إقالة البيت الأبيض لقائد القوات الأميركية وقوات الناتو الميداني في أفغانستان الفيلد مارشال الجنرال " ستانلي ماك كريستال " يجب أن يضعنا في قلب الأسباب الجوهرية للاستقالة فالمسألة ليست تصريحات أطلقها الجنرال الذي يعد مهندس استراتيجية أوباما تجاه أفغانستان لمجلة " رولينج ستون " الأمريكية والتي وصف فيها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ب " مهرج أوباما " ، كما عبر عن شعوره بالخذلان من السفير الأمريكي في أفغانستان " كارل إيكنبري " ، ولم يترك " ريتشارد هولبروك " المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان فقد سخر منه وسخر ، وامتد غضبه لجيم جونز مستشار الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي ، وجاء هذا الهجوم من أكبر قيادة عسكرية أميركية في أفغانستان في وقت تتعرض فيه القوات الأميركية لخسائر هي الأكبر منذ وجودها في أفغانستان منذ ما يربو علي التسع سنوات فقد بلغت خسائر القوات الأميركية الألف في تلك الحرب وبلغت خسائر أهم حلفائها بريطانيا 300 جندي ، وتعلن طالبان في جسارة أن حربها مستمرة ولن تتأثر بأية عوامل أخري مثل تغيير القيادات أوالاستراتيجيات . المسألة هي أن هناك مأزق يواجه القوات الأمريكية وقوات حلفائها في أفغانستان ، فالاستراتيجية الأمريكية التي تسعي لسحب القوات من أفغانستان العام القادم علي أساس تسليمها للقوات الأفغانية ولحكومة كرزاي التي تواجه أزمة شرعية لعل أهمها وأخطرها تفشي الفساد علي نطاق لا يمكن السيطرة عليه من ناحية ، وعدم الثقة في الحليف الأمريكي فهناك مشاكل عميقة بين كرزاي وبين الإدارة الأميركية التي تنظر بشك هي الأخري للرئيس الأفغاني الذي هدد مرة بالانضمام لطالبان . الجنرال ما كريستال هو الذي طلب زيادة القوات الأميركية لمواجهة مقاومة طالبان فهو يتبني مبدأ ما لا يمكن أخذه بالقوة فمزيد من القوة تأتي به والآن يوجد في أفغانستان أكثر من 140 ألف جندي أميركي من القوات الأمريكية وقوات الناتو دون قدرة علي تحقيق نصر حاسم هناك وفي نفس الوقت يتحدث الرئيس وإدارته عن انسحاب للقوات الأميركية صيف عام 2011 وتسليم المهام لقوات غير مدربة وغيرقادرة علي القيام بمسئوليات خطيرة في بلد يصفه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق للولايات المتحدةالأمريكية بأنه أمة في ذاته وأن تغيير واقعه إلي دولة مركزية هو من أصعب ما يكون . يبدو أن جدالات قوية جرت داخل الإدارة الأميركية وبين قيادة الأركان وقيادة الميدان وبين الخارجية والدفاع حول الاستراتيجية الأنجع للتعامل مع المأزق الأمريكي في أفغانستان ، ومن الواضح أن ما كريستال قد أرهقته تلك الجدالات إلي حد أن الضغوط التي يواجهها وقواته دفعته لأن يخرج ما في جعبته في لحظة قال مراسل المجلة التي نشرت التصريحات بأنه ومعاونيه كانوا في حالة سكر بين من كثرة تعاطي الخمر . الصحفي الذي كتب التحقيق عن الجنرال ما كريستال وضعه بعنوان " الجنرال الطريد " فقد كان يتوقع أنه لا مستقبل للرجل في ظل واقع أفغانستان ذلك البلد الآسيوي العميق الذي يعرف العسكريون أنه قاصم ظهر جيوش الاحتلال وقوادها لحد تحذير المحنكين العسكريين بالقول " إياك من حرب برية آسيوية " في آسيا لم تتمكن أمريكا من تحقيق انتصارات كاملة سواء في كوريا أو فيتنام أو العراق وأمامنا حالة أفغانستان تلك الحالة الفريدة ودعنا لفهم ما جري نتابع ما أشار إليه عالم السياسة الأمريكي الأشهر " كيسنجر " بشأن الجنرال ما كريستال في مقال له بعنوان " استراتيجية لأفغانستان بدل اختلاق الأعذار " فالمعضلة ليست في تصريحات الجنرال ولن يحلها تعيين قائد القيادة الأمريكية الوسطي " ديفيد بترايوس " ، لأن المأزق الرئيس لأمريكا في أفغانستان هو في جوهر الاستراتيجية هناك . من بين الجدالات التي أثير النقاش حولها بين كبار الجنرالات الأمريكيين في الإدارة الأمريكية حول أفغانستان هي مسألة النماذج التي يتم طرحها علي برامج " البور بوينت " ومسألة النماذج التي تدهش العقل الغربي الصارم العلمية والتخطيط تبدو متهاوية ومتهالكة وغير مؤثرة ولا فاعلة مع الحالة الأ فغانية . لأنه وكما يقول كينسجر " أفغانستان ليست دولة بالمعني المعروف تماما وإنما هي أمة بمعني أن سلطة الحكومة المركزية لا تغطي سوي كابول والمناطق القريبة منها ، وأما بقية البلاد فهي أقاليم يغلب عليها العرق البشتوني يتفاهم أفراده مع بعضهم بعضا من خلال تفاهمات علنية أو ضمنية واستراتيجية مقاومة التمرد الأمريكية مهما بلغت درجة إبداعها لا تستطيع أن تغير هذا الواقع . الاستراتيجية هي المأزق وليس القيادات وجوهر ما تعاني منه الاستراتيجية الأمريكية أنها لم تفهم الواقع الأفغاني بعد .