صدمت كما صدم غيري بما عرضته الفضائيات من قيام محافظة المنيا بتدمير ستة آلاف فدان مستصلحة وخضراء وتخضع لملكية خاصة لمئات الملاك بالظهير الصحراوي لمحافظة المنيا، مع تدمير الآبار التي تروي هذه الأراضي، بحجة أن المحافظة ستبنى مكانهم محطة للمجاري، أعزكم الله، رغم وجود حكم قضائي بعدم تدمير الأرض المنزرعة والآبار التي ترويها، ورغم وجود مئات الآلاف من أفدنة الأراضي الصحراوية الجرداء بذات الظهير الصحراوي، إنها حقاً لكارثة. **مجاري مكان زراعات خضراء، زرعت بشق الأنفس وملايين الجنيهات؟!!!! **مجاري مكان عشرات الآبار التي تدفع بأنقى مياه في العالم، وحفرت بسواعد الرجال وبأغلى الأثمان؟!!!!!!! **مجاري مكان ستة آلاف فدان تم استصلاحها وزراعتها على مدار عشرين سنةً؟!!!!!!! **مجاري مكان محاصيل زراعية يأكلها الشعب المصري الكريم!!!!!!! **مجاري مكان محاصيل زراعية تصدر موسمياً لكافة دول العالم!!!!! **مجاري مكان أرض صحراوية مستصلحة وخضرت، وتروج بها الدولة لجذب الاستثمارات الأجنبية لاستصلاح الصحراء المصرية!!!!!! **مجاري مكان أرض صحراوية مستصلحة وخضرت، وترغب بها الدولة الشباب المصري من أجل الانتقال للصحراء الجرداء الموحشة، واستصلاح تلك الصحراء الجرداء الموحشة وتعميرها!!!!!!! **مجاري مكان أرض صحراوية مستصلحة وخضرت، والرئيس مبارك يشدد على المسئولين في كل مناسبة للاهتمام بالصحراء وتيسير سبل تعميرها!!!!!!! **مجاري مكان أرض صحراوية مستصلحة نجحت الزراعة فيها وتسترشد الدولة بها في وضع السياسات الزراعية المصرية، واعتماد المليارات لاستصلاح الصحراء في توشكى وشرق العوينات!!!!!!!!! **مجاري مكان ستة آلاف فدان صحراوي تم استصلاحهم وزراعتهم من قبل عمالة شبابية جادة، توفر على الدولة الاعتصامات والإضرابات والبحث عن فرص التعيين في الوظائف الحكومية!!!!!!!!! **مجاري مكان ستة آلاف فدان أخضر يبثون الأكسجين يومياً لمحافظة المنيا!!!! **مجاري مكان ستة آلاف فدان صحراوي تم استصلاحهم وزراعتهم، في وقت يتربص الأعداء بنا ولا يرغبون لمصر أن تزرع فداناً واحداً!!!!!!!!!!! **مجاري مكان ستة آلاف فدان صحراوي نجحت زراعتهم، ولو كانت الدولة تعاقدت مع إحدى الجهات الأجنبية لاستصلاحهم وزراعتهم لحصلت تلك الجهة على أكثر من عشرة مليارات دولار ولدفعتهم الدولة من خزينتها!!!!!!! **مجاري مكان ستة آلاف فدان أخضر، لو توافروا للكيان الصهيوني لصنعوا منهم المعجزات!!!!!!! بعد كل ذلك؛ من يضمن لأصحاب الأراضي الزراعية المستصلحة في وسط الصحراء المصرية الجرداء الخاوية الموحشة ألا يتحول حرثهم الأخضر إلى مجاري بجرة قلم؟. وكيف سترغب الدولة الآن الشباب المصري في استصلاح الصحراء وتعميرها، "وعايزنها تبقى خضرا الأرض اللي في الصحرا"!!، بعد أن صارت مجاري محافظة المنيا مرآة لكل شاب يرغب في تعمير وتخضير الصحراء الصفراء الجرداء الموحشة؟. وكيف ستبرر الدولة للمستثمرين المحليين والأجانب، تحويل الاستثمارات المحلية الخضراء الناجحة المبهرة إلى مجاري؟. والله إن العين لتدمع، كما تدمع عندما أرى آلاف الكيلومترات من الصحراء الصفراء الجرداء شرقاً في طريقي لسيناء، وغرباً في طريقي للسلوم، وجنوباً في طريقي لأسوان، وجنوب غرب في طريقي للواحات والوادي الجديد؛ وحينها كنت أتساءل مع نفسي: إلى متى ستظل مصر صفراء بهذا الشكل المفزع والمرعب؟. وإلى متى سيتم التضييق على استصلاح الأراضي الصحراوية في مصر؟. وإلى متى ستتقهقر الزراعة في مصر، بعد أن كان القطن المصري رقم واحد في العالم؟. ولماذا لا تقوم الدولة بمشروعات زراعية قومية تستوعب الشباب، وتستثمر مياه النيل والمياه الجوفية، في تعمير الصحراء وتخضيرها؟ بخلاف مشروع توشكى الذي لم نرى ونلمس ثمرته القومية حتى الآن. ولماذا لا تزرع مصر احتياجاتها من القمح أو على الأقل نصفه على أرضها الصالحة للزراعة؟. ولماذا لا تقوم في مصر صناعة زراعية قومية قائمة على الزراعة والثروة الحيوانية مثل الدول الإسكندنافية؟. إن السياسات الزراعية في مصر بحاجة إلى المراجعة الدقيقة، وملف الزراعة بحاجة إلى إسناده لجهة مستقلة، واعية بالأهمية الإستراتيجية للزراعة المصرية، على الأقل في المرحلة الراهنة بالغة الحساسية، مع ضرورة تغيير فلسفة التعامل مع استصلاح الأراضي الصحراوية بل والزراعية من التقييد إلى الترغيب، ومن التدمير إلى المعاونة، ومن التصفير إلى التخضير.