قال متحدث عسكري لوكالة الأنباء الفرنسية إن معبر رفح سيبقى مفتوحا إن لم يرتكب الطرف الآخر انتهاكات، ويمكنه أن يبقى للأبد إذا حدثت مصالحة بين حماس وفتح. لن يعجب البعض هذا الكلام. سيتهمون مصر بالتجهيز لاغلاق المعبر والتمهيد له لأنهم لا يستبعدون مؤامرة اسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود، كأنه مطلوب من مصر أن تفتح حدودها على البحري ولا تهتم بأمنها أو اتفاقياتها الدولية. تقع مسؤولية كبيرة على حركة حماس في الابقاء على الوضع الحالي لمعبر رفح وتطويره إلى الأفضل. من العبث أن نتحدث عن مؤامرة إسرائيلية فوق قدرة حماس على حماية حدودها مع مصر، فهي تسيطر على الأوضاع في القطاع كحكومة لها قوات عسكرية وجهاز استخباراتي ومحاكم. إذا أرادت حماس كسب ثقة مصر، وهي جارة مهمة وضرورية لها، فيجب أن تكون على وعي كامل بالموقف وبأثر علاقاتها مع بعض القوى الإقليمية على الإحساس المصري بالأمان، وأقصد هنا إيران وحزب الله وربما سوريا. في المرحلة الماضية أرادت حماس أن تستقوي بردود فعل بعض القوى الشعبية في مصر، وبصرخات متشددين على الانترنت يعتقدون في قرارة أنفسهم أن بقاء الحركة واستمرارها فوق أمن مصر واستقرارها ومخاوفها. القرار المصري بفتح معبر رفح كان استراتيجيا وفاعلا ومؤثرا ولا يمكن التهوين من أثاره، وعلى حماس إذا أرادت أن تبقيه حيا أن تخاطب مصر الرسمية وحدها دون غيرها من المكونات الشعبية، فالقرار السياسي والأمني لأي دولة في العالم لا يصنع في الشارع أو المقاهي أو أستديوهات الفضائيات والصالونات. لي أصدقاء من حماس وغيرهم في غزة، وعلى إتصال مستمر بهم، فالناس هناك تريد الخروج من هذا الحصار الذي يدفعون ثمنه المرير رغم محاولة نتنياهو تصوير غزة كانها ترفل في النعيم وضرب مثلا بأحد المطاعم الشهيرة فيها الذي تجد فيه أنواعا من المأكولات ليست في القاهرة أو الرياض! أقول لهم دائما.. اكسبوا ثقة مصر الرسمية. والآن أشدد على هذا القول وأضع تحته عشرين خطاً، فالمعبر مفتوح والناس تستطيع أن تدخل وتخرج والسلع كذلك ما عدا الأسمنت والحديد اللذين يدخلان من معبر آخر على الحدود مع فلسطين لاعتبارات ليست سياسية. ليس مطلوبا منها بالطبع أن تقطع علاقاتها الإقليمية أو تجعلها حكرا على مصر فقط، فلا يجوز أن تكون هناك وصاية على الآخرين، لكن المطلوب والمفترض فيها أنها كحكومة حتى لو وصفت بالمقالة، أن تتمتع بمسئوليات الدولة السياسية والأمنية، لا سيما أنها تعرف خطوط التقاطع بين مصر من جهة وقوى إقليمية تختلف معها من جهة أخرى. هذه المسئوليات لا تقتصر على تأمين جانبها الحدودي مع مصر من أي انتهاكات مسيئة للجانب الآخر، ولكن أن تبدأ فورا في استغلال المناخ الجديد لانجاح جهود المصالحة المصرية بينها وبين السلطة في رام الله، دون أن يكون للاعبين الاقليميين الآخرين تأثير في ذلك، فالقاهرة تريد الاطمئنان بأنها تتحدث مع حماس وليس مع طهران أو حسن نصر الله. لحماس أن تختلف وأن تطالب بالمزيد بشرط ألا يقطع الاختلاف أو المطالب زيارة من خالد مشعل إلى طهران تروج لها الآلة الإعلامية الإيرانية بأنها لعرض تقرير عن الموقف لولي أمر المسلمين، مشيرة إلى المرشد الإيراني خامنئي، كما حدث بعد حرب غزة. وحينها سألت مسئولا كبيرا في حماس عن قبولها لذلك التوصيف، فرد بأنه لا شأن لهم بما يراه الاعلام الإيراني في قائدهم، فإذا كانوا ينظرون إليه بأنه ولي أمر المسلمين، فنحن لا ننظر إليه كذلك. وأعجبني الرد فنشرته لأفحم به الاعلام الإيراني، ونقلته قنوات فضائية إخبارية شهيرة، فإذا بالمسئول يغضب بشدة، بحجة أن قوله لي لم يكن للنشر، وأنني كنت أدردش معه فحسب، وهذا ليس حقيقة، فلا يتصل صحفي أو إعلامي بمسئول ليسلي وقته، والواقع أن مشعل كان ما يزال في طهران، وأن تصريح المسئول في حماس أثارها عليه وكاد يعصف بالزيارة! حماس تعلم مدى سعادة اسرائيل بوجود دويلتين فلسطينيتين كل منهما عبارة عن سنتيمتر، وتدرك أن إقصاء "القدس" لصالح موضوع واحد هو غزة هو منتهى مناها وراحتها. وهذا ما يحدث الآن. الكل يتحدث عن الحصار وعن غزة كأنها كل فلسطين، بل إن هدف الحكومة الاسرائيلية، إخراجها من صفة الأرض المحتلة حتى تخلي مسئوليتها تماما عنها. إذا كانت إسرائيل تعيش أسوأ أيام سمعتها العالمية حاليا، فالواجب على حماس أن تتسلح بقدر كبير من الكياسة والسياسة وتتخلى عن كل معلبات التصريحات والخطب التي ثبت فشلها، وذلك في سبيل قرار فلسطيني واحد بلا تخوين أو تغليب سوء الظن. [email protected]