في خضم الأزمات المتوالية التي تعانيها الدولة المصرية الآن ، والصراع الذي ما زال مفتوحا ومقلقا بين الجيش وأنصاره من جهة والإخوان وحلفائهم من جانب آخر ، وهو ما يعني أن الدولة مهمومة بتفادي الخطر الحال ، في تلك الأثناء يصدر قرار جمهوري بتعديل قسم الولاء الذي يؤديه ضباط القوات المسلحة «أقسم بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أن أكون جنديًّا وفيًّا لجمهورية مصر العربية، محافظًا على أمنها وسلامتها، حاميًّا ومدافعًا عنها في البر والبحر والجو، داخل وخارج الجمهورية، وأن أكون مخلصا لرئيس الجمهورية ، مطيعًا للأوامر العسكرية، منفذًا لأوامر قادتي، محافظًا على سلاحي، لا أتركه قط، حتى أذوق الموت، والله على ما أقول شهيد» ، بحيث تم استبعاد عبارة "أن أكون مخلصا لرئيس الجمهورية" من هذا القسم ، وبطبيعة الحال لم يكن هذا الأمر يشغل بال المستشار عدلي منصور ، الرئيس المؤقت ، ولا يرد على باله أصلا ، وإنما المفهوم أنه صدر بطلب من القيادة العامة للقوات المسلحة ، ممثلة بالفريق أول عبد الفتاح السيسي ، وهذا يعني أن القوات المسلحة مهمومة بالمستقبل أكثر من همها باللحظة الراهنة أو معها ، لأن تلك المسألة لا تمثل أي أهمية في اللحظة الراهنة ، فلا يوجد رئيس للجمهورية أساسا ، وأول رئيس للدولة ربما يأتي بعد عام كامل من الآن إذا سارت خارطة الطريق بشكل سليم ، وبالتالي فالمشكلة ليست مطروحة الآن كتحدي ، ولكنها هاجس حقيقي لدى القوات المسلحة ، المؤسسة الوطنية الوحيدة التي يمكن القول أنها متماسكة الآن وتمثل عمود الخيمة بالنسبة للدولة المصرية ، فما الذي يدفع الجيش إلى التفكير الجدي في هذه المسألة والطلب من الرئيس المؤقت بإصدار قرار جمهوري لتعديل صيغة قسم الضباط ، هنا اختلفت الآراء والتعليقات ، البعض اعتبر أنها تكشف عن نية لعسكرة الدولة ، والبعض اعتبر أنها رغبة في جعل القوات المسلحة كيانا خارج إطار الدولة وهيكلها الدستوري ، وأعتقد أن كلا الرأيين بعيد عن الصواب ، كما أن الكلام الذي قاله اللواء سامح سيف اليزل بأن هذه الجملة كان قد أدخلها الرئيس المعزول محمد مرسي والجيش يريد أن يصححه ويعيده لما كان ، هو كلام غير لائق من خبير عسكري ، لأنه باختصار محض كذب يسهل اكتشافه بمراجعة الصحيفة الرسمية للدولة "الوقائع المصرية" ، وفي تقديري أن هذه الخطوة في المحصلة هي خطوة إيجابية ، كما أن دلالتها ربما تعطي الانطباع أكثر بأن القوات المسلحة ليست راغبة في العمل بالسياسة ، وأن الفريق السيسي تحديدا ليس في تفكيره الآن الترشح لرئاسة الجمهورية حسبما يسرب البعض ، أما إيجابيتها فلأن مسألة ولاء القوات المسلحة لشخص الرئيس أو الحاكم أو الإخلاص له ، هي من توابع الفرعونية السياسية ، فالقوات المسلحة ولاؤها الأول والأخير هو للوطن ، وليس لشخص الرئيس أو المسؤول ، وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة اضطرت القوات المسلحة للتدخل لعزل رئيسين للجمهورية ، بعد أن وضح أن الدولة على حافة الهاوية والشعب في حالة انقسام خطير والأمن القومي في خطر جدي ، الأول "مبارك" أجبرته على الاستقالة ، والثاني "مرسي" عزلته قسرا بعد رفضه الاستقالة ، وبالتالي فمسألة الولاء لشخص الرئيس أو الإخلاص له لم تعد ذات معنى ، كما أن وجود هذا النص في حد ذاته كان خطأ ، لأنه يجعل الرئيس فوق الوطن أو مقدم عليه , وولاء المؤسسة العسكرية للشخص وليس للوطن ، وهذا لا يعقل في النظم الجمهورية ، وأما دلالتها على رغبة القوات المسلحة في الابتعاد عن الشأن السياسي في المستقبل فيبدو من كونها تتعامل مع المنصب باعتباره خارجا عن القوات المسلحة وقبضتها وإرادتها ، ولو كان الترتيب المقبل أن يكون الرئيس من داخل المؤسسة فلم يكن هناك أي قلق أو انشغال بهذه النقطة ، ولكن هذا التعديل يعني التحوط لاستقلالية المؤسسة العسكرية عن القيادة المدنية للدولة ، خاصة إذا كان النظام الجديد رئاسيا ، وأنا أتفق مع تلك الخطوة كحالة اضطرار مرحلية ، لأن الخريطة السياسية المصرية الحالية تكشف عن ضعف الأحزاب وقوة الجماعات والحركات غير المنضبطة في الإطار الدستوري للدولة ، فجماعات مثل الإخوان المسلمين أو الجماعة الإسلامية أو حركة 6 أبريل أو تمرد أو الائتلافات الثورية أقوى من الأحزاب الرسمية ، ولنا أن نتصور رئيسا للدولة تأتي به هذه الجماعات أو التكتلات ، ثم تكون المؤسسة العسكرية مجبرة على الولاء له ، أي أنها في النهاية يمكن أن تتحول إلى ذراع عسكري لتلك التنظيمات العقائدية ، وهذا خطير جدا على الأمن القومي والمسار الديمقراطي نفسه ، وبطبيعة الحال هذه مسألة مرحلية تقتضيها الظروف الوطنية في تلك اللحظة ، ربما تتغير الأمور بعد عشر سنوات مثلا ، فيمكن إعادة النظر في تلك الوضعية ، لكني أتصور أن هذا التعديل كان ينقصه إضافة ما يشير إلى احترام الضابط للقانون والدستور في قسم الولاء ، فليس معقولا أن يكون رئيس الدولة ووزير الدفاع يقسمان على احترام القانون والدستور بينما لا يقسم على ذلك الضابط ، وأيضا أتمنى أن تكون الخطوة اللاحقة تتمثل في النظر في طريقة تعيين القائد العام للقوات المسلحة والقيادات الرفيعة في المؤسسة ، وينبغي أن تنزع هذه الميزة حاليا من يد الشخص ، أيا كان ، لتكون في يد مؤسسة ، مثل مجلس الدفاع الوطني ، لحساسيتها الشديدة ، على أن يتم تعديل صيغة وتوازن العضوية في المجلس بما يجعله أقرب للمجلس المدني منه للمجلس العسكري . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. m