عاجل - سعر الريال السعودي اليوم في مصر    عاجل.. التموين تحذف 500 ألف بطاقة من الدعم السلعي (تفاصيل)    عاجل - خلال اجتماعه الأسبوعي.. مجلس الوزراء يوافق على 8 قرارات    وزيرة التخطيط تُشاركُ في فعاليتينِ حول الحلولِ المبتكرة للعمل المَناخى    حزب الله يعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية في رأس الناقورة برشقة صاروخية    عصام عبد الفتاح: المجلس الحالي سبب ابتعادي عن اتحاد الكرة ولجنة الحكام    سلوت يستقر على بديل أليسون بيكر في ليفربول    جريمة غامضة.. تحقيقات موسعة لفك طلاسم العثور على جثة طفلة بالسلام    سقوط 3 عناصر إجرامية ب 20 كيلو حشيش بالقاهرة    إصلاح وتجديد.. خطة عاجلة لإنشاء خط طرد جديد 1200 مم بمياه أسيوط    برلماني: تفتيش حرب الفرقة السادسة رسالة مهمة للداخل والخارج    الأقوى على مر التاريخ.. إعصار ميلتون يصل ولاية فلوريدا الأمريكية    بينها مجلس للجامعات الأهلية.. 8 قرارات حكومية عاجلة في الاجتماع الأسبوعي    إحالة عدد من العاملين بمدرستين في الفشن ببني سويف للتحقيق    بين الماضي والحاضر في الأهلي.. محمد رمضان الذي "لا يعرف إلا الأبيض والأسود"    فالفيردي: مبابي أخرس الجميع.. وأشكر الله على وجوده معي بالفريق    بعد رحيله عن ليفربول.. يورجن كلوب يُحدد وجهته المقبلة    مصر الخير تطلق 22 شاحنة مواد غذائية لأهالي شمال سيناء    خبير اقتصادي: قرار حظر تدابير الدولار لاستيراد السلع الترفيهية "حماية للاحتياطيات الأجنبية"    تقلبات جوية حتى منتصف الأسبوع.. الأرصاد تكشف طقس الأيام المقبلة    فيلم عصابة الماكس يحتل المركز السادس في منافسات شباك التذاكر    رحمة رياض تنضم لفريق لجنة تحكيم برنامج "X Factor"    نائب وزير الصحة يبحث مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي آليات ميكنة القطاع الصحي وتعزيز الرقابة    «الصحة» تبحث تقوية نظام الترصد الوبائي باستخدام التحول الرقمي مع الأمم المتحدة    وائل جسار يعلن تأجيل حفله بمهرجان الموسيقى العربية    رئيسة قومي الطفولة تبحث مع مفوضية اللاجئين إنشاء فروع جديدة للمجلس    وزارة الصناعة توقع وثيقة تعاون مع منظمة العمل الدولية    "رحلة حامل".. تفاصيل مذكرة تفاهم ضمن مبادرة العناية بصحة الأم والجنين    «العدل» يعلن إعادة الهيكلة واستحداث أمانات جديدة لتعزيز الأداء    رئيس المركز الاعلامى لمبادرة ألف قائد: تأهيل شباب مسؤولية ولا غنى عن عودة المجالس المحلية    «سرابيوم الإسكندرية» أحدث إصدارات سلسلة "عارف" الوثائقية    انطلاق برنامج البناء الثقافى لأئمة سوهاج.. صور    أخبار الأهلي : صفقة تبادلية بين الأهلي وزد ..تعرف على التفاصيل    ننشر روابط تقييمات الأسبوع الثالث لتلاميذ المرحلة الابتدائية    أخبار الأهلي : 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة الأهلي والعين في إنتركونتيننتال    جامعة بنها تنظم قافلة طبية متخصصة في أمراض العيون بقرية بطا    وكيل زراعة الإسكندرية يتفقد منطقة آثار أبو مينا ببرج العرب لرصد المشاكل    فريدة الشوباشي: إسرائيل تكتب نهايتها بأيديها    ممثلة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين: نساء غزة يواجهن فظائع لا يمكن تحملها    بشرى سارة على صعيد العمل.. حظ برج الثور اليوم الأربعاء 9 أكتوبر 2024    لماذا رفضت منال سلامة دخول ابنتها أميرة أديب مجال الفن؟    تحريات أمن الجيزة تكشف ملابسات غرق طالب وانتشال جثته بعد مرور 4 أيام    جنود إسرائيليون فى رسالة تحذيرية: إما وقف إطلاق النار أو التوقف عن الخدمة    تمنى وفاته في الحرم ودفنه بمكة.. وفاة معتمر مصري بعد أداء صلاة العشاء    مسئول أممى: الجيش الإسرائيلى يهاجم لبنان بنفس الأساليب التى يستخدمها فى غزة    جيش كوريا الشمالية يعلن إغلاق الحدود مع كوريا الجنوبية بشكل دائم    الرمادي: اعتذرنا للزمالك لعدم بيع بيكهام.. وأخطأنا في رحيل خالد صبحي للمصري    الأجهزة الأمنية تواصل جهودها لمكافحة جرائم السرقات وملاحقة وضبط مرتكبيها    "سرابيوم الإسكندرية" أحدث إصدارات سلسلة "عارف" الوثائقية    جائزة نوبل فى الكيمياء.. كيف حفر أحمد زويل اسمه فى تاريخ العلوم؟    محافظ أسيوط يتفقد مركز بني محمديات المتميز للخدمات الصحية للأم والطفل لبحث تشغيله ودخوله الخدمة    بالأسماء، السماح ل 21 شخصًا بالتنازل عن الجنسية المصرية    الحالة المرورية بشوارع وميادين القاهرة الكبرى.. الأربعاء 9 أكتوبر    أمين الفتوى: الوسطية ليست تفريط.. وسيدنا النبي لم يكره الدنيا    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة المتهمين بقتل طفل شبرا الخيمة    هدنة غزة.. «رويترز» تكشف عن خطوة مفاجئة من قيادات حزب الله والسبب لبنان    الدعاء وسيلة لتحسين العلاقة بالله وزيادة الإيمان    الدعاء كوسيلة للتخلص من الهموم وجلب الطمأنينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملك واحد ، ثم 11 ملكا
نشر في المصريون يوم 26 - 06 - 2010

كنت في قرابة الثامنة عشرة من عمري عند قيام ما سموه بثورة 1952, كدنا نطير من الفرح ، وقلنا إنها الأمل الجديد الذي به يتحقق النصر بعد هزيمة الجيوش العربية السبعة هزيمة منكرة علي أيدي العصابات الصهيونية.
ولكن «الثوار» أسفروا عن وجوههم الحقيقية, واستطاع عبد الناصر بالمكر والغدر أن يقضي علي مفجر الثورة وأبيها وراعيها «محمد نجيب», وأن يزيح من طريقه كل من قال له لا , أو قال له " اتق اللّه ". وأصبح هو الدستور والقانون والحكم والحاكم والدولة .
وحاك المؤامرات , ودبر المظاهرات, وافتعل حادث الاعتداء عليه في المنشية. وشكل ما سمي بمحاكم الثورة ، ومحاكم الشعب, وغيرها, وما كانت إلا محاكم الظلم والدم والقهر والاستبداد, وبأمره شنق قادة الإخوان, وهم الأشراف الأبرياء المجاهدون الأبرار.
وفتح السجون ليلقي في غياباتها عشرات الآلاف الذين لا ذنب لهم إلا معارضة استبداده ودكتاتوريته , وصب عليهم من العذاب ما لم تعرف البشرية مثله من قبل , حتي مات الكثيرون من التعذيب , ودفنوا في الصحراء , وأصيب بعضهم بالجنون من هول ما نزل بهم, وما شاهدوه مما نزل بزملائهم. وأصبحت « شخصية المصري » هينة مهينة في البلاد التي يهاجر إليها ليكسب عيشه في أمان, وهو الذي كان - قبل العهد الناصري - ملٍءَ السمع والبصر, أو عملة صعبة - كما يقولون.
وعلي يديه كانت مذبحة القضاة , ومذبحة الصحفيين , لا لذنب جنوه , ولكن لأنهم لم يكونوا من أهل الثقة والولاء .
وظهرت بفضله طبقة جديدة من « الضباط العظام » نهبوا القصور الملكية , وأموال الحراسة , وأصبحوا وزوجاتهم وأبناؤهم أصحاب تجارات واسعة, ومكاتب استيراد , ونفوذ واسع . وعنهم عبر الشعب «بالنكتة» التي أفرغ فيها نقمته علي هذا الوضع, ومنها: أن أحد المواطنين - في الترام المزدحم - شعر براكب آخر يقف علي قدمه حتي كاد يسحقها, وهو يتحمل الألم الشديد في صمت إلي أن وصل الترام إلي آخر الخط, ونزل الراكب, فسأل الضحية دائسه:
- سيادتك من رجال الثورة?
- لا..
- هل أنت ضابط في الجيش, أو أحد أقربائك ضابط في الجيش ؟
- لا..
فصرخ هائجًا في وجهه «أُمّال دايس علي رجلي ليه من أول الخط لآخره يا ابن (.....) ؟!!! .
كما نجح عبد الناصر في إهدار أموال مصر في الخارج علي الأنصار والمغامرين للقيام بانقلابات ضد حكوماتهم في أفريقيا والبلاد العربية .
وضحي - في سبيل تحقيق مجد شخصي - بعشرات الألوف من خيرة شبابنا في اليمن, زيادة علي الملايين التي وُزعت علي شيوخ القبائل لكسب ودهم وتأييدهم.
وزّيف إرادة الشعب في استفتاء تمخض عن «نجاحه» بمجموع 99.999, وفي انتخاب أول «مجلس أمة» في عهد الثورة.
وحقق - بتفوق - أكبر هزيمتين في تاريخ مصر والعرب سنة 1956, سنة 1967.
وفي غيبة العدل والقانون, وانفراد الدكتاتور وحوارييه بالحكم والتحكم والسيادة والهيمنة علي مصر المسكينة.. أصبح الشعب يعيش في جو خانق من الرعب والفزع, والشك والقلق, وتغلغلت عيون الدكتاتور في الجامعات والمصالح الحكومية والبيوت, ودارت علي ألسنة الناس عبارات مثل: يا عم وأنا مالي - سبنا نأكل عيش - الحيطان لها ودان, وأصبح الجبن والتردد طبيعة, والنفاق دينًا, وماتت الضمائر, والشعور بالمسئولية, والتحمس للعمل والإنتاج.
ومن عجب أن تري من النفعيين والملاحدة والمنافقين من يتغافل - في مقام تقييم هذا العهد - عن ذكر هذه الجرائم والخطايا. وقد يذكر بعضهم بعضها, ويطلق عليها سلبيات.. أي واللّه سلبيات, مع أنها - في واقعها - إيجابيات إجرامية شيطانية جرّت علي مصر والعرب الخراب والدمار.
وكان من أقذر نقاط العار في وجه المسماة بالثورة, ووجه العهد الناصري إنشاء ما أطلقوا عليه " محكمة الشعب" بالأمر الصادر من مجلس قيادة الثورة في الأول من نوفمبر 1954 (أي بعد افتعال تمثيلية الاعتداء علي عبد الناصر في المنشية), وشكلت المحكمة برئاسة قائد الجناح جمال سالم, عضو مجلس قيادة الثورة, وعضوية القائمقام أنور السادات, والبكباشي أركان حرب حسين الشافعي, عضوي مجلس قيادة الثورة. وصدر الحكم بإعدام عبد القادر عودة, والشيخ محمد فرغلي, ويوسف طلعت, وإبراهيم الطيب, وهنداوي دوير, ومحمود عبد اللطيف, ونفذ حكم الإعدام. وذلك غير أحكام أخري بالأشغال الشاقة.
وهلك جمال سالم بعد مرض بشع خبيث طويل عاني فيه من الأوجاع والآلام والهلوسة والهذيان ما لا حدود له. كما قُتل السادات علي يد خالد الإسلامبولي في 6/10/1981.
مات كلاهما, ولم ينقل عنهما أنهما تابا إلي اللّه من جريمة إعدام الأبرياء. ولم يبق من الثلاثة علي قيد الحياة إلا حسين الشافعي. وقيل لي : إن الرجل نزع نزعة صوفية في الثمانينيات, وإنه يخطب أحيانًا في المساجد, وإن عباراته أصبحت ذات طوابع دينية. وتمنيت أن ألقي الرجل لأطلب منه أن يتوب إلي اللّه توبة نصوحًا كواحد من ثلاثة اشتركوا في إهدار دم شهداء الإخوان, ولكن أني لي ذلك, وأيان? والرجل لا يعرفني, ولم ألقه من قبل.
وما تمنيت أن يتم في مصر لم يتم إلا صدفة في مكة أمام بيت اللّه الحرام. كنت أنزل بفندق «خوقير» - وهو مطل علي الحرم - بالحجرة رقم 214, واكتشفت أن السيد حسين الشافعي ينزل بالحجرة 221 (في الطابق نفسه). وكان لقائي به قبل المغرب بساعة يوم السبت 28 من رجب 1410 - 24 من فبراير 1990), وبعد التعارف دار بيننا الحديث التالي:
- حمدًا للّه إذ ألقاك, فقد كنت عزمت علي أن أنشر مقالاً بعنوان "رسالة مفتوحة إلي حسين الشافعي", أطلب منك فيه أن تتوب إلي اللّه, بسبب ما اقترفته يداك.
- أتوب مم?!! أتوب مم؟ !
- من الاشتراك في قتل الأبرياء: عودة ، وفرغلي , ويوسف طلعت , وإبراهيم الطيب, وغيرهم .
- ولكن هؤلاء كانوا أعداء للثورة من أول لحظة .
- هذا غير صحيح , بل إن الإخوان هم الذين حموا الثورة . وعبد القادر عودة بالذات كان « يفرمل » شباب الإخوان , ويحد من حماستهم.
- ولكن الذي « وداهم في داهية » هو محمد نجيب .
- هذا الكلام أضعف من أن يرد عليه , ويكفيك خطيئة أنك كنت مرءوسًا لقاض مجنون.
......... -
- أسألك سؤالاً محددًا: هل كان رئيسكما.رئيس المحكمة جمال سالم سويًا أم مختلاً؟
- إنه سؤال تصعب الإجابة عليه..
- بل إجابته سهلة جدًا.. يعرفها الجاهل والمتعلم.
- كنت أتمني أن تقرأ المحاكمة كلها.
- قرأتها بالكلمة. كل محاضر الجلسات بأجزائها السبعة التي طبعتها الحكومة.. يا سيدي أنت الوحيد الباقي حيًا من الثلاثة فتب إلي اللّه, وانشر توبتك في الصحف, فقد يقتدي بك طغاة أخذهم الندم في «نوبة» من يقظة الضمير.
**********
وتركت حسين الشافعي, ولم ألتق به بعد ذلك, وفي مساء الأربعاء 17/7/2002 شاهدته في برنامج «بلا حدود» بقناة الجزيرة ولم أسمع من السيد حسين إلا الأغاليط , والإصرار علي الخطأ والخطيئة: زعم أن هدف الكيان الصهيوني من حرب 1967 - ومعها أمريكا - كان التخلص من عبد الناصر. ومعني هذا بمنطقك - يا سيد حسين - أن الكيان الصهيوني هُزم في هذه الحرب, وأننا انتصرنا انتصارًا ساحقًا لأن هدف الصهاينة لم يتحقق, وبقي لنا «ناصرنا» العظيم. ونسيت يا سيد حسين أنك بمقولتك هذه قد كذّبت عبد الناصر الذي اعترف بالهزيمة, وبأنه مسئول عنها. فأيكما نصدق ؟
ولن أقف عند كلام «صغير» يصدر من رجل كان أحد حكامنا ذات يوم مثل : «كل الانتقادات التي وجهت للثورة كانت هدامة, أما نقدي فهو الوحيد البنّاء» ومثل «أريني بيتًا واحدًا في الوطن العربي مفيش فيه صورة لعبد الناصر?», وأقول: أنا لم أدخل بيتًا ليس فيه صورة لعبد الناصر " .
واقول : إذا كانت الزعامة بالصور لكان من زعمائنا كاظم الساهر, وعمرو دياب, ونوال الزغبي , ونانسي عجرم.
وينفي الشافعي عن الإخوان اشتراكهم في الثورة, وطبعًا ينكر دور بطل مثل عبد المنعم عبد الرءوف, وما قام به الإخوان من حراسة المنشآت والكباري والكنائس.
ويستحل الشافعي دم ا لإخوان بمقولة إنه كان ضرورة لتحافظ الثورة علي بقائها, ولا أملك في النهاية إلا أن أقول: تب إلي اللّه يارجل من خطيئتين: الأولي شنق الإخوان, والثانية رضاؤك بأن تكون مرءوسًا لقاض مجنون كان يسخر من الذات الإلهية ومن الرسول والقرآن الكريم, ويطلب منهم أن يقرءوا الفاتحة بالمقلوب, (محاضر الجلسات 3/567), ويسبهم بأفجر الشتائم وأقذرها, ويستعدي عليهم الجمهور. تب إلي اللّه يا سيد حسين الشافعي, تب إلي اللّه { غافرالذَّنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الَطَّوًل لا إله إلاَّ هو إليه المصير} غافر: 3 .
هذا ما سجلته بيومياتي في حينه . وحسين الشافعي الآن بين يدي الله , وهذا لا يمنعني أن أنشر ما سجلته بيومياتي للتاريخ , ولا أقصد إساءة للرجل , فحسابه موكول إلى الله الذي حرم الظلم على نفسه , وما كان ظلاما للعبيد . ( أكتوبر 2007 ) .
والملك الواحد الذي قصدته بالعنوان هو حسنى مبارك مخترع نظام "الجمهوملكي " ، فهوالذي حكم مصر أطول مدة في تاريخها باستثناء عهد محمد علي باشا ، ومن عجب أن يحكم مصر مُددا أطول من المدة التى حكم فيها الملكان فؤاد وفاروق كلاهما ، وأطول من المدة التى حكم فيها رجال الثورة جميعا .
وعلى سبيل الاستطراد أذكر الواقعة الغريبة الأتية وهي أنني وأنا طالب في السنة الأولى من كلية دار العلوم (19531954) أجريت لي عملية " اللوز " بمستشفى الجامعة التى كان مديرها الدكتور عزيز البنداري ( وهو ابن كامل باشا البنداري المشهور)
وكان يجالسنا رجل جاوز الستين من عمره يعمل " عامل ظهورات " في حديقة الجامعة . وذات يوم جلس إلينا وقلنا له :
شوفت يا عم محمود ... أهي قامت الثورة لتعيد الحكم للشعب . فرأيت عبرتين في عينيه ، وقال في أسى شديد : " يابْني ، لقد كان يحكمنا ملك واحد اسمه فاروق ، ملك ابن ملك ... والآن يحكمنا 11 ملك ، كلهم أولاد " ....... " ، وأذكر أنني كنت أعمل في الفاعل في قصر عابدين " أي عامل من العمال الذين يساعدون البنائين في رفع الحجارة ، وما شابه ذلك ، فاعترضنا حجر حاولنا أن نرفعه فعجزنا ، وأخذنا ننشد " يا حسين ... يا حسين ... يا حسين ... فلم يتحرك الحجر . ففوجئنا بجلالة الملك ورأى ما نفعل وما نقول ، وقال بالحرف الواحد : طب جربوا المرة دي قولوا يارب . فأخذنا نردد في صوت جماعي " يارب يا معين ... يارب يا معين ... يارب يا معين " فاستطعنا أن نرفع الحجر إلى مكانه من السور وجاء البناءون ، وأكملوا بناءه . وأمر جلالة الملك لكل منا بعشرة جنيهات . ويصمت عم محمود ليقول : بكره يا بني حتشوفوا . وتحققت نبوءة الرجل وكان آخر واحد في الملوك الأحد عشر هو حسين الشافعي .
ولم يبق في الساحة إلا ثلاثة يقومون فعليا بدور الحاكم أو الملك . ويديرون شئون مصر في العلن أو في الخفاء :
الأول : هو صفوت الشريف " صاحب التاريخ المعروف أيام أن كان رجلا مهما في المخابرات المصرية ، وصفوت هو رئيس مجلس الشورى ، وأحدث كلماته التي تثير الأسى قوله " إن السيد حسني مبارك أسطورة ، لن تتكرر " وهو الذي تسبب في خسارة الشعب بإهماله في حريق يكلفه 45 مليون جنيه . وفي يده أن يتخذ من القرارات ما لا يناقش .
أما الثاني : فهو أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى والذي يتحكم في أعضاء مجلس الشعب ، بل يتلاعب بهم كما يشاء ، وآخر عبثياته أو سقوطاته أن الغالبية أي نواب الحزب الوطني وافقوا وصفقوا لقرار إلغاء الضريبة العقارية على المسكن الخاص ، وقام أحمد عز بحركة لا يفهمها إلا أمثاله ، دفعت هؤلاء إلى الاعتراض ، وسقط القرار . ومعنى هذا أن مجريات أمور الدولة في يدي هذا المذكور آنفا .
وقبل ذلك حينما سئل عن قوة الإخوان في المعارضة ، ونفوذهم في الشارع المصري ، فقد حصدوا 88 مقعدا في مجلس الشعب ." فكان جوابه هؤلاء جميعا لا قوة لهم ، والإخوان ليسوا بالصورة التى يعتقدها الناس ، وحصولهم على هذا العدد من المقاعد إنما يرجع لغلطة وقع فيها الحزب الوطني ، ولن تتكرر هذه الغلطة " .
وقد رأينا بشائر هذا " الوعيد " في الانتخابات النصفية لمجلس الشوري ، فلم يمكنوا واحدا من الإخوان من النجاح ، وزورت العملية الانتخابية تزويرا شاملا. مما دفع رجلا سياسيا كبيرا عاقلا هو عمرو موسى إذ صرح وقال : من الغريب الشاذ ألا يفوز في هذه الانتخابات واحد من الإخوان .
أما الثالث فهو : السيد جمال محمد حسني مبارك أمين السياسات وصاحب نظرية : النهوض بالألف قرية الأكثر فقرا، والمشهور بالوريث . ومن حقنا أن نسأل ولماذا اكتفى بألف قرية فقط مع أن مصر كلها أصبحت بقراها ومدنها من أكثر الشعوب فقرا ، ويرفض الواقع دعواه بأننا نعيش في ديمقراطية حقيقية . فأين الديمقراطية يا جمال والسجون مكتظة بالأبرياء من ذوي الرأي ؟ ونحن نعلم أن الإمكانات السياسية لجمال مبارك إمكانات وقدرات محدودة ، ولا يستطيع جمال أن يدعي أنه زعيم شعبي ، وإلا لاختلط بالناس وتحدث إليهم . ولكن الواقع يقول أنه لا يذهب إلى قرية أو مدينة إلا بالطائرة : والطرق مفروشة بمئات المصفحات ، وقد حدث أنه في إحدى زياراته أمر الناس بألا يغادروا بيوتهم ، كما أن الله صنع بين جمال وبين الشعب جدارا كثيفا فهو لا ينال من حب أي مواطن مثقال ذرة من خردل .
نعم هذا هو الثلاثي الذي يسير دفة الوطن المسكين . وأقول لك الله يا مصر .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.