية ، وعليه أن يبدي اهتماما أكبر بالمواد الخاصة ببناء الدولة وهياكلها ومؤسساتها وضمانات الحريات العامة فيها بنفس القدر الذي يهتمون به بالمادة 219 ، بل وأكثر منها ، لأن هوية المجتمع يحميها المجتمع نفسه قبل السلطة وقبل الدستور ، بينما بعض الأفكار "المسمومة" التي وضعتها لجنة العشرة في الدستور الجديد تعتبر ردة سياسية وحضارية ، وانتكاسة لأهداف وأشواق ثورة يناير ، بل إن ما وضعته هو في المجمل دستور أسوأ ألف مرة من الدستور الذي وضعته لجنة المستشار الغرياني في عهد محمد مرسي ، وقد لاحظت أن بعضا ممن كانوا ينتقدون دستور 2012 وطريقة صياغته ، أصبحوا الآن يقولون أنه أرحم وأعدل من دستور لجنة العشرة السرية ، ويكفي ما فعلته تلك اللجنة في ما يتعلق باستقلال السلطة القضائية حيث أعادت وضع الثقوب الخطيرة والفاسدة التي يدخل منها كل عمليات الترويض للسلطة القضائية ، وكذلك ضبابية النصوص التي تتعلق بالحريات الإعلامية والصحفية والحريات العامة بشكل عام ، فأعتقد أن هذه الأبواب والنصوص بحاجة إلى وقفة جادة وصارمة أكثر من المادة 219 نفسها . والبعض نشط في حديث دعائي فارغ عن حظر الأحزاب الدينية ، ليغلف فاشيته وإقصائيته بالتمسح بغطاء ديمقراطي ، وهو كلام حق أريد به باطل ، وأنا مع حظر الأحزاب على أساس ديني ، وأطالب حزب النور بأن يعلن هذا الموقف صراحة ليقطع الطريق على محترفي النصب السياسي والتلاعب بالكلمات لتمرير القمع والإقصاء ، نعم ، نحن ضد قيام الأحزاب على أساس ديني ، ولكن ما معنى أن تكون الأحزاب قائمة على أساس ديني ، هذا هو جوهر المسألة ، هل الأمر متعلق ببرامج الحزب أم بأخلاقيات أعضائه ، هل الأمر يتعلق بمنع الحزب انضمام أي مواطن إليه والحصول على عضويته أيا كان دينه ، أم أن الأمر هو كراهية فاشية للحية وأي مظهر من مظاهر الالتزام الديني ، هل المطلوب حظر قيام الأحزاب على أساس ديني أم حظر إنشاء المتدينين للأحزاب السياسية ، هل الحزب الديني هو الذي يعلن التزامه بنصوص دستورية تؤكد على هوية الدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية مثلا ، أعتقد أننا أمام حالة خداع كلامي وقانوني تتستر حوله فاشية جديدة ينبغي كشف النقاب عنها وتعريتها أمام الرأي العام مبكرا .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.